تقرير خاص: حرب إلغاء في #البحرين.. والشعب يتصدى: لا بديل عن الحرية
مجريات الأحداث والتطورات الحاصلة في البحرين لا تظهر أن النظام الحاكم هناك يريد المهادنة مع شعبه تحت أي مسمى من المسميات، فالنظام ما زال على مواقفه المتشددة وعلى مخططه التصاعدي التصعيدي في قضم الحقوق وانتهاك الحريات والتعدي على الشعائر الدينية والمعتقدات الفكرية للبحرينيين.
ولائحة الانتهاكات تطول، فمن الاستمرار بمنع صلاة الجمعة وقيامه الأجهزة الأمنية باعتقالات إعتباطية لمصلين مفترضين أرادوا الوصول يوم الجمعة الماضي إلى المساجد وصولا لتماديها في قضية التطاول على الرموز الدينية للشعب البحريني سواء فيما يتعلق بمحاولة اقتحام الاعتصام الشعبي السلمي المحيط بمنزل الرمز الكبير الشيخ عيسى قاسم في منطقة الدراز، وقرار حل جمعية "الوفاق الإسلامي" وتصفية أموالها واستمرار احتجاز أمينها العام الشيخ علي سلمان بشكل تعسفي، بالإضافة إلى اعتقالات طالت رجال دين فقط لأنهم لا يعطون السلطة الجائرة أي موقف تأييد أو مهادنة.
لمصلحة مَن القضاء على التنوع في البحرين؟
واللافت أن السلطات البحرينية ضربت بعرض الحائط كل المواقف الدولية، التي علقت على الممارسات اللإنسانية والمخالفة لكل مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى وصلت بهذه السلطة للاعتراض على المواقف البريطانية والأمريكية التي "انتقدت" تصرفات النظام البحريني، حتى اعتقد الناس أن "هناك استقلالية مفرطة لدى نظام المنامة لا تبعية مطلقة" للأنظمة القابعة خلف الحدود من الرياض إلى لندن وواشنطن، فهل أعطي النظام البحريني الحرية والصلاحيات الكاملة في كمّ الافواه وقمع الأصوات وإزهاق الأرواح حتى بات باستطاعته الاعتراض على كل المواقف الرافضة لممارساته؟ وأي رسالة يريد النظام إيصالها وأي مفهوم يريد للعالم أن يعطيه عن نفسه عندما يعتبر المواقف البريطانية والأمريكية تدخلا في الشؤون الداخلية للبحرين؟
والمضحك المبكي أن هذا النظام نفسه ما كان ليوجد أو يبقى لولا الدعم البريطاني والأمريكي والسعودي المنقطع النظير له منذ عشرات السنين، وهل دخول "درع الجزيرة" إلى البحرين لقمع التظاهرات السلمية في العام 2012 هو تدخل بشؤون البحرين أم أن النظام يعتبره عمل خيري أو نشاط ترفيهي حصل للترويح عن الشعب في مختلف مدن وقرى البحرين؟ وهل القواعد العسكرية الغربية على أراضيه لها علاقة بتنظيم سباقات "الفورملا-1" أم هي لتنظيم دورات رياضية من نوع آخر؟ كلها أسئلة لا يبدو أن النظام البحريني بات مخولا للإجابة عنها لأن ممارساته وتصرفاته على مدى عقود تحمل كل التفسيرات والمعاني عن مدى رغبته بقبول الرأي الآخر أو الصوت المعارض أو قبول أي احتمال للتعددية أو التنوع في البحرين.
حرب إلغاء في البحرين.. بطلها النظام
إلا أن الشعب البحريني وقياداته الحية والحكيمة تحمل الأجوبة الدقيقة على كل مستفسر عن الوضع البحريني وتطوراته، فـ"كبار علماء البحرين" أوضحوا في بيان لهم تعليقا على كل ما يجري حاليا "أننا كمكوّن أساسي وأصيل من مكوّنات هذا الوطن (المكوّن الشيعي) باتت قناعتنا كبيرة بأنّنا مستهدفون في وجودنا وهويتنا ومعتقداتنا وشعائرنا وفرائضنا"، وطالبوا "بإعادة النَّظر في القرارات التي صدرت أخيرا وخلفت أوضاعًا في غاية التَّعقيد والخُطورة.. يجب أنْ تكون المُعالجاتُ بدرجةٍ عالية من الحِكْمَةِ، وإلَّا قادتْ إلى منزلقاتٍ ضارّةٍ جدًّا، ومآلاتٍ صعبة"، وأكدوا أن الوطن بحاجة إلى لغةِ التَّفاهم وليس إلى لغة التَّصادم، ونبهوا من أنه "ما لم تتوفَّر الأجواء والمناخاتُ فسوف تفرض الخَيَارات الأخرى نفسها، تلك الخَيَارات الضَّارَّة بمصلحة الوطن".
بدوره، أشار نائب الأمين العام لجمعية "الوفاق" الشيخ حسين الديهي في بيان له إلى أن "قرار الحاكم في البحرين بحل جمعية الوفاق عكس العقلية الاستبدادية والواقع الشمولي الذي تعيشه البحرين وأكد غياب الدولة والمؤسسات وانعدام القانون وتسيّد لغة الفرد الواحد في كل مفاصل الدولة بشكل مطلق"، وقد ذكر الشيخ الديهي بالشعبية الكبيرة التي تحظى بها جمعية "الوفاق"، حيث لفت إلى أن "الوفاق تمثل الغالبية من شعب البحرين كونها حصدت ما يفوق الـ64 % من أصوات الناخبين البحرينيين في انتخابات 2006 وكذلك بانتخابات 2010 وهي نسبة تعكس حجم الشرعية التي تملكها الوفاق ويفتقد إليها من قرر حل الوفاق".
