أعترف بأني مقصر 2030 مرة
شاهر النهاري ..
لا أخفيكم سرا أني حاولت مرارا الكتابة عن رؤية المملكة 2030، وترددت لشعوري بأنها حبلى بالرؤى والنظريات والحسابات الفلكية والأحلام العظيمة، التي تشعرني بأني ما أزال قاصرا عن الفهم، وأنا لا آمن ركوب الأمواج العالية، وأحاول ترك المجازفة لمن هم أكثر مني عزما، وأكثر سرعة في تحديد رؤاهم بتفاؤل شديد، حتى ولو لم تكن النتائج محسوبة ومضمونة حولهم.
في الحياة الشخصية وعندما يفكر أحدنا في مشروع بسيط، تجده يقلق، ويبحث، ويدرس، ويسأل أهل الخبرة، لعلمه بأنه مُقدم على أمر غير محسوب الأخطار، وربما يتردد، ويشكك، ويبحث أكثر ويقارن، فما بالك بمشروع بمثل هذا الحجم الخرافي، وبمثل هذا التفرع العالمي، وبمتطلبات التغيير الشامل في الفكر، والإنسان المستقبلي، والتدوير، والإخلاص، والتحوير، والدقة، والمتابعة.
الشأن النظري قد يكون مشجعا، ولكن المعطيات البشرية، والاجتماعية والفكرية والموارد تظل منطقة جهل؛ والتغير السطحي قد يكون، أما التغيير الكلي المتجانس فيلزمه الكثير من الحرص، والصدق، ومن عدالة التطبيق على الكبير قبل الصغير، والمفسد قبل الصالح، وعلى المسؤول، قبل العامة.
نظرية رؤية 2030 أكبر من أن يحيط بها عقل واحد، وهي أخطر من أن تدار، بالتساهيل أملا في حصول المراد.
أحد المخرجين لبرامج الحوار في قناة سعودية، طلبني وعرض علي أن أكون ضيفا شبه دائم في حلقات متعددة عن الرؤية.
وبكل انفتاح استفسرت منه عن نقاط متعددة قبل الموافقة، وكان من أهمها، هو من الذي سيقوم بالإعداد لتلك الحلقات، فقنوات المملكة عموما تشتكي من نقص الجودة في الإعداد وغيره من التخصصات، وأغلبية من يقوم بتلك الأدوار شباب متعاونون مع القنوات، مما يجبر الضيف الحريص على مراجعة المادة المعدة بنفسه، وإعادة كتابتها ليزيد أو ينقص أو يحور.
لقد أخبرت صديقي المخرج أن الأمر يجب أن يكون مختلفا عن السابق، فحتى هيئة الإذاعة والتلفزيون يجب أن يكون لها رؤية مستقبلية جديدة مواكبة للرؤية 2030، وأن يصبح لها قوة ودعم وتميز وانتخاب وتخصص وأسس علمية تمكن الضيف من الإفادة والظهور المقنع.
هل ينفع أن أظهر على الشاشات لمجرد ترديد ما يقال في الصحف، وأن أضرب رجما في الغيب، عن رؤية نظرية قد تتحقق، وقد يواجهها العسر في التنفيذ؟.
ثم إن الأمر مشابه للتحليل الرياضي، الذي يحصل قبل المباراة، بمعطيات قد تكون واضحة لمن يقوم بالتحليل، ولكن نزول اللاعبين إلى الملعب، وما يحدث بعد ذلك من أحداث فنية وإدارية وجمهور ونفسيات تؤدي إلى نتيجة قد تطابق توقع المحللين، وقد تتنافى أو تتعاكس مع وجهات النظر المطروحة.
التنظير عن المستقبل يجب أن يكون أكثر يقينا واتساعا وجلاء، وأكثر تقبلا للنقد قبل التفاؤل.
وسؤالي الثاني لمخرجنا الحبيب، هل البرنامج للتاريخ، والمستقبل، أم إنه مجرد برنامج للحشو والتلميع، تذوب صوره قبل أن ينتهي عرضه، وبالعودة لأرشيف الواقع التلفزيوني، فكم من برنامج سابق نستطيع اليوم أن نظهره على الشاشات، ونفتخر بأن ما قيل فيه من تحليل في حينها، قد تحقق، برؤية قديمة متجددة متأصلة متطلعة.
أعترف لكم، فأنا مقصر في الرؤية، ولكني أتأمل أن أوازيها بنبضات توجسي وتطلعاتي الوطنية الصادقة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/06/22