تقرير خاص: ملف مسورة #العوامية.. خلفيات ثأرية والهدف مسح الذاكرة والتاريخ
مالك ضاهر ..
مازالت تتفاعل قضية مسورة العوامية التي تعتزم السلطات في المملكة السعودية هدمها لحجج مختلفة، رغم كل المطالبات من قبل فعاليات المنطقة بضرورة إعادة النظر في المشروع لوجود أسباب موجبة لذلك، منها أسباب إجتماعية وإنسانية ومنها ما يتعلق بالتراث والإرث الحضاري للمنطقة.
وصحيح أن شعارات التنمية التي تُرفع من قبل الإدارة المعنية هي أمور مهمة لجهة الاهتمام في مناطق المملكة المختلفة وهي من المسائل المطلوبة والتي يجب التشديد عليها، إلا أنه يجب اعتماد خطط واضحة وعادلة في تطبيق الإنماء المتوازن والتنمية المستدامة وعدم ظلم المواطنين بحجة تنمية البلاد وإيجاد أبنية جديدة وحديثة، بل لا بدَّ من متابعة النتائج وتوقع التداعيات التي سترتبها هذه الخطط سواء على المستوى الاجتماعي والحضاري والتاريخي وأيضا على المستوى الأمني والسياسي، وكل هذه الأمور لها علاقة بحقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية مع ما قد تحمله من مشاريع تحمل عناوين براقة بينما في مضمونها لا ترقى أبدا إلى هذه المفردات.
دوافع سياسية أم تنموية؟!
فهل المسألة في قضية المسورة هي مسألة لها علاقة فقط بالتنمية والإنماء وتحديث الأبنية أم أن هناك أهدافا أبعد لها خلفيات سياسية وأمنية وربما طائفية ومذهبية؟ وهل الأمر يقتصر فقط على مسورة العوامية أم أن هناك حالات أخرى سابقة وحالية مشابهة لحالة المسورة؟ بمعنى آخر هل ما يجري اليوم بالنسبة لمسورة العوامية هو حالة خاصة بها فقط أم أنه جرى مثل هذا الأمر مع مسورات أخرى في المملكة وبالأخص في المنطقة الشرقية؟ وهل فعلا سيتم الإنماء الذي يجري الحديث عنه أو أن المشاريع ستكون حبرا على ورق ولن تصل إلى خواتيمها المنشودة؟ وهل التعويضات التي تقرر لإصحاب البيوت في المسورة هي تعويضات عادلة أم أنها لا تكفي الأهالي للحصول على مساكن جديدة بدل التي تريد الدولة وضع اليد عليها؟ وهل يجوز قانونا وشرعا إلى السلطة العامة استملاك منزل أو عقار من صاحبه من دون تقديم التعويض العادل الذي يمكنه من تأمين البديل لما تم استملاكه؟
ولماذا الإصرار على السير بخطط هدم المسورة بدل إتباع مشاريع أخرى تعود بالفائدة أكثر على الناس والبلد؟ ولماذا تعمد الإشاعة أن هذه المسورة باتت تحوي المجرمين من قطاع الطرق وتجار المخدرات وغيرهم؟ ولماذا تعتمد السلطات معالجة الملف بشكل عنفي أمني على نحو معاقبة الأهالي لرفضهم الإخلاء ومن أمثلة ذلك قطع الكهرباء والماء وغيرها من الخدمات؟ أليس كل ذلك يؤكد أن الأهالي على حق بأنهم مستهدفون من كل ما يجري وليس الهدف إجراء التنمية والإنماء كما تقول السلطة؟ وإلا كيف يفسر عدم تجاوب السلطة مع كل النداءات التي صدرت من الأهالي وفعاليات المنطقة للرأفة بالناس وعدم تشريدهم بلا منازل تأويهم والعمل للحفاظ على تراث الآباء والأجداد؟
لمعالجة سريعة وجدية..
وهنا يمكن الإشارة لما سبق أن أعلنه الشيخ جعفر الربح وهو أحد علماء الدين من أبناء العوامية، حيث ناشد "السلطة البحث عن حلول جادة ومعالجات سريعة لازمة السكن المتفاقمة التي تسبب بها مشروع إزالة المسورة وما حولها خاصة أنها كان تحتوي على عشرات الأسر"، وتابع "ربما بعض هذه الأسر بقيت في العراء أو عاشت عناء ومشقة التنقل من دار لأخرى.."، فهل يعقل الحديث عن إنماء المناطق بينما يترك الأهالي دون مسكن يأويهم؟ ولماذا يسلم الإنسان داره بينما يعرف أنه سيترك وعائلته في العراء أو سيترك لينتقل بين منازل أقاربه ممن يرغبون في استضافته؟ فهل من المنطق السليم تسليم الإنسان لمنزله وداره وأرضه كي يلقى الإذلال دون بيت أو موطئ قدم؟
وحتى بالنسبة لبعض وسائل الإعلام التي تروج أن الهدف من مشروع المسورة هو مصلحة الناس كي لا تسقط المنازل على رؤوس ساكنيها أو على المارة وغيرها من الحجج التي تساق في الإعلام، الحقيقة أن إمكانية الترميم لا بد أنها ممكنة أو بالحد الأدنى تبقى أحد الخيارات مع تأمين البدائل المنصفة للناس، بدل أن يتخذ القرار بهدم المنطقة وإزالتها، الأكيد أن الأجدر والأفضل تأمين البديل بالشروط العادلة للناس وترميم الأحياء القديمة للحفاظ عليها وترسيخها في ذاكرة الناس كجزء من تاريخهم وتاريخ وطنهم.
