تقرير خاص: العلاقة #الأمريكية #السعودية المتجددة.. الأثمان والتبعات
مالك ضاهر ..
المتابع لخط سير العلاقات الأمريكية الخليجية وبالأخص الأمريكية السعودية، يلحظ بعض المتغيرات نحو تحسين وترطيب الأجواء في العلاقة بين الطرفين والإيحاء بتحسنها نسبة لما سبق أن مرت به في الفترات الأخيرة، خاصة أبان الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة وقبلها خلال السنة الأخيرة من ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما.
فتلك الفترة حكمتها تطورات أنذرت بتوتر العلاقات السعودية الأمريكية، انطلاقا من قانون "جاستا" والتهديد الدائم من قبل المسؤولين الأمريكيين ووسائل الإعلام بملاحقة المملكة وقياداتها الحاليين أو السابقين لدعمهم الإرهاب وبالأخص وقوفهم وراء هجمات "11 سبتمبر"، وثم من جاءت التسريبات التي تحدثت عن الدعم المالي السعودي الكبير لحملة هيلاري كلينتون منافسة الرئيس الحالي في السباق الانتخابي للوصول إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، ناهيك عن التهديدات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية بحق الدول التي لا تدفع بدل الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة ومنها بالطبع المملكة السعودية، وغيرها من الملفات.
المتغيرات والأسباب؟!
إلا أن العديد من الأمور حصلت غيرت كل هذه النظرة السلبية، في طليعة هذه الأمور الاتصال الذي تم بين ترامب والملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وما تلاه من تصريحات لعدد من المسؤولين السعوديين الايجابية حول الخطوات الأمريكية التي شملت من ضمن ما شملته هو منع دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة علما أن من هذه الدول من هو على علاقة وطيدة ويعتبر من حلفاء المملكة، واللافت كان في قرار ترامب هو استثناء مواطنين دول مجلس التعاون الخليجي، ما استدعى موافقة صريحة من قبل بعض الدول الخليجية، في حين فسر صمت البعض على أنه موافقة ضمنية لتصرفات ترامب، ولم ينتقد هذا القرار سوى دولة قطر رغم أنها أيضا كانت من ضمن الاستثناءات.
فما الذي تغير في واقع الحال حتى رأينا هذا التقارب والتجاوب السريع بين قيادة المملكة والإدارة الأمريكية الجديدة؟ وكيف تراجع ترامب عن هذا السقف المرتفع الذي سبق أن رسمه خلال حملته الانتخابية؟ هل تراجع عن محاربة الإرهاب أم أنه أراد رفع السقف فقط خلال الانتخابات كي يبتز المملكة للحصول على مكاسب معينة مالية وغير مالية بعد فوزه بالانتخابات؟ وهل تدخلت المملكة بشكل ما كي تدفع الرئيس الأمريكي لتغيير مواقفه؟ وهل قدمت له وعود معينة أو أثمان سريعة كي يقلب مواقفه تجاه المملكة؟ ولكن أليس لترامب مصالح مع المملكة يجب عليه مراعاتها ويحسب لها ألف حساب بصفته رئيسا للولايات المتحدة؟
من جهة أخرى هل المملكة والقيادة السعودية موافقة على ما يفعله ترامب وما يصدره من قرارات؟ هل توافق على التهجم على مواطنين دول إسلامية شقيقة وحليفة في معظمها للمملكة؟ وهل توافق على ممارسات ترامب المحتملة تجاه هذه الدول إذا ما قررت الإدارة الأمريكية وصفها بالإرهاب أو بدعمه كمقدمة لمحاربة هذه الدول؟ أم أن المملكة تحاول فقط مجاراة ترامب لامتصاص فورته واندفاعاته قبل أن تعيد تقييم الأوضاع في المنطقة والعالم؟ ولكن أليس للمملكة من مصالح في بعض الجوانب نتيجة ما يفعله ترامب؟ خاصة أن الرجل يرفع النبرة والخطاب بوجه إيران ما قد يسهل على المملكة مواجهة "الجار اللدود".
