آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. منصور الجمري
عن الكاتب :
كاتب بحريني ورئيس تحرير صحيفة الوسط البحرينية

بريطانيا وصعوبة العودة إلى «أمة من أصحاب المتاجر»


منصور الجمري ..

التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو/ حزيران 2016 له عوامل متداخلة، فهذا البلد قام أساساً على حرية التفكير، وعلى حرية التجارة. وعوداً إلى التاريخ، فإنه في العام 1695 لم يجدد البرلمان قانون مراقبة المطبوعات، وبالتالي تحرَّرت المطابع من الرقابة، وذلك ساهم في تنمية نهضة علمية كبيرة. وفي 1776 نشر عالم الاقتصاد آدم سميث كتابه «ثروة الأمم» والذي سعى فيه إلى شرح أهمية السوق والتجارة في تعظيم ثروات الأمم، وتحدث عن أن إمبراطورية بريطانيا قامت لأن لديها حكومة تستجيب لـ «أمة من أصحاب المتاجر». وقيل إن نابليون بونابرت، والفرنسيين، كانوا يستهزئون بالبريطانيين ويصفونهم بـ «أمة من أصحاب المتاجر» a nation of shopkeepers.

مشكلة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي أن الأخير تأسس من دون مشاركة بريطانيا فيه، بل وبعدم رغبتها في قيامه. وتعود جذور تأسيس الاتحاد الأوروبي إلى تحالفين أوروبيين، أحدهما نفذته ثلاث دول صغيرة، والآخر نفذته ثلاث دول كبيرة. فبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، فقدت بريطانيا قوتها بسبب خسائر الحرب، على الرغم من تحقيقها النصر مع الحلفاء. ولكن قبل انتهاء الحرب، في العام 1944، تجمَّع في لندن قادة منفيُّون من ثلاثة بلدان أوروبية صغيرة، وهي بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، وأسسوا «اتحاد البنلوكس» بهدف توحيد الجوانب السياسية والاقتصادية لهذه البلدان المتجاورة فيما بعد الحرب. وبدأت هذه البلدان باتفاقية لتوحيد الجمارك، وبعد الحرب حققت هذه الدول الصغيرة نجاحاً مبهراً.

أما التحالف الثاني فقد انطلق في العام 1951 بمبادرة من ثلاث دول كبيرة، وهي ألمانيا الغربية وفرنسا وإيطاليا، والتي شكلت المجموعة الأوروبية لصناعات الفحم والحديد، وهذا نجح في تعزيز المكانة الاقتصادية لهذه الدول.

بعد ذلك في العام 1957، وحَّدت الدول الست (بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وألمانيا الغربية وفرنسا وإيطاليا) جهودها في اتفاقية واحدة وهي المجموعة الأوروبية الاقتصادية EEC، أو ما كانت تعرف بالسوق الأوروبية المشتركة. كانت بريطانيا - آنذاك - لازالت تتصرف وكأنها قوة عظمى، ولم تعترف بأن هناك قوة أعظم منها (أميركا)، إلَّا بعد فشلها في الخروج منتصرة بعد أزمة قناة السويس في نهاية العام 1956. وعليه تأسست السوق المشتركة من دون بريطانيا، وبدأت تحقق نجاحات اقتصادية سريعة.

في مطلع الستينات، سعت بريطانيا إلى قيادة تحالف أوروبي آخر، تحت اسم الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة EFTA، وكان في البداية يتكون من سبعة بلدان (النمسا، الدنمارك، النرويج، البرتغال، السويد، سويسرا، المملكة المتحدة)، ولكن هذا التحالف لم يستطع منافسة السوق الأوروبية المشتركة، وبالتالي بدأت تلك الدول تقدم إلى عضوية السوق المشتركة.

الرئيس الفرنسي الأسبق تشارل ديغول كان منزعجاً من بريطانيا، ولذا وقف أمام طلب عضوية بريطانيا في السوق المشتركة لسنوات طويلة، وظل الوضع هذا حتى العام 1973، عندما دخلت بريطانيا السوق الأوروبية. حينها أصبح حجم اقتصادها أضعف بكثير من السابق.
عضوية بريطانيا في السوق المشتركة (لاحقاً سُمِّيت بالاتحاد الأوروبي) كانت صعبة ومعقدة، ومضطربة بسبب جذور التكوين الأوروبي، وبسبب اعتقاد بريطانيا أن بإمكانها أن تكون دولة قوية مرة أخرى بالاعتماد على عناصر قوتها، وعلى علاقاتها مع أميركا. هذا الرأي انتصر بنسبة 52 في المئة في 23 يونيو 2016، والآن على بريطانيا أن تبدأ عملية «الطلاق» من أوروبا.

غير أن بريطانيا الآن ليست بالضرورة «أمة من أصحاب المحلات» تستطيع أن تنافس أمماً أخرى، كأميركا والصين واليابان وألمانيا وكوريا وغيرها، والتي تقدم منتجات وخدمات من كل نوع، وفي سوق عالمي مختلف... ربما أن الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي تشعر بارتياح لخروج العضو المزعج (بريطانيا)، ولكنها تخشى أيضاً من انتشار عدوى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/06/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد