العراق على أعتاب مرحلة جديدة
قاسم حسين ..
لم نكن ندرك أنه في الوقت الذي كنا نستقل الطائرة العائدة من النجف إلى البحرين، ظهيرة ذلك اليوم، الثامن من يونيو 2014، أن هناك عملاً انقلابياً ضخماً على وشك أن يفجّر العراق.
كانت الحياة تجري كالمعتاد، والمدن التي زرناها لحضور مهرجان ثقافي سنوي تشارك فيه وفودٌ من خمسين دولة عربية وأجنبية، كانت تخضع لإجراءات أمنية مشددة، حيث تنتشر نقاط تفتيش على هيئة أطواق دائرية، وكلما اقتربت من مركز المدينة زاد التفتيش للأفراد وللسيارات دقةً. فكان الوضع داخلها يبعث على درجةٍ عاليةٍ من الطمأنينة والأمان.
من هنا كانت صدمةً كبيرةً أن نسمع في اليوم التالي لوصولنا البحرين، أن هناك تنظيماً احتل مساحات واسعة من العراق، وبات خلال يومين يهدّد باجتياح بغداد. وسرعان ما انتشرت في الأيام التالية، مقاطع فيديو يهدّد فيها المسلّحون باجتياح كربلاء والنجف، ذات الصبغة الدينية، متوعّدين أهلها بتصفية الحسابات، مهدّدين بأن تكون هناك «المعركة الحقيقية»!
كان انقلاباً عاصفاً زلزل أركان العراق، تكشّف عن اهتراء قوة الجيش العراقي، حيث سلّم محافظات بأكملها دون قتال. وسرعان ما سيطر «داعش» بشكل سريع ومباغت على كامل محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل، وتمدّد جنوباً ليسيطر على تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، وبلغ منطقة الضلوعية شمال بغداد.
من المؤكد أن الأمور لم تحدث صدفةً، وإنّما كشفت الأحداث وجود تواطؤ مسبق، وخياناتٍ على مستوى القيادات العسكرية والمدنية في عددٍ من المحافظات. في ذلك اليوم، شاهد العالم صور الجنود العراقيين وهم يتركون معسكراتهم ويستبدلون ملابسهم العسكرية بأخرى مدنية، ليدخلها مسلحو «داعش» دون قتال. كان نكسةً للعسكرية العراقية، ولسمعة الجندي العراقي، ولشرف العراق. كانت العاصمة مهدّدةً بالسقوط بأيدي «داعش»، وكانت المسرح الدولي معداً للاحتفال بإعلان قيام «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، إلى درجة أنّه حتى التسمية المختصرة باللغة الانجليزية (ISIS) قد جرى نحتها لتكون جاهزةً للتداول في أجهزة الإعلام.
هناك مفاجأتان -على الأقل- وقعتا ولم تكونا في الحسبان، أفسدتا الخطة وهدّتا البنيان. الأولى دعوة المرجعية الدينية للإستنفار الشعبي لإنقاذ العراق، والثانية خطأ التنظيم القاتل، حين أرسل ببعض قواته إلى الحدود الجنوبية والغربية، ليهدّد الأردن والسعودية، واتبعها بنشر خريطته للتمدد واجتياح دول الخليج.
التنظيم الذي بزغ من الظلام، مكوّن من ضباط في الجيش العراقي والمخابرات أيام صدام، قدّرتهم صحيفة «الشرق الأوسط» سابقاً بين 100 و160 ضابطاً بعثياً، يقاتلون بنفسية من يراهن باسترجاع ما خسره أو الدمار.
بدأ هذا التنظيم العسكري سيرةً غير مسبوقة من العنف والإرهاب، تجاوزت ما كان يعمله النازيون والفاشست، في الحرب العالمية الثانية، وتعمّد نشر صور جرائمه في القتل والحرق والإغراق والسبي وقطع الرؤوس، عبر الفيديو، مستغلاً شبكة الانترنت لبث الرعب في قلوب الآخرين، لشل الضحايا عن الحركة. كان يستلهم ذلك من الإستراتيجية التي ابتدعها الأميركيون في «الصدمة والترويع» في غزو العراق، فتفوّق فيها المريد على الأستاذ.
وقع كل ذلك في الأسبوع الأول من شهر شعبان 1435 هـ، واختار العراقيون الفترة نفسها لانطلاق عملية تحرير بلادهم من «داعش»، بدءًا من عاصمته الفلوجة، تمهيداً للوثبة المقبلة باتجاه الموصل في الشمال.
اليوم، العراق على عتبة جديدة، يؤمل أن تكون مرحلة يتجاوز من خلالها أخطاء السياسات الفاشلة، وانتكاسات الماضي، ليفتح صفحةً جديدةً تجمع العراقيين في وطنٍ واحدٍ موحّد دون عقدٍ أو استعلاء.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/06/20