تقرير خاص: قطع الاتصال عبر الانترنت في #المملكة.. قضية أمنية أم تجارية؟
أثارت مسألة إمكانية منع الاتصال عبر شبكة الانترنت في المملكة جدلا كبيرا في الشارع السعودي، لا سيما أنه سيكلف -إن طُبق- المواطن العادي تكاليف إضافية يعمل يوميا على توفيرها عبر تنزيل العديد من البرامج المتاحة التي تمكنه من إجراء مكالماته وتواصله مع الآخرين بتكاليف زهيدة أو دون مقابل نهائيا.
ورغم إعلان "هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات" في المملكة أنها "لم توجه بحجب تطبيقات التواصل المجانية وأنها تقوم بمتابعة هذا الموضوع مع مزودي خدمات الاتصالات للوقوف على أبعاد ذلك"، فقد أثيرت العديد من التساؤلات حول الجدوى من إمكانية اتخاذ القرار بمنع الاتصال عبر الانترنت، وهل لهذا الأمر من دوافع مالية تجارية أم أن له غايات أخرى لها جوانب أمنية؟ ففي حين ركّز بعض الناشطين أن للأمر جوانب أمنية تتعلق بمراقبة الناس وقمع الحريات عبر حصر الاتصالات في أطر محددة قادرة السلطات السعودية على مراقبتها، ذهب فريق آخر للقول إن الهدف من إمكانية منع الاتصالات عبر الانترنت له مبرراته المالية باعتبار أن الدولة تخسر أرباحا كبيرة عبر توجه الناس للتواصل بواسطة برامج مجانية ما يحرم خزينة الدولة وخزائن شركات الاتصالات الفوائد الخيالية.
للخطوة جوانب عديدة.. أبرزها اقتصادي
وصحيح أن القرار لم يُتخذ بعد، إنما أيضا لم يسحب من التداول كليا بل ما زال مطروحا على بساط البحث، ما يعني إمكانية العودة في لحظة من اللحظات لمنع الاتصال عبر الانترنت، وحول هذا الموضوع قالت مصادر محلية مطلعة إن "للموضوع جوانب عديدة لكن الجانب الاقتصادي هو الدافع الأساس وراء اتخاذ هكذا قرارات باعتبار أن الشركات المشغلة لقطاع الاتصالات تحاول جني المزيد من الأرباح الطائلة من جراء هكذا تدابير"، ما يعني أن هذه الشركات قد تكون هي المحرك الذي يقف خلف طرح هذا الموضوع على التدوال، ولفتت المصادر إلى أن "للسلطة السياسية في المملكة القدرة على التحكم بهذا الموضوع بحيث يمكنها فرض ما تريد سواء لمنع أو للسماح بتشغيل البرامج والتطبيقات التي تريد عبر إدارات الوصاية والأشراف على قطاع الاتصالات".
وأشارت المصادر إلى أن "سوق الاتصالات السعودي المكون من فئتين(المواطنين والأجانب المقيمين) هو سوق ضخم جدا ويمكنه أن يدر الأرباح الخيالية على الشركات وبالتالي على خزينة الدولة"، وأوضحت أن "توقيت طرح هذا الموضوع يعتبر خطوة ذكية لناحية أنه أتى في بداية موسم الحج وفي ذروة وصول الحجاج إلى المملكة لأداء المناسك حيث كان الهدف منه هو مضاعفة الأرباح بشكل كبير"، ولكن يبدو أن السلطات المعنية في المملكة عادت واستدركت الأمر وسحبت القرار من التداول بعد الانطباع السلبي الذي عمَّ الشارع السعودي جراء هذا المنع أو إمكانية تطبيقه، فردة فعل الناس دفعت بالمعنيين إلى القول أنها لم تصدر القرار بالمنع وإنما هي تبحث المسألة مع الشركات المشغلة حتى الآن.
الرقابة الأمنية حاضرة دائما؟!
