تقرير خاص: التطبيع #العربي و #السعودي مع ’ #إسرائيل’ ..إلى أين؟
سحر صالح ..
يُطلق مصطلح "التطبيع" على العلاقات بين الدول ويراد منه إعادة العلاقات لطبيعتها بعد قطيعة وتأزُّم..، واستُخدم هذا المصطلح "التطبيع" في العلاقات التي قامت بها دول إسلامية وعربية مع الكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين.. وهو يطلق على كل تعامل مع العدو سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا..
ناضلت بعض الحكومات العربية من أجل القضية الفلسطينية باعتبارها قضية قومية عربية، وكانت حكومة مصر برئاسة الراحل جمال عبد الناصر رمز هذا النضال والأهم فيه...لكنها بعد رحيله وتولي أنور السادات صارت رمز الخذلان والتآمر لاسيما بعد اتفاقية "كامب ديفيد" 1979م، و التي جعلت من مصر حليفاً لـ "إسرائيل" وأمريكا، وكانت الاتفاقية وما تلاها من معاهدات أول باب يُفتح للتطبيع العربي مع العدو الإسرائيلي..
تطبيع عربي وتعنّت صهيوني
نتعجّبُ حينا ونستهجن أحيانا تطبيع حكوماتنا العربية والخليجية المعلن وغير المعلن مع كيان "إسرائيل"، لاسيما بعد كلّ التنازلات التي قُدّمت للعدو في اتفاقيات السلام المذلة .. ومع تعنّت العدو الإسرائيلي و إصراره وإمعانه في ظلم وإبادة الشعب الفلسطيني واحتلال المزيد من أراضيه، ورفضه تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
التطبيع الخليجي والسعودي خصوصا مع الكيان الإسرائيلي بات علنيا وواضحا ..والزيارة الأخيرة للوفد السعودي رفيع المستوى بقيادة ضابط المخابرات أنور عشقي إلى فلسطين المحتلة لم تكن إلا تأكيدًا لمن بقي عنده شك في العلاقات السعودية مع الكيان الصهيوني..
الترويج للتطبيع في مصلحة من؟
وتأتي تصريحات بعض المسؤولين الخليجيين في خدمة هذا التطبيع، فاليهود بحسب تصريحات أحدهم هم "أبناء عمنا المساكين" وعلينا إعطاؤهم أرضا لدولتهم المزعومة...! هو ليس مجرد تطبيع بل هو تسليم بالمطلق لحق إسرائيلي مزعوم بامتلاك الأرض الفلسطينية..
ويُبرّر هذا التطبيع بأنّه لمصلحة القضية الفلسطينية و المفاوضات ويتم تمرير هذه الأكاذيب في وسائل الإعلام المختلفة..
لذلك فإنّ الانتكاسة التي حصلت في الوعي العربي تجاه القضية الفلسطينية ليست وليدة السنوات القليلة الماضية، و إنما عملت عليها الحكومات العميلة للإمبريالية والصهيونية، وهي التي ارتبط بقاؤها ببقاء الكيان الغاصب "إسرائيل"..
عمالة وخيانة مُموّهة
عملت المملكة السعودية على رعاية المصالح الصهيونية عبر تفتيت الوحدة العربية و ضرب الدول الممانعة بوجه "إسرائيل"
فتآمرت المملكة السعودية في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز على مصر وسوريا لأنهما مثّلتا دولا للممانعة والوقوف بوجه الأطماع الصهيونية ..
