مخاطر الاستدراج
لعل ما يجري في منطقتنا العربية في هذه المرحلة يراد منه تغيير البنى السياسية والاجتماعية وإعادة ترتيب الخارطة الجيوسياسية بشكل عام. فالحوادث المتتالية والازمات المتلاحقة والصراعات المتفجرة والاندفاع المتهور للمواجهة بين مختلف الأطراف لا تفسير له الا كونه استدراجا مدروسا قائما على معرفة مكامن الضعف والاثارة وتوجيهها.
وعندما تغيب الحكمة والعقلانية ويفقد التوازن فان مصائب كبيرة قد تنتج بسبب التهور والانفعال وردود الأفعال الغير مدروسة.
في داخل كل بلد عربي تفجرت أزمات حادة بين مختلف مكوناته المجتمعية وتحت مسميات وعناوين مختلفة؛ اما مذهبية او سياسية او إثنية او دينية او مناطقية. ونتج عن ذلك صدامات وتوترات حادة، افقدت الجميع القدرة على السيطرة على الأمور والتفكير بصورة عقلانية.
في هذه البلدان نرى ان هناك اندفاعا وحماسا من قبل تجمعات شعبية للاعتراض على أوضاعها بطرق واساليب حادة بلغت الاعتداء المباشر واستخدام مختلف وسائل العنف ضد المخالفين من أبناء المجتمع او ضد الدولة واجهزتها وأفرادها ومؤسساتها.
ونتج عن ذلك بالتالي أضعاف هيبة الدولة وانظمتها، التي تشكل في الأساس أدوات حماية للمجتمع من التفكك والانهيار. فمؤسسات الدولة هي بالتالي ملك للشعب وليست للانظمة الحاكمة، والأضرار بها يعني المزيد من الخسائر للوطن.
في مقابل ذلك، فان سلوك الدولة ايضا عندما يكون عنيفا وقمعيا وخارجا عن الضوابط والاعراف فانه يقود الى الأضرار بأفراد المجتمع ودفعهم الى الصدام والمواجهة. فمن بين الأساليب التي تمارسها الدول العربية في هذه المرحلة الإعتقال التعسفي للنشطاء، واستخدام القضاء كأداة لاصدار احكام قاسية تصل الى الإعدام، ومنع سبل التعبير السلمي، وتطبيق إجراءات غير قانونية بحق المواطنين.
مثل هذه الخطوات تقود حتما الى مزيد من التوتر والتشدد، وينتج عنها مزيد من الالتفاف حول الجماعات المتطرفة التي قد تتجه لممارسة اعمال العنف.
هذه الدورة من الفعل والفعل المضاد هي ما نعيشها حاليا، وهي ما نستدرج لها جميعا حكومات وجماعات شعبية. ومن المؤكد انها لا تقود الا الى المزيد من الأضرار والضعف والتفكك والتشرذم لانها لا تخدم اي طرف من الأطراف وليست نابعة من رؤية وطنية واعية.
المستفيد من كل هذه التوترات الناتجة عن الاستدراج هو من يهدف الى أضعاف المجتمع والدولة وإنهاكهما، من خلال زيادة جرعة التوتر بصورة مستمرة ومتواصلة.
في هذا الجو الملبد بسحب الشك والريبة والمشحون بخطاب التحريض المتبادل، وفي ظل انتشار الفتن العمياء لابد من الوقوف مليا والمراجعة المتأنية والتقييم المتوازن والموضوعي. لعلنا نسترد بعض انفاس الحكمة والعقلانية ونعمل على تحقيق ما نراه في صالحنا وليس ضدنا، وان نتأنى لئلا نستدرج من قبل من يريد ان يحول مكاسبنا الى خسارة وقوتنا الى ضعف وبناءنا الى دمار وابناءنا الى ضحايا وثرواتنا الى خسائر وكثرتنا الى ضعف وانتصاراتنا الى هزيمة.
الكاتب: جعفر الشايب
أضيف بتاريخ :2015/10/15