تقرير خاص: فيتو #أوباما والعلاقة مع #المملكة.. السير على حافة الهاوية
مالك ضاهر ..
يتواصل مسلسل الأخذ والرد في مسألة مقاضاة الحكومات المتورطة بدعم الإرهاب على خلفية أحداث "11 سبتمبر" من العام 2001، فقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيستعمل "الفيتو الرئاسي" ضد قانون "العدالة بحق رعاة الإرهاب" الذي تمَّ إقراره في مجلسي النواب والشيوخ.
ورغم مخاطر تعرض أوباما للانتقادات من قبل الرأي العام، كما لمواجهة محتملة مع "الكونغرس" الذي يحق له بموجب القانون الأمريكي تجاوز "الفيتو الرئاسي" فيما لو صوّت ضد قرار أوباما ثلثي الأعضاء، إلا أن الرئيس الأمريكي اختار رفض تمرير القانون لأسباب منها منع مقاضاة المملكة السعودية بالإضافة إلى منع فتح الأبواب أمام ملاحقة الإدارة الأمريكية أمام المحاكم الوطنية في دول أخرى.
وقد أعلن أوباما أنه يرفض مشروع القانون لعدم رغبته في فتح الباب أمام مقاضاة الولايات المتحدة من قبل بلدان أخرى، وأشار إلى "تفضيله الطرق الدبلوماسية للتعامل مع المملكة" وقالها بوضوح "إذا أفسحنا المجال أمام أفراد أمريكيين لمقاضاة الحكومات بشكل مستمر فإننا سنفتح الباب أمام مقاضاة الولايات المتحدة من قبل الأفراد في بلدان أخرى"، وأضاف "هي مسألة تتعلق بشكل عام بالمنهج الذي تسلكه الولايات المتحدة في التعامل مع بلدان أخرى".
حيث أن السماح بمقاضاة دول أجنبية أمام المحاكم الأمريكية سيشكل سابقة قضائية تدفع بدول أخرى للسير على خطاها لملاحقة دول أخرى ولن تكون واشنطن بعيدة عن هكذا نوع من الملاحقات نظرا للتاريخ الحافل في الممارسات والتدخلات في شؤون باقي الدول.
والقانون الذي يرفضه أوباما يفتح المجال أمام أسر ضحايا "11 سبتمبر" لرفع دعاوى ضد من يعتبرونه متورطا بشكل أو بآخر في هذه الاعتداءات، وهنا توجه أصابع التشكيك من قبل البعض إلى المملكة السعودية أو بعض المسؤولين السابقين أو الحاليين فيها انطلاقا من أن معظم المشاركين في تلك الأحداث هم سعوديون، وحول ذلك يعتبر "البيت الأبيض" أن "هذا القانون من شأنه أن يؤثر على حصانة الدول ويشكل سابقة قضائية خطيرة كما يمكن أن يعرض موظفي الحكومة العاملين في الخارج لمخاطر".
والحقيقة أن أوباما يحاول البحث عن مصالح الإدارة الأمريكية أكثر من البحث عن مصالح أسر الضحايا، خاصة أنه الرئيس الذي سيغادر بعد فترة وجيزة، بالتالي لن يفكر لا هو ولا من يقف خلف صورة ساكن البيت الأبيض إلا بالمصلحة الأمريكية الرسمية، ومن المعروف أنه ليس فقط الرئيس في الولايات المتحدة هو من يصنع أو يقرر السياسة الأمريكية العامة أو العليا، إنما هناك لوبيات سياسية وغير سياسية تقف خلف قرارات بحجم فك الارتباط أو المس بالعلاقات الأمريكية السعودية مع ما تحمله من تداعيات جمة على كثير من الصُعد.
كما أن من يصنع القرار الأمريكي يهدف بسياساته المتلونة مع المملكة السعودية إلى إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد، فهو أولا يعمل لعدم التفريط بـ"الدجاجة التي تبيض ذهبا" ولكنه أيضا يهدف للاستثمار دائما في العلاقة مع الرياض عبر التهديد بمقاضاتها والمتاجرة في ذلك بسحب ما يمكن سحبه من استثمارات في مجالات الاقتصاد وبيع السلاح والسياسة وغيرها.
ولكن من يضمن أنه في حال مجيء رئيس جديد إلى البيت الأبيض أن يبقى موقف الإدارة الأمريكية اتجاه المملكة هو نفسه؟ خاصة أن هناك من يخوض غمار السباق الرئاسي الأمريكي كدونالد ترامب الذي لا يفوّت فرصة إلا وينتقد المملكة، فهل مثلا إذا ما وصل ترامب سنجد إمكانية لملاحقة مسؤولين سعوديين أمام القضاء الأمريكي؟ وفي المقلب الآخر، من الذي يضمن أن يكون وصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض بردا وسلاما على العلاقة مع المملكة؟ لأن الثابت والأكيد أن في التعاطي مع الإدارة الأمريكية لا شيء مضمون باعتبار أنها لا تبحث إلا عن مصالحها.
فرغم أن البعض يعتبر أن وصول كلينتون إلى الرئاسة الأمريكية يتضمن مصلحة سعودية، إلا أن كلينتون عبّرت في وقت سابق عن الدعم لما أسمته "جهود الكونغرس من أجل ضمان قدرة أسر ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر وغيرهم من ضحايا الإرهاب على محاسبة المسؤولين"، فهذا الكلام للمرشحة إلى الرئاسة الأمريكية حمال أوجه، فهو يعني إمكانية ملاحقة المسؤولين عن الإرهاب في أي دولة من العالم فيما يتعلق بأحداث "11 سبتمبر" أو غيرها، ما يترك الأبواب مفتوحة لكل الاحتمالات من قبل كلينتون لو أصبحت رئيسة للولايات المتحدة.
إذن فالولايات المتحدة الأمريكية لا تبحث إلا عن مصالحها التي قد تتغير في أي وقت، فهذه المصلحة الآن تتطلب التعاطي مع المملكة بالشكل الحاصل اليوم وهذا الأمر قد يتغير لاحقا، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى رسالة لـ"الكونغرس" وجهتها في وقت سابق مجموعة من المسؤولين الأمنيين السابقين من بينهم وزير الدفاع السابق وليام كوهين، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي.آي.إيه) مايكل موريل وستيفن هيدلي "مستشار الأمن القومي للرئيس السابق جورج بوش"، وتضمنت الرسالة أن "القانون سيضر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية"، وأضافت "قواتنا ودبلوماسيونا وكل طواقم الحكومة العاملين في الخارج يمكن أن يتعرضوا لملاحقات في دول أخرى"، وأوضحت "مصالحنا للأمن القومي وقدرتنا على محاربة الإرهاب ودورنا القيادي في العالم يمكن أن تصبح في خطر"
فهل يكون "الفيتو الرئاسي" من قبل أوباما هو دليل على ثبات العلاقة الأمريكية السعودية ومنع وصولها إلى حافة الهاوية باعتبارها خطا أحمر؟ أم أن إقرار القانون رغم الفيتو هو خطوة متقدمة تدلل أن العلاقة المذكورة دخلت فعلا في نفق مظلم لا يعرف نهايته؟
أضيف بتاريخ :2016/09/26