تقرير خاص: الخيار #السعودي في #لبنان.. انتصار أم هزيمة؟
مالك الضاهر ..
يلاحظ المتابعون في الفترة الأخيرة تغيرا كبيرا في الأداء السياسي السعودي اتجاه لبنان بشكل خاص، فقد دعمت المملكة وصول الرئيس الجديد المنتخب ميشال عون الذي هو بالأساس مرشح خصوم المملكة في لبنان وبالتحديد حزب الله، وبعد طول انتظار ورفض وتمنع عاد حلفاء المملكة للسير بانتخاب العماد عون بما اعتبر انقلاب على كل المعايير التي تحدثوا عنها لمدة تزيد عن السنتين.
فالمملكة التي كانت ترفض انتخاب عون أو أي أحد آخر من فريق ما يسمى "8 آذار" وكانت تصر على انتخاب أحد رموز فريق ما يسمى "14 آذار"، عادت بقدرة قادر ومعها جمع من حلفائها في لبنان يتقدمهم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اليوم سعد الدين الحريري إلى المبادرة أولا لدعم ترشيح رئيس"تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، وبعد سقوط هذا الخيار وقع الاختيار على ترشيح عون المدعوم من حلفاء سوريا وإيران.
الرئاسة اللبنانية وتغير الموقف السعودي
هذا الموقف السعودي المستجد والغريب دفع لكثير من التساؤلات وفتح الأبواب أمام التحليلات حول الخلفيات والأسباب المباشرة وتلك الحقيقية التي تدفع المملكة إلى أن تغير موقفها بنسبة 180 درجة، فلماذا قلبت المملكة المشهد بهذا الشكل؟ هل هو نتيجة عجز كبير عن فرض سياساتها في لبنان والمنطقة أم أن للأمر أبعادا وزوايا أخرى لا يعرفها إلا الراسخون في فهم العقل السعودي؟ وهل ما جرى يندرج في خانة الانتصار أم الهزيمة للسياسة السعودية في لبنان؟
قد يعتقد البعض أن الهدف السعودي اليوم هو تحقيق ما تريد سواء بوصول شخصية تريدها كسمير جعجع(رئيس حزب القوات اللبنانية) مثلا أم بوصول الرئيس عون كما جرى حاليا، فالأساس تحقيق الهدف أياً كانت الوسيلة انطلاقا من مبدأ "أكل العنب لا قتل الناطور"، فالمسألة لا تفرق كثيرا سواء وصل مرشح حزب الله أم لا، طالما تستطيع القيادة السعودية فرض ما تريد، والحقيقة أن المملكة استخدمت "دبلوماسية الإيحاء" منذ ما قبل إتمام الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
فالمملكة التي أعطت سابقا علنا "الضوء الأخضر" لسعد الحريري بالتفاوض مع فرنجية لإتمام صفقة الاستحقاق الرئاسي، عادت وغيرت أسلوبها في إدارة العملية لتبني ترشيح عون، حيث اتبعت منهج "وأعملوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" وتركت الحريري يفاوض القوى المحلية والدولية وعندما نضجت "الطبخة" تدخلت وأعطت الموافقة وعملت على إرسال السفير ثامر السبهان للإيحاء أنها حققت "النصر المطلوب" في الاستحقاق الرئاسي ومؤخرا عشية "عيد الاستقلال" اللبناني أرسلت المملكة موفدا ملكيا هو الأمير خالد الفيصل لتهنئة عون وتسليمه دعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لزيارة الرياض، كما أجرى الفيصل جولة مشاورات مع عدد من الشخصيات اللبنانية.
من فرنجية إلى عون.. التنازل متواصل؟!
