تقرير خاص: علاقة قطر والإخوان المسلمين.. إستراتيجية ثابتة أم مصلحية متغيرة؟!
مالك ضاهر ..
الجميع يدرك الدعم القطري الكبير لجماعة "الإخوان المسلمين" بمختلف فروعها لا سيما في مصر، ويتنوع الدعم بين المالي والإعلامي والسياسي والاحتضان لأسماء عديدة وبارزة من قيادات التنظيم من مختلف الجنسيات، وقطر بذلك تتمايز عن أغلب دول "مجلس التعاون الخليجي" لا سيما المملكة السعودية والإمارات المناهضة لـ"الإخوان"، التي تحاول محاربتها بشتى الوسائل ولا يخفى على أحد ذلك لأنه يتحدث به في مختلف المنابر السياسية والإعلامية، كما أن هذا الدعم القطري أثار بعض الحساسيات مع بعض الأطراف العربية لا سيما مصر حيث الخصام الأكبر والمستمر بين التنظيم والنظام منذ عشرات السنين.
ولكن يتساءل كثيرون عن ماهية هذه العلاقة التي تجمع بين قطر والتنظيم المحظور في أكثر من دولة؟ خاصة أن قطر هي دولة معروف عنها عدم سماحها الكبير للنشاط السياسي على أراضيها ولا مساحات واسعة للحريات السياسية هناك، فلو قارنا بين قطر وتركيا-وكلتاهما ممن يدعم الإخوان- نرى أن في تركيا الحزب الحاكم يعتبر أحد فروع "جماعة الإخوان"، كما أن للتنظيم تأييد واسع في صفوف الأتراك، ولذلك الدعم التركي للإخوان في بعض المجالات مفهوم وواضح ولا يثير الكثير من التساؤلات، إلا أنه ما الذي يجعل دولة قطر تبتعد عن الإجماع الخليجي في مسألة دعم هذا التنظيم؟ بل هي تصر في بعض الأحيان على فتح الهواء الإعلامي لشخصيات قيادية في هذا "التيار" لإبداء مواقف وتصريحات "تزعج" بعض جيرانها من الخليجيين، حتى وصلت الأمور إلى مرحلة سحب سفراء بين بعض الدول الخليجية وقطر.
مصالح متبادلة..
وما الفائدة التي تجنيها قطر من دعم "الإخوان"؟ وأيهما يحقق مصالح الدوحة أكثر: التمايز في السياسات العامة والعلاقات الخارجية مع الدول والحركات أم الانصهار بل الذوبان في الفضاء الخليجي الأوسع؟ ولكن ماذا ينفع هذا الانصهار لدرجة الذوبان لأبناء قطر غير التقييد والتكبيل بينما هم لديهم من العلاقات والإمكانات ما يجعلهم يمارسون أدوارا أكبر من تلك التي ترسم لهم على الخارطة الخليجية؟ وأي فائدة ستجنى إذا ما التزمت كل دولة بالقرارات الخليجية بشكل تلقائي دون التعبير عن الآراء الخاصة لهذه الدولة بما يعبر ويهف لتحقيق مصالحها الإستراتيجية؟ ولكن هل يمكن تصور هذا الدعم القطري للإخوان من دون ضوء أخضر أمريكي خاصة في ظل وجود انتقادات ومعارضات خليجية حول ذلك؟
وبالمقابل ماذا يجني "الإخوان" من الدعم القطري لهم في ظل اشتداد الحرب عليهم من عدة أنظمة؟ لا سيما أن مثال الدعم التركي لا يبدو أنه كان على قدر "التطلعات الإخوانية" في بعض الأوقات الحساسة والحرجة، والشواهد عديدة من الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي إلى الحصار والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة حيث التواجد الكبير لحركة حماس(المصنفة أحد فروع تنظيم الإخوان) إلى غيرها من "محطات التخلي"، فهل يسير القطريون على خطى الأتراك في هذا المجال فيما لو حانت "ساعة الحقيقة" ولو اتخذ القرار الأمريكي بتصفية "الإخوان" أم أن قطر ستبقى رغم كل المواقف الأمريكية -المفتوحة على كل الاحتمالات في ظل إدارة دونالد ترامب- داعمة وحاضنة للإخوان من أي عاصفة قد تشتد عليهم؟
كل يستمثر على طريقته..
بالتحليل السياسي وبحسب مجريات الأمور تاريخيًا يمكن ملاحظة، بعض الأمور:
-أن دولة قطر تحاول دائما التمايز عن الأطراف الخليجية الأخرى بحيث تحاول دائما استثمار قدراتها المالية في مختلف المجالات ولا يقتصر الأمر فقط على الجوانب السياسة والأمنية والعسكرية، وإنما هي تحاول توسيع رقعة استثماراتها إلى الرياضة والاقتصاد والفنون وغيرها من المجالات الإنسانية.
