رغم كل الانتقادات المتبادلة بين المملكة السعودية وإيران ورغم كل يحكى وكل ما تشهده المنطقة من "شد حبال" بين الرياض وطهران أو تنافس غير مباشر في أكثر من ملف، ورغم الأحداث المتسارعة التي وقعت وأثرت في العلاقة بين الجارين اللدودين، من حادثة منى ومقتل السفير غضنفر ركن أبادي إلى حادثة السفارة السعودية في طهران وصولا إلى مسلسل الأحداث المفتوح من اليمن إلى سوريا والعراق وغيرها من الساحات، رغم كل ذلك لم يصل الأمر بين إيران والمملكة السعودية أن أعلنت أحداهما صراحة الرغبة بإسقاط النظام في البلد الآخر، وكأنهما حافظا على "خط الرجعة" الذي يبقى موجودا لأسباب كثيرة في العلاقات السياسية بين الدول وما أكثرها بين الرياض وطهران.

مهمة جديدة للفيصل.. مع الإرهاب هذه المرة؟!

والإعلان الصريح للإطاحة بالنظام هو بالتحديد ما تكفّل بالقيام به رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق تركي الفيصل الذي أخذ على عاتقه هذه المهمة وطالب بإسقاط النظام في إيران ضاربا بعرض الحائط كل احتمال لعودة العلاقات الطبيعية بين المملكة والجمهورية الإسلامية، حيث ذهب الفيصل إلى العاصمة باريس مشاركا في مؤتمر لمنظمة "مجاهدي خلق" التي تصنف نفسها بأنها "معارضة إيرانية" بينما يراها كُثر بأنها منظمة إرهابية وفي مقدمة هؤلاء الحليف الاستراتيجي للرياض أي الولايات المتحدة الأمريكية التي تضع منظمة "خلق" على لوائحها للإرهاب، ومع ذلك لم يتردد تركي الفيصل بالذهاب واعتلاء منبر مؤتمر هذه المنظمة للمطالبة بإسقاط النظام الشرعي والمنتخب في إيران على أساس الدستور والقوانين، حيث توجد انتخابات رئاسية وبرلمانية وهناك أيضا أجهزة ومؤسسات دستورية تعمل بحكم القانون والتأييد الشعبي والممارسة الديمقراطية التي لا يشكك بها حتى ألدّ أعداء إيران باستثناء قلة قليلة ممن يُدخلون السياسة والإستراتيجيا ومصالح الدول بالعواطف والغرائز والرغبات الشخصية.

ورحلة الفيصل إلى مؤتمر "خلق" في باريس تثير الكثير من التساؤلات، حول الأسباب الكامنة خلفها والدوافع الحقيقية لقيام الرجل بهكذا خطوة؟ وهل أقدم على ذلك بمحض إرادته الشخصية أم أن هناك من يدفعه إلى لعب مثل هذه الأدوار من التقارب مع الصهاينة إلى دعم منظمة إرهابية تسمي نفسها معارضة إيرانية؟ بالإضافة إلى تساؤلات حول الجدوى من هذه المشاركة وهل ستؤدي إلى شيء ما على صعيد دعم هذه المنظمة ومن ثم أي معارضة إيرانية أخرى؟ وهل هذا الدعم إن توفر سيكون من قبل السلطات السعودية أم من قبل جهات صديقة للفيصل كـ"إسرائيل" مثلا؟ وهل السلطات المعنية في المملكة السعودية تقبل بلعب مثل هذا الدور وما الفائدة من ذلك؟ وإن سلمنا جدلا بقبولها ذلك لماذا تقوم به في العلن وأمام عدسات الكاميرات بينما تستطيع أن تقوم بكثير من الأمور في الخفاء؟

لا تبني لمواقف الفيصل.. ولكن؟

والحقيقة أن لا أدلة ملموسة حتى الساعة تبين أن تركي الفيصل قد كُلف من قبل القيادة السعودية للقيام بما قام به باتجاه منظمة "خلق"، كما أنه لا يُعقل ولا يمكن التوقع أن القيادة السعودية الحالية تقبل بذلك، كما أنها لا تتبنى هذه الخطوات بل هي على الأرجح مع مرور الوقت ستتبرأ من أفعال وأقوال الفيصل اتجاه إيران كما حصل سابقا عندما أعلنت المملكة صراحة أن الفيصل عندما يتحدث عن علاقة مع "إسرائيل" فهو يقوم بذلك بمحض إرادته وبنشاط خاص من دون أي تكليف أو تنسيق مسبق مع أحد في القيادة السعودية.

