تقرير خاص: #القضاء_اللبناني يلزم ’ #عرب_سات’ بإعادة بث #المنار.. انتكاسة #سعودية جديدة؟!
مالك ضاهر ..
قبل عام تقريبا حجبت شركة "عرب سات" بث قناة المنار اللبنانية عن أقمارها الاصطناعية، قرار وصف وقتها بالسياسي نظرا أن القناة تعكس وجهت نظر المقاومة اللبنانية بينما "عرب سات" هي شركة مملوكة من الدول الأعضاء في "جامعة الدول العربية"، والمساهم الأكبر هي المملكة السعودية التي تملك 36 بالمئة من أسهمها، ومقر الشركة الرئيسي يقع في الرياض.
تحليل خلفيات القرار لا يحتاج إلى كثير من البحث والتحليل باعتبار أن الموقف السعودي من المقاومة اللبنانية وحزب الله بالتحديد معروف سلفا، كما أن موقف الجامعة العربية واضح من مجمل الأطراف التي لها علاقة بالأزمة السورية نتيجة الضغط السعودي بشكل خاص والخليجي بشكل عام، إلا أن المستجد اليوم هو صدور قرار عن القضاء اللبناني يلزم "عرب سات" بإعادة بث قناة المنار على أقماره والقرار صدر بصيغة معجل التنفيذ نافذ على أصله أي أنه لا يحتمل أي وجه من وجوه التأخير والمماطلة.
"عرب سات".. بين السياسة والقضاء
فالقرار الأول بحجب المنار كان قرارا سياسيا بامتياز بينما اليوم يوجد قرار قضائي، فأيهما أولى بالتنفيذ؟ وهل ستنصاع شركة "عرب سات" إلى تنفيذ القرار اللبناني طواعية أم أنها ستحتاج إلى إجراءات تنفيذية جبرية تلزمها على تطبيق مضمون القرار؟ وهل ستقوم الشركة بالتعاطي مع قرار القضاء اللبناني بشكل طبيعي وفق الأطر القانونية والقضائية أم أنها ستلجأ إلى مالكيها للمواجهة بالسياسة؟ وهل للقرار اللبناني نتائج سياسية معينة أم أنه سيبقى في الإطار القانوني فقط؟
من جهتها، اعتبرت قناة المنار على لسان مديرها العام إبراهيم فرحات أن القضاء اللبناني أنصفها عندما أصدر قراره بإلزام "عرب سات" على إعادة بث المنار إلى أقماره، لأن وقف البث أصلا كان لأسباب غير مهنية وغير قانوني بل كان الهدف محض سياسي وبشكل مخالف لبنود الاتفاقية الموقعة بين "عرب سات" والمنار، واعتبر فرحات أن "المنار ستتابع المسألة عبر الأطر القضائية والقانونية لتنفيذ القرار"، مشيرا إلى أن "المنار ستتابع القضية حتى نهايتها كي تسترد حقوقها كاملة".
وفيما راحت بعض وسائل الإعلام اللبنانية وغير اللبنانية للإشادة بخطوة القضاء اللبنانية، اعتبرت أن القرار يمثل إحقاقا للحق ورفعا للمظلومية عن المنار ويعطي مثالا عن حماية الحريات والحقوق الإعلامية من أي اعتداء قد تمارسه بعض الدول اتجاه الآخرين، لكن هل يجوز تنفيذ هذا القرار؟ بمعنى آخر هل سيكون لهذا القرار أي نتائج عملية على أرضية الواقع أم أنه لن يكون أكثر من قيمة معنوية دعما للحقوق والحريات؟
الأكيد أن القرار قضائي بحد ذاته ملزم وواجب الاحترام معنويا بالدرجة الأولى، ولكن للقرارات القضائية بُعدا عمليا تنفيذيا، فالقرار سيكون قابل للتنفيذ بالشكل المباشر إذا كانت شركة "عرب سات" تملك أموالا منقولة أو غير منقولة في لبنان حيث سيتم الحجز عليها، علما أن الشركة نقلت مركزها ومعداتها إلى الأردن على خلفية حجب بث المنار، ولكن هل لـ"عرب سات" أي حصانة باعتبارها تابعة لجامعة الدول العربية ومملوكة من دولها؟
الجواب الأكيد أن هذه الشركة تعمل بصفتها شخصا قانونيا قائما بذاته وهي تعمل وفقا لقواعد القانون الخاص وأن كانت مملوكة من حكومة أو دولة إلا أن قواعد القانون الخاص هي التي تنطبق عليها وبالتالي لا حصانة رسمية عليها كما هي حال الأموال العامة للدول، وانطلاقا من ذلك سيكون القرار واجب التنفيذ على الشركة إلا أنه سينتظر لآليات القضائية المتاحة في هذه الحال، ما يشكل ردا على تعسف "عرب سات" في إنزال أي قناة عن أقمارها ساعة تشاء وبمخالفة لبنود الاتفاقيات الموقعة معها، والأكيد أن القرار أنصف الإعلام بشكل عام باعتبار أنه لا يمكن لأي جهة التعسف باستعمال الحقوق والتعدي على وسائل الإعلام نتيجة ضغوط سياسية لمصالح أفراد أو دول هنا وهناك.
