تقرير خاص: النظام البحريني من الابتزاز السياسي إلى المناورة الحية.. والشعب على مواقفه
مالك ضاهر ..
عندما أصدر القضاء البحريني حكمه يوم الاثنين 21-5-2017 بحق الشيخ عيسى قاسم بالحبس مع وقفت التنفيذ، هناك من استبشر خيرا أن السلطات قدمت خطوة ايجابية نحو بدء حل المسائل العلاقة بين النظام الحاكم في المنامة وغالبية "البحارنة" وفي مقدمتها الثقة المعدومة بالأداء الرسمي وبقادة هذا النظام.
إلا أن النظام البحريني خيّب الآمال من جديد وذهب لتأكيد صوابية عدم الوثوق به لأنه لا يريد الحل للازمة القائمة في البلاد منذ عشرات السنين والتي تظهرت إلى العالم منذ العام 2011 بشكل أكثر علنية، فالنظام فاجئ الجميع بسرعة تحركه لاقتحام ساحة الاعتصام الشعبي في محيط منزل الشيخ قاسم في الدراز ومن الدخول إلى منزل هذا الرمز الوطني والديني لكل "البحارنة"، وقبيل كل ذلك جرى ما جرى من إطلاق النار والرصاص المحرم دوليا واستخدام الغازات السامة والقنابل الدخانية والاستعانة بالمدرعات وصولا إلى المرحيات لاستهداف الآمنين العزل ومراقبة الوضع بشكل دقيق لمنع خروج المدنيين من دون إيقاع الشهداء والجرحى في صفوفهم بعد إلقاء التهم الجاهزة عليهم والمواصفات في مثل هذه الأمور باتت معروفة، فمن الانتماء إلى خلايا إرهابية وصولا لمحاولة قلب نظام الحكم مرورا بزعزعة الأمن والاستقرار والإضرار بمصالح الدولة والأفراد وتعطلها، وعلى هذا السيناريو يمكن نسج الكثير من المخيلات الإتهامية التي تستخدم في كل مرة تحتاج السلطة إلى تعنيف الناس وقمعهم.
تمادي السلطة.. وتنفيذ الأوامر الخارجية
لكن لماذا تمادت السلطة في البحرين إلى هذا الحد من الإفراط باستخدام القوة رغم أن البحرينيين حتى الساعة من مواطنين وقيادات ما زالوا ينادون بالسلمية لنيل مطالبهم؟ وهل الأمر يقتصر على مناورة قام بها النظام قبل الانقضاض على اعتصام الدراز والشيخ قاسم أم أن للأمر أية أبعاد أخرى تتعلق بالمجريات الإقليمية المختلفة لا سيما الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة السعودية وكيان الاحتلال الإسرائيلي؟ هل أعطى ترامب بعد حصوله على المال السعودي للسلطات البحرينية لفعل ما تشاء في قمع الأصوات المطالبة بالحقوق؟ وهل سمح للسلطات البحرينية بتجاوز كل المحرمات في سبيل قمع كل صوت معارض؟
وهل أن النظام فعلا يريد التهدئة مع الداخل قبل زيارة ترامب إلا أنه بات اليوم ملزما على انتهاج مثل هذه الممارسات تنفيذا لأمر عمليات خارجي إقليمي أو دولي؟ بمعنى أخر هل غير النظام قراره وعاد للتصعيد بعد أن كان يريد السير بمنطق جس النبض وأتباع عملية ابتزاز سياسي لتحقيق مطالبه بوجه الحراك السلمي؟
رد الشعب.. والصمت الدولي
خاصة أن السلطات البحرينية سارعت خلال أقل من 24 ساعة من إصدار حكمها بحق الشيخ قاسم بالشروع باقتحام منزله واعتصام الدراز، فكيف سيرد الشعب البحريني على ممارسات النظام في الاعتداء على المحرمات تجاوز كل الخطوط الحُمر بدءا من تعديه على الفرائض والمعتقدات الدينية وصولا إلى انتهاك حرمة الرموز والقيم؟