من الإرهاب.. إلى المصالح الاقتصادية
فوسائل الإعلام سارعت لنقل ما تصمنه الاتصال بين ترامب والملك سلمان، حيث جرى البحث في ملفات وقضايا حساسة تهم البلدين، كما اتفقا على "إقامة مناطق آمنة في سوريا واليمن، وأشارت المعلومات إلى أنه "تم الاتفاق على تعزيز مشاركة البلدين بشكل واسع في محاربة الإرهاب والتطرف وتمويلهما وأن المملكة السعودية لديها مبادرة مع عدد من دول المنطقة بخصوص ذلك وأنها تتطلع لزيادة الدعم الأمريكي في ذلك"، ولفتت إلى "تطابق وجهات نظر الزعيمين بشأن السياسات الإيرانية في المنطقة وإشادتهما بالتعاون الأمني والعسكري القائم بين البلدين وأهمية تعزيز ذلك في الفترة القادم".
في حين أن بعض المصادر المتابعة أكدت أن "الملك سلمان حاول التخلص من التهم التي تنسب إلى الملكة بدعم الإرهاب عبر التأكيد أن تنظيم القاعدة ومؤسسه أسامة بن لادن لم يحصلان على الدعم السعودي بل هما انطلقا خلال ثمانينات القرن الماضي من السودان وحظيا بدعم الخرطوم لا الرياض"، وأضافت أن "الملك سلمان حاول توجيه التهم حول الإرهاب إلى جماعة الإخوان المسلمين لا إلى الفكر الوهابي الذي إليه تنسب كل الأفكار التي تنهل منها الجماعات التكفيرية في العالم"، ولفت إلى أن "كل ذلك سيجعل الإخوان المسلمين محط الاهتمام الأمريكي لناحية الاستهداف والعمل لتبرئة الوهابية وهو ما قد ينعكس على العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي فيما بينها حيث أن بعضها تدعم الإخوان في حين أن بعضها حاضن وداعم للفكر الوهابي".
ويمكن التذكير هنا بكلام لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير من العاصمة الفرنسية باريس حيث أكد "أننا متفائلون جدا بإدارة الرئيس ترامب ونتطلع للعمل الوثيق معها للتعاطي مع التحديات العديدة ليس على مستوى منطقتنا فحسب بل على مستوى العالم.. "، وأضاف ".. كانت المواقف التي عبر عنها الرئيس ترامب مواقف نتفق معه عليها اتفاقا تاما فإعادة الحضور الأمريكي على مستوى العالم هو أمر نرحب به نحن وجميع الأمريكيين وذلك لأن غياب الحضور الأمريكي يخلق فراغا وإذا كان هناك فراغ في النظام الدولي فهو مدعاة لأن تسعى قوى الشر لأن تملأه..".
الابتزاز الأمريكي.. والقبول السعودي!!
بالتأكيد أن كلام الجبير يلخص المشهد لناحية ما ستكون عليه العلاقات "المصلحية" بين البلدين، حيث ستبحث كل دولة عن مصالحها بالتعاون مع الطرف الآخر، فالمملكة ستعمل على الحفاظ على نفسها مقابل التضحية ربما ببعض الحلفاء كالسودان باعتباره "رعى القاعدة أو الإرهاب" بحسب التوصيف السعودي، وربما غيره من الدول مقابل الحصول على الدعم الأمريكي المباشر في اليمن والحصول أيضا على التصلب الأمريكي أكثر فأكثر تجاه إيران.
بينما ستسعى الإدارة الأمريكية إلى الحفاظ على قاعدة هامة ومتقدمة لها في المنطقة اسمها المملكة السعودية حيث تستطيع عبرها فتح أكثر من جبهة وتأمين أسباب دخولها على هذه الجبهات في أي وقت، ناهيك عن القدرة الكبيرة للمملكة في التجييش السياسي والطائفي لا سيما ضد إيران وحلفائها في المنطقة مما لا تستطيع واشنطن القيام به، بالإضافة للمكاسب المالية والاقتصادية التي ستحصل عليها إدارة ترامب من المملكة سواء عبر بيع السلاح أو عبر الاستثمارات بمبالغ خيالية بالإضافة للمشاريع المنتظرة من رؤية 2030 وغيرها من أسباب الكسب الأمريكي من جيب المواطن السعودي ودائما بسبب العقلية التي تدارها دفة الأمور في المملكة.
أضيف بتاريخ :2017/02/08