بعض أهل الإعلام والسياسة في لبنان يعتبرون أن المسألة سياسية بامتياز وأنه لو كانت الدولة اللبنانية لديها الموقف الحاسم بجانب الحقوق والحريات وصونها لكانت وقفت بشكل جازم بوجه "عرب سات" سواء منذ وقف بث المنار أو اليوم بعد صدور هذا القرار القضائي، إلا أن الحقيقة أن السياسة هي التي تمنع الدولة والمؤسسات في لبنان عن القيام بواجباتها في هذا الإطار، فقط لأن من يقف خلف "عرب سات" هو المملكة السعودية بما لها من ثقل سياسي في لبنان، والدليل على ذلك أن من أبرز الغائبين عن التفاعل مع القرار القضائي اللبناني الأخير، هو وزير الإعلام اللبناني الحالي رمزي جريج الذي ينتمي إلى خط سياسي يعتبر على علاقة جيدة بالمملكة، وبالتالي يبدو أنه التزم الصمت حيال القرار القضائي مع أنه يفترض أن يكون أول المتدخلين لرفع الصوت بالوقوف إلى جانب المؤسسات الإعلامية أياً كانت.. منعاً للتعسف أو التعدي عليها من أي أحد سواء في الداخل أو الخارج.
حرية الإعلام وصورة المملكة المهتزة..
بكل الأحوال وأياً كانت المواقف اللبنانية السياسية أو القضائية إلا أن المسألة لدينا تبقى مرتبطة بشكل أساسي بصورة المملكة الأدبية والمعنوية حيث يتم تصويرنا أننا ضد حرية الإعلام وأننا نعمل ضدها في أكثر من مناسبة واليوم يأتي القرار القضائي اللبناني ليؤكد أن موقفنا مناهض للحقوق والحريات، فلماذا نبقى على هذه الصورة؟ ولماذا علينا أن ننتظر قرارا قضائيا في دولة نعتبرها من أصغر وأضعف الدول في عالمنا العربي كي يفهمنا ما يجب أن نفعل وما كان يجب علينا القيام به، أليس لدينا القدرة على فهم أن انتهاك الحريات والحقوق لا تزيدنا إلا خسارة من رصيدنا أمام الرأي العام العالمي.
والحقيقة أن المسألة ستزداد سوءا بالنسبة للمملكة باعتبار أنها ستتفاعل أكثر فأكثر في السياسة والإعلام، وفي هذا الإطار أعلن رئيس "المجلس الوطني للإعلام" في لبنان عبد الهادي محفوظ أن "المجلس سيحمل قضية المنار إلى المجتمع الدولي عبر مؤتمر الإعلام الذي يقام في العاصمة الايطالية روما هذا الأسبوع ويشارك فيه لبنان"، ولفت إلى أنه "هناك اتجاه لعقد بروتوكول مع المجلس الوطني للإعلام في ايطاليا وسيطرح قضية المنار خلاله".
واللافت في هذا السياق أن قناة ايطالية تدعى "بندورا" بدأت بتفعيل قضية المنار عبر الإضاءة عليها ضمن نشراتها الإخبارية، حيث شرحت مسألة حجب البث وخلفياته السياسية ومن ثم اعتبرت أن القرار القضائي اللبناني هو انتصار للحريات الإعلامية المنكوبة.
وبانتظار ما ستؤول إليه الأمور في قادم الأيام يبقى أن ننتظر أي تحرك سعودي في هذا المجال للملمة القضية وسحبها من التداول الإعلامي كي لا تزيد من الهوة بين سمعتنا واحترام الحقوق والحريات، فهل سيكون هذا القرار مدخلا لمعالجة الصورة السيئة القانونية والحقوقية التي تُرسم عن المملكة أمام الرأي العام العالمي؟
أضيف بتاريخ :2016/12/06