فهل ما حصل يسجل فعلا كانتصار للمملكة وإن لم يكن الرئيس المنتخب هو مرشحها ابتداء؟ وهل الهدف في السياسة ليس فقط إيصال هذا الشخص أو ذاك إنما الهدف تحقيق غايات سياسية وتطبيق خطط معينة؟ أم أن التنازل المتكرر هو ضربة للسياسة السعودية في لبنان بدءا من ترشيح فرنجية وصولا لانتخاب عون؟ أليس ذلك تنازلا لما يريده الطرف الآخر وتسليما بما يرغب؟ وهل ركوب موجة التهاني والزيارات والإيحاء للحلفاء بالتهليل لانتصار المملكة غير الواضح يقلب الوقائع ويجعلها منتصرة فعلا في السياسة اللبنانية؟
واليوم على صعيد تشكيل الحكومة اللبنانية وما يحكى عن رعاية سعودية للعهد اللبناني الجديد، لا يخلو من الواقعية في بعض جوانبه، حيث يقول البعض أن المملكة وأن انهزمت سياسيا في لبنان إلا أن هذا لا يعني تسليمها هذا البلد لخصومها وخاصة سوريا وإيران، بل هي ستحاول فعلا الاستفادة من فرصة انتخاب عون والانقضاض على خصومها عبر مرشحهم من باب الانفتاح عليه ومحاولة جذبه إليها وإلى سياستها، وهذا إن صح ونجحت المملكة في مسعاها المفترض فيكون نقطة تسجل لـ"الحنكة السياسية" التي تدار بها دفة الحكم السعودي، حتى أن البعض يعتبر أنه ليس بالضرورة أن يصبح الرئيس عون سعودي الهوى إنما يكفي فقط جذبه لحد الابتعاد عن سوريا وإيران وحزب الله، وحتى لو نجحت المملكة بذلك تكون قد حققت شيئا هاما في لبنان عبر تعطيل فتيل الرئاسة ليكون الرئيس وسطيا لا مع هذا الفريق ولا مع هذا الفريق.
ولكن من الضامن أن كل هذا السيناريوهات ستتحقق فعلا ومن الضامن أن عون سيتخلى عن تحالفاته السابقة لا سيما مع حزب الله وأنه سيترك "العلاقة الحسنة" مع إيران وسوريا؟ وكيف يمكن دفع عون للوصول إلى هذه المرحلة من علاقة مع حزب الله مرّت بفترات أصعب مما هي عليه اليوم ومع ذلك بقية صامدة وقوية وتجاوزت كل الأفخاخ التي نصبت لها.
هل تجذب المملكة عون إلى صفها؟
حول كل ذلك اعتبرت مصادر مطلعة على الوضع اللبناني أن "السعودية تلعب على وتر التفاصيل الداخلية اللبنانية ومن ذلك أن الرئيس عون مكبل بعلاقته المستجدة ولكن الضرورية الهامة مع شريكه المسيحي سمير جعجع والقوات اللبنانية"، وتابعت أن "علاقة جعجع الجيدة بالسعودية ستدفعه إلى حشر عون في أماكن عديدة لإثارة الحساسيات مع حلفائه ومنهم حزب الله"، وذكرت أن "دعم جعجع لعون هو مما مهّد لموقف الحريري والسعودية لدعم ترشيح عون والإطاحة بترشيح فرنجية".
وأكدت المصادر أن "عون لن يستطيع الخروج من هذه العلاقة مع جعجع بل سيكبل أكثر فأكثر بها مع مرور الوقت عبر المحاصصة مع القوات في الحكومة والانتخابات النيابية المقبلة داخل في الشارع المسيحي"، وأوضحت أن "كل ذلك سيكون مدخلا لتطييع عون وإدخاله في الفلك السعودي خاصة في ظل توتر العلاقات بين عون والعديد من حلفاء حزب الله كالرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية ما سيدفع الحزب للتلهي بدور الإطفائي بينما تعمل السعودية على جذب العونيين ومن خلفهم كل المسيحيين لصفها".
وقالت المصادر "إلا أن على السعودية التنبه أن عون أثبت مصداقية عالية في تعاطيه مع حلفائه وخاصة حزب الله الذي بدوره لم يبخل عليه بالدعم اللامتناهي لدرجة أنه رفض ترشيح فرنجية للرئاسة الذي دعمته السعودية"، وتابعت "حزب الله كان صاحب الفضل الأول والأخير بإيصال عون إلى سدة الرئاسة وهذا ما يجب التنبه له دائما، خاصة عندما يتم الحديث عن تسديد عون الفواتير السياسية للسعودية وحلفائها"، وأضافت أن "الحديث عن فواتير سياسية سيجعل عون مضطرا لتسديد فاتورة أساسية لحزب الله في هذا المجال".
بكل الأحوال فإن الأيام المقبلة ستظهر مدى صوابية الخيار السعودي في السير بانتخاب عون، ومدى صحة مقولة أنها سارت به مكرهة بعد إغلاق كل الحلول بوجهها وبوجه حلفائها في الداخل اللبناني، وبعد ذلك تصبح كل الوفود والزيارات في الإطار البروتوكولي لتخفيف خسائر المملكة إلى حدها الأدنى، مع أنها قادرة في المستقبل على نسج العلاقات الجيدة مع كل الأطراف بمن فيهم من يتحالف مع حزب الله وله صلات وتواصل مع سوريا وإيران.
أضيف بتاريخ :2016/11/24