تقرير خاص: رحيل الشيخ #رفسنجاني.. الراغب بالانفتاح على #المملكة والمنتقد لهفواتها
مالك ضاهر ..
توفي رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران الشيخ على أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يشكل علامة فارقة في السياسة الإيرانية على مختلف المستويات، الرجل الذي يتجذر في السياسة الإيرانية الحديثة في كل المراحل، فهو من الرعيل الأول ممن رافق الإمام الخميني "رض" في التمهيد للثورة الإسلامية في العام 1979 والإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي وعايش كل ما مرت به إيران المعاصرة وصولا لما بات يسمى اليوم وجود تيار إصلاحي وأخر محافظ داخل البلاد، حيث يُحسب الشيخ رفسنجاني على الفريق الإصلاحي بل كُثر كانوا يعتبرونه أحد المنظرين وربما "الأب الروحي" لهذا الفريق.
ورغم كل ذلك بقي الشيخ رفسنجاني ولم يغب عن الساحة السياسية الإيرانية الرسمية، بل بقي حتى وفاته في أحد المناصب البارزة في إيران ولم يتم إبعاده أو إقصائه من سدة المسؤولية علما أن من أبنائه من سجن بتهم فساد لاستغلال مناصب والده في السلطة والبلاد، إلا أن الشيخ رفسجاني لم يتدخل لإنقاذ أحد أدين في جريمة أو تهمة في الداخل من الإيرانيين، فهو كان يدافع عن أفكاره بصلابة دون الوصول لتجاوز حد مصلحة وطنه.
أسلوب مميز.. وانفتاح واع
فالرجل كان لديه أسلوبه في العمل وطرح ما يريد من دون التفريط في المكتسبات الوطنية أو تضييع الخيارات الإستراتيجية، فهو إصلاحي بكل الوجوه ولو لم يكن كذلك لما سار مع الإمام الخميني للإطاحة بنظام فاسد ومفسد، وهو الذي هدف إلى إصلاح صورة وطنه في الداخل والخارج أيضا، وربما أن القادة الإيرانيين من أمثال هذا الرجل هم من جعلوا إيران قوة إقليمية ودولية يحسب لها الحساب في رسم المعادلات بين الدول.
وما يهمنا في هذا المقام هو مواقف الرجل من جيران إيران وبالتحديد من المملكة السعودية، فما هي مواقفه اتجاه المملكة؟ هل هو كان يؤيد الانفتاح على المملكة أم لا؟ هل كان يهدف لإنهاء الأزمة القائمة بين البلدين وصولا لترسيخ المصلحة الإسلامية على ما عداها من مصالح؟ وهل كان يؤيد الأداء السعودي في مجمل الملفات الداخلية والإقليمية والدولية أم أن الرجل كان لديه الملاحظات على هذا الأداء؟ وهل العلاقة الايجابية للرجل مع بعض المسؤولين السعوديين جعلته يغض النظر عن الأخطاء والهفوات السعودية في علاقاتها الخارجية أو في الداخل السعودي أم أن الشيخ رفسنجاني كما دافع عن أفكاره بصلابة في الداخل دون أي تردد دافع عنها على الصعيد الخارجي؟ وكيف يمكن تقييم الفترة المقبلة أي مرحلة العلاقة الإيرانية السعودية في ظل غياب شخصية كهاشمي رفسنجاني؟
الأكيد أنه كان يُعرف عن الرجل تأييده الانفتاح على الخارج لا سيما دول الخليج وبالتحديد المملكة السعودية، وهو الذي كانت تربطه علاقة جيدة بعدد من القيادات والمسؤولين السعوديين وكان من الشخصيات التي بإمكانها "حلحلة أو تخفيف" التوتر المتصاعد بين الطرفين، على حد وصف مصدر متابع للشؤون الإيرانية.
وأشار المصدر إلى أن "الشيخ رفسنجاني كان على علاقة جيدة بالملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود" وتابع "كلما توترت العلاقة بين إيران والمملكة أو كلما كان تمر هذه العلاقة في فترة من الجمود كان الشيخ رفسنجاني يشكل إحدى القنوات الهامة لتبريد الأجواء ولإعادة التواصل والاتصال على أعلى مستويات بين القيادتين السعودية والإيرانية".
ولفت المصدر إلى أنه "منذ وصول الملك الحالي وبالتحديد منذ بدء الحرب على اليمن والتدخل السعودي الفاضح في دول المنطقة لاسيما عبر دعم الإرهاب كان رفسنجاني ممن رفع الصوت ضد الأداء السعودية واستنكر الجرائم التي ترتكب في اليمن"، وأضاف "صحيح أن الشيخ رفسنجاني كان يدعو لتحسين العلاقات مع السعودية إلا أن ذلك لا يعني أنه يؤيد أفعالها بل كان ينتقدها كلما اعتبر أنها ارتكبت الأخطاء حتى ولو كانت هذه الأخطاء ترتبط بملف داخلي لا سيما بخصوص انتهاك حقوق الأقليات أو التعدي على الحريات وحقوق الإنسان وبالأخص تلك التي يتضمنها الإسلام".