وأين الدول المؤيدة والداعمة لحقوق الإنسان والحريات وأين المنظمات الحقوقية والإنسانية التي يجب عليها التحرك للضغط على حلفاء النظام البحريني لوقف سفكه للدماء؟ خاصة أن اليوم الأول من الاعتداء على اعتصام الدراز والاشتباكات التي تلته في مختلف المناطق البحرينية نتج عنه 6 شهداء وأكثر من 200 جريح، وأين الدول التي كانت حاضرة في قمة الرياض والتي تلقنت دروسا من الرئيس الأمريكي؟ أليس كل ما يجري في البحرين يستدعي ولو مجرد مواقف إدانة قياسا مع المواقف التي استنكرت تفجير مانشستر الأخير؟ هل ضحايا مانشستر وغيرها من الدول الغربية أهم وأغلى على الحكام العرب وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي من دماء الأبرياء العزل في البحرين؟
مع كل ذلك وجد "البحارنة" أنفسهم في موقف دقيق للغاية فهم طالما نادوا بالسلمية وما زالوا إلا أن النظام الحاكم يدفعهم يوما بعد يوم لتركها بهدف الدفاع عن الأبرياء وعن النساء والأطفال وكذلك الدفاع عن دينهم وعلمائهم وقياداتهم التي تقتل أو تسحب إلى المعتقلات.
السلمية مستمرة.. ولكن؟!
فقد دعت "القوى الثورية المعارضة" في البحرين "للمقاومة والدفاع المقدس بكل السبل المتاحة"، وطالبت "جماهير الشعب شل كل مناحي الحياة في البحرين"، وشددت على "ضرورة الدفاع المقدس ومقاومة إرهاب المرتزقة الخليفية بكل السبل المتاحة وذلك تصديا للهجوم البربري الوحشي على منطقة الدراز ولحماية الكرامة والعرض والقيم والذود عن سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم"، وحثت "الجماهير للنفير وشل كل سبل الحياة الطبيعية في البحرين وتعطيل كل مناحي الحياة في الشوارع العامة وضرورة التظاهر الحاشد في كل المناطق دون توقف".
بينما أكد علماء البحرين إن "أرادوها كربلاء فنحن أبناء كربلاء فلتخرج كل المناطق بالأكفان رجالا ونساء وشبابا"، وأضافوا "لتفتح ساحات الفداء في كل منطقة ولا يكتفى بساحة الفداء الكبرى بالدراز".
لهجة عالية النبرة لم تكن تسمع في البحرين إلا أن الدماء التي تسأل قد تدفع البعض لردات فعل قد تكون مكلفة للبحرين ككل، وربما النظام ينتظرها لاستثمارها في البزارات السياسية في الداخل والخارج والتسويق أنه يتعرض للاعتداء من قبل جماعات مدعومة من بعض الدول الإقليمية، وعندها بالتأكيد ستخرج الكثير من الأصوات الداعمة والمساندة لنظام المنامة أمام الهجمة الشرسة عليه عندها قد نسمع مواقف جادة وحازمة من الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، وربما يستدعى "درع الجزيرة" للدفاع عن المظلومين والمستضعفين في الإدارات الأمنية والعسكرية في المنامة، للاستفادة من خبرات القوات التي مارست مؤخرا مناورات حية بحق الأهالي في منطقة العوامية.
ضمانة الاستقرار..
الأكيد أنه مهما ناور النظام في البحرين واعتقد أن بعض العواصم الإقليمية والدولية قادرة على حمايته لفعل ما يريد، فهو مخطئ في حساباته لأنه مهما فعل لن يستطيع إسكات أصوات الأحرار في البحرين أيا كانت التضحيات ولو كانت بحجم عمامة الشيخ عيسى قاسم، التي ستتحول من ضمانة استقرار للبحرين إلى سبب للمجهول في بلد يعيش أدق مراحل تاريخه مهما حاول النظام تخفيف ما يحصل في إعلامه لإخفاء ما يجري عن العالم.
أضيف بتاريخ :2017/05/24