وحول الأبعاد الأمنية لمثل هذا القرار، قالت المصادر "صحيح أن هناك من سيشير إلى جوانب أمنية للقرار حيث ستبدأ التحليلات حول هذا الأمر خاصة في موسم الحج انطلاقا مما حصل في منى العام الماضي، إلا أنه في مواضيع حساسة كهذه يمكن تأويل كل شيء"، وتابعت أن "التحليلات الإعلامية ستذهب بعيدا حول قمع الحريات ومراقبة تفاصيل التفاصيل والتدخل بالخصوصيات بحيث يمكن للسلطات مراقبة كل البرامج على الهواتف النقالة والحواسيب"، وأوضحت أن "كل هذه التحليلات قد تصيب في كثير منها إلا أن السلطات الأمنية في المملكة يمكنها مراقبة كل الهواتف والحواسيب وكل البرامج التي يتم تشغيلها عليها دون الحاجة إلى وقف الاتصالات عبر الانترنت، أي أن الرقابة الأمنية القاسية حاضرة دائما"، وأضافت "لذلك سيكون العامل الطاغي والأكثر أهمية لمن يريد اتخاذ مثل هذا القرار هو مسألة الربح الاقتصادي وبعد ذلك يأتي الموضوع الأمني الذي يمكن تطبيقه أيضا مع ترك الناس توفر بعض الأموال ولا يتم استغلال المواطنين الذين يتجهون لاستخدام برامج معينة عبر الانترنت لإجراء اتصالاتهم بهدف التوفير المالي والمادي وليس لاعتبارات أمنية".
والحقيقة أن الدافع الاقتصادي خلف هكذا قرارات قد يأتي وقعه أصعب على الناس في المملكة مما لو كان الدافع أمنيا بحتا، فمع وجود الدافع الأمني لمراقبة خصوصيات الناس جاءت هذه النقطة التجارية(وإن كانت لم تطبق بعد) لتطرح الكثير من التساؤلات بالنسبة إلى المملكة السعودية التي يرتبط صيتها بغناها الفاحش وقدراتها المالية الكبيرة وبذخ حكامها وقياداتها وترفهم، فيما يعاني الكثير من مواطنيها من مشاكل اقتصادية جمّة وضائقة مالية خانقة حتى باتت أعداد الفقراء والمحتاجين والعاطلين عن العمل في المملكة كبيرة جدا.
مدى فعالية الرؤى الاقتصادية المستقبلية؟
فكيف يمكننا الحديث عن تطبيق رؤى اقتصادية لسنوات قادمة واستثمارات في الداخل والخارج بمبالغ أكثر من خيالية، بينما نسعى ونمهد لاستغلال الناس العاديين لجني الأموال من خلالهم وسلبهم ما يحصل عليه نظرائهم في كثير من بلدان العالم لا سيما المتحضرة منها من خدمات قد تسهل حياتهم وتوفر عليهم بعض المصاريف الإضافية، فهل مثلا نرى دولة متطورة ومتقدمة تسلب مواطنيها حقهم في تشغيل بعض البرامج على هواتفهم المحمولة بهدف التوفير المالي؟ هل تفعلها السلطات المعنية في اليابان مثلا أو تفكر بفعلها؟
من المتصور أن المعنيين في اليابان مثلا هم من يخترعون برامج كهذه ويحثون الناس على استخدمها لأهداف عديدة منها التوفير المالي والرفاهية في العيش، بينما في بلادنا نرى الدولة هي من يستغل الناس ويؤمن سبل الاحتكار للشركات الكبرى التي إن بحثنا جيدا قد نرى أن من يملك أسهمها وحصصها العظمى هم من السياسيين أو القيادات الحاكمة في المملكة أو من المقربين منهم، فهذا أحد الأسباب البسيطة التي تمنعنا عن أن نكون كالدول المتطورة أو تعيقنا عن الالتحاق بهم، فهذه الدول تبحث عن مصالح مواطنيها أيا كانت صغيرة وكبيرة، بينما عندنا مصالح النافذين ورجال الأعمال والحكام هي المهمة ولو كانت على حساب الناس وحقوقهم وحرياتهم بل وحياتهم لو اقتضى الأمر.
أضيف بتاريخ :2016/09/10