و يوثّق ذلك كتاب "عقود من الخيبات" للكاتب المصري جمال حمدان، حيث يذكر رسالة سرية بعث بها الملك فيصل للرئيس الأمريكي جونسون 1966م، و مما جاء فيها اقتراح بأن "تقوم أمريكا بدعم "إسرائيل" بهجوم خاطف على مصر تستولى به على أهم الأماكن الحيوية في مصر لتضطرها بذلك , لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط .. بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة ,لن يرفع بعدها أي مصري رأسه خلف القناة , ليحاول إعادة مطامع محمد على وعبدالناصر في وحدة عربية، .. بذلك نعطى لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة , لا في مملكتنا فحسب بل وفى البلاد العربية .. ومن ثم بعدها لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية اقتداء بالقول - ارحموا شرير قوم ذل - وكذلك لاتقاء أصواتهم الكريهة في الإعلام" إن أمثال هذه الوثائق تفسر لنا السياسة التي تنتهجها المملكة تجاه سوريا اليوم ودول محور المقاومة بشكل عام..
ويُذكر أنّه عندما قال الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بأنه سيُلقى بإسرائيل في البحر جاء الرد من الملك فيصل عبر صحيفة "واشنطن بوست" "إننا واليهود أبناء عم خُلّص، ولن نرضى بقذفهم في البحر كما يقول البعض ...بل نريد التعايش معهم بسلام"
إلا أنّ المملكة السعودية حاولت التغطية والتمويه على دعمها للكيان الصهيوني بالتضليل الإعلامي، وإبراز نفسها كمدافع عن القضية الفلسطينية..، فمثلًا أشيع كذبًا وتمويهًا أنّ قطع المملكة للنفط عن أمريكا كان من أسباب وعوامل النصر في أكتوبر 1973م، بينما الحقيقة التي أوضحها وزير النفط السابق أحمد زكي يماني لقناة الجزيرة القطرية تقول إن المملكة خفّضت إنتاجها من النفط بنسبة 5% فقط لمرتين أثناء الحرب لأسباب اقتصادية بحتة.
دعم المملكة الاقتصادي لإسرائيل
والنفط الذي تصدره المملكة السعودية لأمريكا بأبخس الأثمان تستفيد منه إسرائيل في بناء ترسانتها النووية ..وكذلك أصول الأموال التي تودعها المملكة في بنوك صهيونية في الولايات المتحدة والغرب تُستثمر لمصلحة "إسرائيل".
مبادرة الملك عبدالله للسلام
في تصريح للملك عبدالله بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد في فبراير 2002 لصحيفة "نيويورك تايمز" قال إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" في حال انسحبت من الأراضي الفلسطينية إلى حدود العام 1967م .
وهذا ما أعلن عنه في القمة المنعقدة ببيروت عام 2002م وما عرف ب "المبادرة العربية للسلام"، و قدّمت فيها تنازلات كبيرة وخطيرة على حساب القضية الفلسطينية. ومع ذلك رفضها الإسرائيلي... لأنه يستدرج الحكومات العربية لتقديم المزيد من التنازلات في الوقت الذي يتوسع هو فيه داخل الأراضي الفلسطينية ويقوم بتهويدها.
المملكة السعودية و "إسرائيل" العداء المشترك لإيران
التحالف السعودي الإسرائيلي ضد إيران التي تدعم المقاومة في المنطقة، والتي هي دولة مهمة في محور الممانعة للحركة الصهيونية .. برز جليا أثناء المفاوضات النووية بين إيران ودول 5+1 ، ..وقبيل توقيع الاتفاق النووي وحتى بعد توقيعه حيث كان الرفض من الطرفين السعودي والإسرائيلي والضغط باتجاه فشل الاتفاق.
و هذا التحالف يؤكد أن العلاقات السعودية الإسرائيلية عميقة بما يكفي لجعل حكومة المملكة تتصهين بشكل واضح في سياساتها في المنطقة.
وفي هذا السياق جاءت دعوة سلمان الأنصاري مؤسس ورئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية (سابراك) إلى إقامة تحالف سعودي إسرائيلي، معتبرًا أن هذا التحالف يصب في مصلحة الشرق الأوسط وحلفائه ،...وهو بالتأكيد لا يقصد بالشرق الأوسط الشعوب وإنما الحكومات التابعة للسياسة الأمريكية وحليفتها "إسرائيل"...