وحول ذلك قالت مصادر مطلعة على موضوع مسورة العوامية أن "ما يجري في هذه المسورة اليوم ليس المثال الأول من نوعه في تاريخ المنطقة الشرقية في المملكة إنما هناك أمثلة عديدة منها مسورة تاروت، مسورة القلعة، مسورة سيهات، مسورة الجارودية".
ولفتت المصادر في تصريح خاص لـ "خبير" إلى أن "الهدف من الأمر هو مسح الذاكرة ومسح تاريخ أبناء المنطقة لما تشكله هذه المسورات من شواهد على تاريخ من النضال ضد المحتلين والمعتدين من القبائل التي كانت تغزو المنطقة حيث كان أبناء المنطقة يدافعون عن أنفسهم وعن عيالهم وعن عرضهم ومالهم من الاعتداءات بالتحصن داخل هذه المسورات التي تحوطها الجدران العالية التي تحميهم وتمنع الوصول إليهم كما تسهل على الأهالي الدفاع عن أنفسهم وصدّ الغزاة"، وأضافت "ربما السلطات الحالية الحاكمة لديها تاريخ سيء مع هذه المسورات حيث كان الغزاة التكفيريون ينكسرون على أبوابها ولذلك تمارس السلطة اليوم فعل الانتقام من الحجر والبشر في هذه المنطقة وإزالة كل أثر على الهزائم التي كانوا يتعرضون لها".
خصوصية مسورة العوامية.. لمن؟!
وأوضحت المصادر أن "هذه المسورات عمرها يمتد لمئات السنين وتحمل رمزية خاصة لأبناء المنطقة الشرقية"، وتابعت "مسورة العوامية بالتحديد تحمل رمزية خاصة وهامة حيث كان الإمام الشيخ محمد بن نمر منذ ما يزيد عن مئة عام يقود حملات الدفاع عن الأهالي من هذه المسورة بوجه المعتدين ممن كانوا يسعون للسيطرة على البلاد وتأسيس كيانهم في ذلك الوقت"، وأوضحت أن "ذلك قد يشكل دافعا أكبر للبعض لإزالة المسورة في العوامية من الوجود بالإضافة إلى منع بعض النشطاء المفترضين من اللجوء إليها للحماية من تنكيل عناصر الأمن التابعة للسلطة"، وأضافت "السلطة تشوه صورة المنطقة وأهلها عبر الترويج أن من يلجأ إلى المسورة هم عصابات وتجار المخدرات بينما ربما هي تخشى أن يلجأ إليها بعض الرموز الذين يطالبون بحقوق الشعب ويطالبون بالتغيير السياسي السلمي مما لا تقبل به السلطة"، وأكدت أن "الاحصائيات الرسمية تثبت أن نسبة الجريمة في العوامية هي من أقل النسب مقارنة بغيرها من مناطق المملكة في حين تتصدر منطقة الرياض نسبة الجريمة على مستوى حمل السلاح".
فهل سنرى في المستقبل إزالة مثل هذه المناطق بأكملها تحت ذريعة أن نسبة الجريمة فيها مرتفعة قياسا على ما يجري في العوامية أم أن الحلول تختلف من منطقة لأخرى؟ وأي تنمية هذه التي تعتمد على المدرعات العسكرية وعلى الاقتحامات الأمنية؟ وهل هذه هي التنمية التي وعدت بها الرؤى الاقتصادية التي قدمت للناس على أنها ستكون بوابة الإنقاذ والتطوير؟
الحقيقة أن المملكة السعودية تمتلك من الإمكانات المالية والعقارية الكثير لحل هذه المعضلة لو أرادت الجهات التي تدير هذا الملف ولو صدقت النوايا فعلا، خاصة أن المعلومات تشير إلى جود عشرات قطع الأرض في العوامية ومحيطها والمملوكة من الدولة وبمساحات مختلفة يمكن عبرها تسوية أوضاع الناس واستبدالها بمنازلهم وعقاراتهم وإقرار مبدأ (التعويض+ الأرض) بالتنسيق مع الجهات المختصة الأخرى، طبقا للقوانين المحلية والدولية التي ترعى مثل هذه الحالات، بدل اعتماد أسلوب الترهيب والسياسات الأمنية والبوليسية في إنهاء هذا الملف الذي سيكون له تداعيات سلبية على الوطن والمواطنين لن تنتهي بسهولة.
أضيف بتاريخ :2017/02/14