-قطر دائما على البحث عن أدوار في ملفات عديدة، وكان لها محاولات عديدة للانفتاح على أطراف كثيرة في العالمين العربي والإسلامي منها على سبيل المثال: الدخول على خط المصالحة الفلسطينية بين حركتي "فتح وحماس"، العمل على تقديم الدعم لإعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 والبحث عن علاقات بين أطراف لبنانية عديدة من مختلف التوجهات وفي طليعتها حزب الله، والعمل لحل الأزمة السياسية اللبنانية في العام 2008 والتي انتهت بمؤتمر الدوحة الشهير، التدخل القطري في الأوضاع الداخلية لمصر سواء عبر الإعلام أو عبر القنوات السياسية والدبلوماسية حتى أن قطر في مرحلة من المراحل عملت على فرض شروطها بخصوص تعيين الأمين العام لجامعة الدول العربية(مع ما لذلك من دلالات سياسية ودبلوماسية بالنسبة للعلاقة مع الدول العربية الكبرى لا سيما مصر)، الدخول على خط الحرب السورية حتى بات لقطر مجموعات مرتبطة بها وتأتمر بأمرها في هذه الحرب، دخول قطر على خط الأمور في جنوب السودان وغيرها من الملفات.
-قطر تحاول دائما لعب دور أكثر من حجمها الحقيقي بالنسبة إلى باقي الأطراف الخليجية، للقول إن المسألة ليست فقط مسألة أحجام ومساحات جغرافية وأعداد سكان، فالأمر يتعلق بقدرات ووضع بصمات في ملفات مختلفة ما يؤكد الدور القطري الإقليمي ما يستفز بعض الأطراف الخليجية التي تسعى إلى تقليص دورها.
-صناعة أدوات خارج الحدود تضاف إلى رصيدها ويمكن استخدامها عندما تدعو الحاجة، والتفاوض بشأنها لا بد أن يكون مع الراعي الحصري لها أي قطر.
-إن تنظيم الإخوان يحقق مصالح مباشرة عبر الدعم المفتوح في مختلف المجالات وهو يحاول الاستفادة من التناقضات الموجودة بين الدول الخليجية ومن تسامح غربي مع الدعم القطري للتنظيم ناهيك أنه يشكل لقطر رأس حربة لمشاريعها في أكثر من دولة عربية وإسلامية وبالتالي فالتنظيم يأخذ الكثير من الامتيازات مقابل تقديم خدمات جما كان سيصعب على دولة صغيرة مثل قطر أن تحققها بقدراتها المباشرة والذاتية.
يقظة الإخوان.. والإحراج القطري
وهنا لا بد من الإشارة إلى ما سُرّب في الإعلام أن السعوديين يحاولون الترويج لدى الأمريكيين أن الإخوان هم مصدر الإرهاب في هذا العالم وليس الفكر الوهابي، وهذا ما أكده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود للرئيس الأمريكي ترامب خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بينهما مؤخرا، وهذا الأمر بالإضافة إلى أنه سيسبب المزيد من الضغوط والتشدد تجاه الإخوان، إلا أنه أيضا سيحرج قطر مع الحلفاء الأمريكيين الذي يؤمنون لها كما العديد من دول "مجلس التعاون" الحماية والأمان الذي تحدثه عنه ترامب خلال حملته الانتخابية، ويبدو أن الرجل بدأ بالحصول على شيء من بدل الحماية من بعض دول الخليج حيث بدأ التواصل المباشر هاتفيا كما زيارات بعض مسؤولي البلدين، كل ذلك سيجعل الإخوان المسلمين محط الاهتمام الأمريكي لناحية الاستهداف في المرحلة إذا ما اقتنعت الإدارة الأمريكية بوجهة النظر السعودية.
ولذلك يجب على قيادات الإخوان التنبه على عملية البيع والشراء التي قد تقوم بها بعض الأنظمة، وحث هذا الأمر سيكون ممكنا في ظل الضغوط التي قد تتعرض لها هذه الأنظمة أو حين يتم تهديد مصالحها الأكبر والأوسع، فإذا ما اتخذ القرار السعودي الأمريكي بالقضاء على "الإخوان" هل ستبقى قطر داعمة لهم أم ستقوم بالتخلي عنهم؟ ولكن ما البديل المتاح أمام فروع الإخوان في العالم لا سيما الفروع التي حملت تاريخيا لواء الدفاع عن القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي للمقدسات؟ علما أن هذه التنظيمات في لحظة ما بعد سقوط نظام محمد مرسي وجدت نفسها وحيدة مكشوفة أمام عالم كاره لها من مختلف الجهات، في حين هي قطعت كل سبل التواصل مع غير المتحالفين مع الإخوان في مصر وتركيا، فهل سنجد هذه التنظيمات تعود لرفع راية "فلسطين أولا" وتعود للحضن الدافئ لمن يدعم القضية الفلسطينية ويناصر شعبها في كل المحافل وبشتى الوسائل؟ أسئلة يجب على بعض الحركات وضع إجابات لها إن لم يكن في العلن ففي كواليس غرفها المغلقة.
أضيف بتاريخ :2017/02/12