وفاق الشعب مقابل قمع النظام
فهل القضاء على إرادة الناس في البحرين سهل إلى هذا الحد لدى الحاكم في المنامة؟ ولماذا لم يحترم هذا النظام إرادة الأغلبية الشعبية التي حصلت عليها "الوفاق"؟ وهل النظام يعاقب "الوفاق" على شعبيتها أو يعاقب البحارنة على تأييدهم الوفاق والوئام فيما بينهم والسلمية في التعبير عن آرائهم والمطالبة بحقوقهم؟
حول ذلك قال الشيخ الديهي "لا يخفى أن هناك صراع حقيقي بين مشروع فردي استبدادي ومشروع شعب يطالب بالديمقراطية والعدالة وبناء دولة المؤسسات والقانون وهو ما أوصل البلد إلى الهاوية اليوم بسبب تفوق مشروع الاستبداد بلغة الدم والنار والحديد بعناوين مختلفة بينها الأمن والقضاء الذي ينفذ أوامر فقط"، وتابع "نحن في مواجهة مشروع طائفي يقوم على مظاهر الإبادة للطائفة الشيعية وإلغاء الوفاق جزء من هذا المشروع التدميري إلى جانب التعدي الخطير والمجنون على خصوصيات الطائفة الشيعية وقياداتها وعلماءها ومؤسساتها في تطور بالغ الخطورة".
ولكن هل يكفي بعد اليوم إتباع سبيل السلمية ورفع الصوت والكلمة لمواجهة هذا المشروع الإلغائي لكل صوت حر؟ وهل يمكن بعد اليوم الاكتفاء بإبداء القلق والمخاوف من هذه التصرفات والإجراءات؟ أليس الواجب يقتضي على المجتمع الدولي الإنساني والدول الإسلامية تحمل مسؤولياتها ووقف مشروع إبادة طائفة بأكملها في البحرين على مسمع ومرأى العالم أجمع دون أن يحرك أي أحد ساكنا؟ ولماذا يتهم كل من يتعاطى مع قضية الشعب البحريني بالطائفية والمذهبية؟ أليس ما يجري في البحرين هو اعتداء صريح واضح على كل ما له علاقة بحقوق الإنسان وانتهاك فاضح لكل القوانين والأعراف الدولية ولكل الشرائع السماوية والأديان والمبادئ القانون والأخلاق؟
غزاة يريدون تصفية الشعب الأصلي في البحرين
وفيما يتعلق بذلك أشار مصدر قيادي في "تيار الوفاء الإسلامي" البحريني إلى أن "ما يجري في البحرين هو جزء لا يتجزأ مما يجري في الخليج من قمع واستهداف بإرادة وتوجيه أمريكي وسعودي"، واعتبر أن "شعب البحرين هو على رأس الشّعوب المتمسكة المطالبة بحريّتها وتقرير مصيرها ومصير هذا الشعب هو مواجهة حملة شعواء تقودها أمريكا والسعودية من أجل إنهاء حراك شعب البحرين وتصفيته وإضعافه على كل المستويات والمواقع".
ورأى المصدر في حديث لصحيفة "خبير" أنه "بعد نزع الجنسيّة عن سماحة الشّيخ عيسى قاسم واستهدافه أصبح الشّعب البحريني أكثر يقظة ووعيا بطبيعة النّظام الحاكم والاتّجاه الذي ينوي أن يذهب إليه وشعر الجميع أنّه مهدّد في وجوده وإسلامه وتاريخه وهويّته"، وتابع "هذا الفهم يعتبر علامة فارقة في الصّراع مع آل خليفة باعتبارهم أعداء للوطن وللشّعب وغزاة لا ينتمون للأرض وليسوا مجرد نظام سياسيّ فاسد يأمل الشّعب في إصلاحه، ودعا "لتشكيل لجنة دائمة تُعنى بتاريخ وتراث الوطن كجزء من مقاومة التّزوير وتزييف التّاريخ الذي تقوم به السلطات الحاكمة على قدم وساق".
إذن بات من المؤكد أن المسألة في البحرين هي مسألة سياسية بامتياز وإن كان هناك من يسعى إلى إلباسها اللبوس الطائفي، فمضمون القضية أن النظام الحاكم لا يترك بابا لانتهاك الحقوق إلا ويطرقه بينما لا يفتح أي نافذة للحوار أو أي مجال للصلح وهو يحاول تلوين ممارساته بألوان الطائفية والمذهبية عله يكتسب بعض الشرعية المزيفة التي لا يقبل بها أي مواطن بحريني حر وشريف لا من السنة ولا من الشيعة.
فالنظام البحريني يحاول خداع العالم أن هناك مطالبات شيعية بحقوق وحريات خاصة بينما الواقع أن البحرينيين بكل فئاتهم وطوائفهم يطالبون بحقوقهم التي سلبهم إياها هذا النظام، بدءا من الممارسة الديمقراطية وتطبيق مبدأ المساواة بكل تطبيقاته وصولا لتحقيق العدالة والابتعاد عن سياسة القمع والاستهداف للمواطنين في عقيدتهم الدينية وآرائهم السياسية.
أضيف بتاريخ :2016/07/27