عاشوراء الحسين والقيم الأخلاقية والإنسانية السامية
في شهر محرم الحرام من كل عام يحيي أهل البحرين عاشوراء الحسين عليه السلام في جل المناطق الواقعة في محافظات البلاد الأربع، العاصمة والشمالية والجنوبية والمحرق، فإنهم يحيون هذه الذكرى المأسوية، ليعبروا عن حزنهم ولوعتهم على ما جرى في يوم العاشر من محرم الحرام عام 61 لسبط رسول الله (ص) الإمام الحسين (ع) ولأهل بيته الأطهار وأصحابه الأوفياء (رض)، وليتخذونها فرصة مهمة للتنديد بالإرهاب البغيض الذي يفتك بالإنسان، وليعلنوا بكل صراحة رفضهم القاطع لكل أنواع العنف والاعتداء على الإنسان وممتلكاته وحرماته، وليرسخوا روح التسامح والسلام بين بني البشر بمختلف أطيافهم وشرائحهم الاجتماعية ومشاربهم العقائدية والفقهية والسياسية، فإن إحياء ذكرى فاجعة كربلاء، إحياء للإسلام وللإصلاح وللوحدة ولكل المبادئ السامية التي ضحى من أجلها الحسين الشهيد (ع)، ولإعلان الحداد العام على الإمام الحسين بن علي حفيد الرسول الأعظم صلى الله عليه آله وسلم.
كيف لا وهو الذي قال عنه نبي الإسلام (ص) (حسين مني وأنا من حسين)، الذي لم يختلف أحد من علماء المسلمين ومؤرخيهم على صحته، فلهذا أوردته جميع المذاهب الإسلامية في كتبها المعتبرة، وقالت أن الإمام الحسين (ع) هو الامتداد الحقيقي لرسول الله (ص) في النسب وتبليغ الرسالة، وكان إماماً مخلصاً ووفياً لدينه، ولم يكن يختلف عن جده رسول الله (ص) قيد أنملة في أخلاقه وتواضعه وسجاياه السامية ورحمته وحنانه على الأمة ونصرته للسلام العزيز وخصومته للإرهاب البغيض بكل أشكاله، وكان مطيعاً لله ورسوله، فلهذا يخاطبه زائره عند وقوفه على ضريحه الشريف (أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وأطعت الله ورسوله، حتى أتاك اليقين) .
في كربلاء الشموخ وفي أحلك الظروف وأشدها جسد الإمام الحسين عليه السلام الأخلاقيات الإنسانية، بكل معانيها السامية، وكان يتعامل برحمة فائقة مع خصومه الذين جاؤوا لقتله والتمثيل بجسده الشريف وسبي أهله وبأرقى الأخلاقيات الإنسانية التي يقل مثيلها، لم يكن يهدف إلا الإصلاح في أمة جده، ولهذا كان شعاره الإصلاحي واضحاً للأمة حيث قال (لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)، وليس بمستغرب إذا ما رأينا أبناء هذا البلد الطيب المسالم يحرصون على إحياء ذكرى فاجعة كربلاء في كل عام وفي كل الأحوال والظروف.
ومن الطبيعي أن نرى الإمام الحسين ريحانة رسول الله (ص) يسكن في قلوب المسلمين بمختلف ألسنتهم وألوانهم وفي وجدانهم ومشاعرهم الإنسانية، وأن يعبروا بمختلف الطرق والوسائل المتاحة لديهم والمشروعة دينياً والبعيدة عن كل أنواع المبالغة، عن مواساتهم الصادقة لرسول الله (ص) في هذا المصاب الجلل، وعن حزنهم وشجبهم وتنديدهم بكل الإعمال الإرهابية التي مورست على أرض كربلاء ضد سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) والتي تمارس في مختلف المجتمعات الإنسانية في كل الأزمان والعصور، وإقامة مجالس العزاء وتنظيم الفعاليات الفنية والإعلامية والإنسانية، في الكثير من المناطق في محافظات البلاد الأربع التي يكسوها السواد في هذه الأيام، حزناً على استشهاد سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته الإمام الحسين (ع) وجملة من أبنائه وأهل بيته وأصحابه (رض) في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام في العام 61 هـجرية على أرض كربلاء في العراق، وترويع وترهيب أهل بيته والاعتداء على بناته وزوجاته وأخواته بالضرب والألفاظ البذيئة وأخذهن بعد إذلالهن سبايا إلى الكوفة ثم دمشق بعد المرور بهن على لبنان وعدة مناطق في الشام، لا شك أن عمر الفاجعة الذي يصل إلى 1376 عاماً هجرياً، لا يقلل من أهميتها الإسلامية والإنسانية.
فالمجتمعات الإنسانية بحاجة إلى الوقوف بتمعن أمام هذه النكبة الإنسانية، لأخذ العبر من كل فصولها المأساوية، التي أدمت قلوب الإنسانية وأدمعت قلوبهم، والإطلاع الواعي على أخلاقيات الإمام الحسين (ع) الراقية في كل خطواته الإصلاحية، فالحسين (ع) قدم القيم والمبادئ السامية على مصالحه الدنيوية، وكان مثالاً رائعاً للإباء والعزة والكرامة، وكان درساً بليغاً في السمو الأخلاقي والإنساني، فكان لكل شخصية استشهدت أو تواجدت في كربلاء الحسين (ع) معانٍ سامية.
فالعباس كان رمز الوفاء والإخلاص غير المتناهي، وكان علي الأكبر رمز الشباب الواعي والعارف للحق، وكان القاسم بن الحسن رمز الصفاء الروحي والنفسي الذي يرى الدنيا ببصيرته الثاقبة، وكان حبيب بن مظاهر رمز كبار السن المدركين لعواقب الأمور، وكان الحر بن يزيد الرياحي رمز التائبين لله الواحد القهار، وكان جون مولى أبي ذر رمز الصادقين لوعودهم، وكان رجال أهل البيت والأنصار رموزاً نيرة في العطاء الذي ليس له حدود، وكان علي بن الحسين زين العابدين رمزاً لتبيان الحقيقة بكل تفاصيلها وحيثياتها الدقيقة، وكان قبلهم مسلم بن عقيل رمزاً للبذل والإيثار والحكمة والحلم، وكانت زينب رمز العفاف الحقيقي، وكانت رقية رمز الطفولة البريئة المظلومة، وكن نساء أهل البيت والأصحاب رموزاً ساطعة في الثبات على الحق رغم شدة وقسوة الأحول والظروف، فالسلام عليك يا أبا عبدالله الحسين، يوم ولدت وترعرعت في أحضان النبوة ويوم استشهدت مظلوماً على يد الإرهاب، ويوم تبعث حياً لنيل الدرجة الرفيعة والمقام المحمود مع جدك المصطفى رسول الله (ص) والصديقين.
الكاتب: سلمان سالم
صحيفة الوسط البحرينية.
أضيف بتاريخ :2015/10/16