ويرى الأنصاري بحسب صحيفة "ذا هيل" أن العداء المشترك لإيران يسرع من تقارب العلاقات بين أقوى دولتين في الشرق الأوسط "السعودية وإسرائيل"
وفود العرب تسير خلف جنازة القاتل بيريز
وتأتي المشاركة العربية في جنازة المجرم بيريز لتتوج التحالف العربي الإسرائيلي.. فحضور الوفود الخليجية ومنها وفد سلطنة عمان ، التي تطبّع علاقاتها التجارية علنا مع "إسرائيل"، وكذلك وفد البحرين، والأردن، والمغرب، ومصر كان مستفزا لمشاعر الفلسطينيين و للأحرار والمقاومين في العالمين الإسلامي والعربي.. وكذلك مشاركة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وزير خارجية البحرين ينعى بيريز!
ولم تكن رسائل التعزية التي قدمها بعض المسؤولين الخليجيين بأقل استفزازا للمشاعر من المشاركة المباشرة في التشييع.. حيث كتب وزير خارجية البحرين خالد آل خليفة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" باللغة الإنجليزية ما ترجمته: "ارقد بسلام أيها الرئيس شمعون بيريز، رجل حرب ورجل سلام لا يزال بعيد المنال في الشرق الأوسط".
وفي رد على هذا النعيق خلف جنازة بيريز الذي أثار سخط الكثير من الناشطين على موقع "تويتر" كتب المعارض البحريني، البرلماني السابق، جلال فيروز، "وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد، يعزي ويترحم على الإرهابي وقاتل الأطفال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بيريز !!!".
كما غرد نشطاء آخرون ردا على خالد بن أحمد مستنكرين وقاحته وعدم احترامه لدماء الشهداء التي سفكها السفاح بيريز.
التعزية العربية بوفاة بيريز تلقى ترحيبا إسرائيليا
لاقت رسائل التعزية التي قدمتها بعض الحكومات العربية ترحيبا لدى الإسرائيليين الصهاينة الذين اعتبروا هذه الرسائل مؤشر تقارب بين العرب و "إسرائيل".
وقال الحاخام الأكبر الصهيوني "إسحاق يوسف" ما ترجمته: "تعزية حكام الدول العربية في جنازة شيمون بيريز مؤشر علی التقارب العربي الإسرائيلي" .. "إسرائيل تقترب يوما بعد يوم من آفاقها المنظورة في الشرق الأوسط، ونحن على عتبة الغلبة على أعدائنا في العالم الإسلامي بمساعدة عدة قادة من الدول العربية".
من معنا ومن علينا
الفلسطينيون في وعيهم وخطاباتهم أصبحوا يميزون بين من يقف مع قضيتهم ويدعمهم، وبين من يريد خيانة القضية، و التسليم المذل لإسرائيل..، فخطاب د.رمضان عبدالله شلح، أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، في المهرجان الجماهيري في غزة بذكرى انطلاقة الحركة، عكس هذا الوعي الفلسطيني حين قال بما مؤداه " عندما يرتمي العرب في أحضان "إسرائيل"، لا يحق لهم اتهامنا في علاقتنا مع إيران التي تدعمنا"
سؤال بريء
السؤال الذي يُطرح في ظل التحالفات العربية مع "إسرائيل"، والتفكك العربي، و الحرب الطائفية هو: هل يأتي يوم تنتقل فيه التحالفات العربية مع "إسرائيل" لتكون تحالفات عسكرية لضرب محور المقاومة؟ ..
في حرب تموز2006 كانت المملكة السعودية تدعم "إسرائيل" بالموقف والمال للقضاء على المقاومة ..ولكن هل يتطور الأمر لأن يقاتل الجندي العربي إلى جانب الجندي "الإسرائيلي" في أي حرب مقبلة..؟
أضيف بتاريخ :2016/10/28