واللافت أن مواقف الفيصل أشعلت الشارع السعودي المتواجد افتراضيا على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومنتقد لها ولسياسة المملكة بشكل عام، فمنهم من رفض المشاركة جملة وتفصيلا كما رفض المنطق الذي تحدث به الفيصل، ومنهم من اعتبرها "ذريعة لتدخل إيران في شؤون دول الخليج وأنها ستضفي شرعية مفقودة على التدخل الإيراني في شؤون الجوار"، كما اعتبرها البعض "خطوة غير محسوبة لأنها تبين أن المعارضة الإيرانية مخترقة".

من جهة ثانية، رأى البعض أن مشاركة الفيصل تفتح الباب على كثير من التساؤلات عن الوضع داخل المملكة، من باب أن من يطالب بالحرية والديمقراطية في دول أخرى الأولى به أن يطالب بها لأهله وناسه في بلده الذي يعاني الكثير في هذا المجال، وسأل البعض عن "مستوى الحقوق والعدالة وحرية التعبير عن الرأي في المملكة التي تطالب بالحريات في دول أخرى"، وأضافوا "قبل مطالبة السعودية بتغيير أنظمة العالم والحرية هل تعتبر السعودية ديمقراطية؟ في السعودية يعدم المواطن إذا عبر عن رأيه أو يجلد هل هذه حرية؟".

والبارز أنه بعد مواقف الفيصل وجد في المملكة من أهل الإعلام من خرج للتهليل للخطوة حيث وجد من اعتبرها "أول عمل إعلامي سعودي قوي يوجه ضربة قوية لملالي إيران..."، ورأى أن "تركي الفيصل نجح وبامتياز" بما فعله في مؤتمر "خلق" الباريسي وان "حضور تركي الفيصل حضور أربك حسابات كثيرة عربية وإقليمية وكعادته الفيصل يربك ولا يرتبك"، إلا أن هذا التهليل غير الارتجالي ولا البريء لمواقف الفيصل يدفع من جديد للتساؤل عن مدى القبول الصريح أو الضمني للأجهزة والسلطات الرسمية السعودية به؟ وهل فعلا يقبل منها فقط "نفض اليد" من تصرفات الرجل؟ وكيف تقبل أجهزة الدولة على موظف سابق(وإن كان بحجم رئيس استخبارات) أن يخرج ليتصرف على هواه وكيفما يريد إن لم يكن هناك من يعطيه "الضوء الأخضر" للتحرك ويرسم له "سقوف" سياسية وأمنية يتحرك من خلالها؟ وهل يقبل القانون السعودي من "مواطن" وأحد أفراد العائلة الحاكمة أن يفعل ما يحلو له خاصة أن هذه الأفعال قد ترتد سلبا على الدولة ككل؟

ماذا عن الموقف السعودي الرسمي؟؟

كل هذه التساؤلات قد نجد لها بعض الإجابات في كلام نشر في صحيفة "الرياض" السعودية حيث كتبت "الأمير تركي الفيصل يحمل صفة رسمية في الحكومة حتى لو استقال من جميع مناصبه الرسمية، فالأمير تركي هو جزء مهم من السياسة السعودية سواء كان في المنصب أو خارجه، فالسياسة السعودية لم يمارسها تركي الفيصل كمهني يعمل بوظيفة، ولكنه يمارسها بصفته امتدادا لها (تركي بن فيصل بن عبد العزيز) حمل في السابق مهمات سياسية، واليوم يواصل نفس المهمة ولنفس الهدف".

فهل هذا الكلام يكفي لإيصال بعض الرسائل لمن يعنيهم الأمر أم أن المسألة تحتاج إلى مزيد من التوضيح والتفسير والشرح؟ علما أن البعض قد يسأل ماذا لم انقلبت الصورة ووجدنا مسؤولا إيرانيا سابقا يتحدث بنفس الألفاظ التي استخدمها تركي الفيصل بنية إسقاط النظام في المملكة السعودية؟ هل كان سيُقبل من القيادة أو السلطات الإيرانية القول إن فلانا يتصرف بمحض إرادته الفردية وأنه لا يمثل السلطة ولا الحكومة في طهران؟ كلها أسئلة تبقى برسم من يعنيهم الأمر في المملكة وتحتاج لإجابات توضيحية عاجلة..