الشيخ رفسنجاني واغتيال الشهيد النمر..
ومن اللافت أن المملكة السعودية حتى الساعة لم تصدر أي موقف تعزية برحيل رفسنجاني بعكس ما فعلت دول مجلس التعاون الخليجي، حيث عبرت البحرين والكويت وقطر والإمارات وعمان عن تعازيها لرئيس السياسي المحنك وعالم الدين الديناميكي والمرن، وللتذكير فإنه في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2013 أرسل الملك السعودي الراحل الملك عبد الله رسالة لرفسنجاني يدعوه فيها لأداء فريضة الحج بضيافته، وفي 24 شباط/ فبراير 2014 نشر الشيخ رفسنجاني على الانترنت صورة تجمعه مع الملك عبدالله، ونقلت وسائل إعلام أن الرجلين ناقشا في ذلك اللقاء حاجة البلدين إلى العمل معا من أجل مواجهة التطرف وتعزيز العلاقات والانسجام بين دول العالم الإسلامي، فلماذا لم تبادر قيادات المملكة لتقديم واجب العزاء برحيل شخص كان تجمعه علاقة طيبة بشخصيات سعودية من هذا المستوى؟ وهل بعدم المبادرة نوجه رسالة إلى الإيرانيين أم أننا نرد نظهر صورة غير جميلة عن دبلوماسيتنا؟ وهل بهذه الطريقة نريد استرجاع العلاقة الطيبة بين المسلمين؟ علما أن التعزية برفسنجاني من الناحية الدبلوماسية هي أمر أكثر من طبيعي انطلاقا من أنه كان رئيسا لإيران لدورتين متتاليتين منذ العام 1989 وحتى العام 1997.
ويمكننا الإشارة أن من أبرز المواقف التي انتقد فيها الشيخ رفسنجاني النظام السعودي في عهد الملك الحالي، هو حادثة اغتيال "الشيخ الشهيد نمر باقر النمر" الذي قبض عليه بشكل تعسفي من قبل قوات النظام وتمت محاكمته بصورة شكلية لإصدار الحكم بإعدامه ومن ثم تنفيذ الحكم من دون مراعاة أدنى حقوق الإنسان في الدفاع، وبعد أن دان عملية الاغتيال وصف يومها الشيخ رفسنجاني "الشيخ النمر بالكوكب الوضاء في سماء الإسلام وشيعة أهل البيت(ع) الذي اجتاح ضياؤه ظلمات الوثنية الجاهلية وغطرسة السلطة"، واعتبر أن "سنيّ عمر الشيخ النمر واستشهاده على يد حكام آل سعود هو استمرار لجهاد النور في مواجهة الجهل الذي بدا من عهد النبي إبراهيم (ع) ضد نمرود ومرورا بجهاد النبي محمد (ص) ضد أبو جهل وانتهاء بجهاد الإمام علي (ع) ضد جهلاء عصره".
وقبيل إعدام الشيخ النمر حذر الشيخ رفسنجاني من تنفيذ حكم الإعدام، حيث قال إن "حكام السعودية ارتكبوا ثاني خطأ تاريخيا لهم بعد العدوان على اليمن بالمصادقة على تنفيذ حكم الإعدام ضد الشيخ النمر"، محذرا "من التداعيات الخطيرة التي ستطال السعودية فيما لو نفذت الحكم".
عن عدم النضج السياسي!!
الشيخ فرفسنجاني الذي أعلن صراحة أنه يؤيد الانفتاح على المملكة وباقي دول الخليج لم يمنعه علمه ولا رغبته في بناء علاقات جيدة مع الآخرين من الوقوف وقول كلمة الحق من جهة وإبداء النصح للجيران من جهة أخرى، فهو من وجهة نظر البعض انتقد المملكة في ملفات عديدة بدءا بالحرب على اليمن وصولا لدعم "الوهابية" للجماعات التكفيرية مرورا باغتيال الشيخ نمر باقر النمر، ومن وجهة نظر آخرين فالشيخ رفسنجاني قدم للملكة كلمة صدق بضرورة مراجعة مواقفها وأساليبها في مختلف الملفات الداخلية والخارجية، فهل هذه المواقف المحقة للرجل جعلت المملكة ترفض إبداء ليونة اتجاهه حتى بعد وفاته، ولكن إن أصاب هذا التحليل فهو يدل بالتأكيد على مأزق يعيشه الفكر المنظّر للسياسة السعودية الذي لا يستطيع تجاوز المواقف والآراء التي تصدر ضده أو تنتقده سواء صدرت من قبل بعض الأشخاص في الداخل والخارج ما يجعل المملكة أسيرة لأساليب عمل لا تتقن من فن السياسة أي مهارة، وهنا المشكلة المتجذرة في الفكر والمضمون لا في الشكل الأسلوب، بما يؤكد ما سبق أن تحدث عنه الشيخ رفسنجاني من "عدم نضج سياسي" لدى من يتخذ القرار في المملكة.
أضيف بتاريخ :2017/01/10