تقرير خاص: #العوامية وما جرى فيها.. النموذج الحقيقي للمواطنة في #المملكة
مالك ضاهر ..
أثارت المشاهد المسربة للقوات الخاصة السعودية من داخل العوامية حفيظة الرأي العام الحر في المنطقة والعالم، وحملت معها الكثير من التساؤلات المحفوفة بالريبة مما يفعله هؤلاء العناصر والخلفيات التي ينطلقون منها في عملهم داخل المؤسسة العسكرية والأمنية السعودية، فما تفوه به هؤلاء أو ما يمكن وصفه "قوات النخبة" خلال ما يسمونه "الاحتفال" بما أنجزوه في حي المسورة في العوامية يحمل في طياته الكثير من المعاني الطائفية والمذهبية التي لا تبشر بخير ولا توحي بأن ما جرى كان مجرد عملية أمنية تتطلبها المصلحة العامة في البلاد.
فقد أظهرت المشاهد أن عناصر من القوات الخاصة السعودية يحتفلون داخل حسينيات ومساجد المنطقة ويتلفظون بكلمات نابية بحق أبناء مذهب إسلامي له وزنه التاريخي والفكري والشعبي على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وتزامنت مشاهد العناصر السعودية مع ما انتشر في وسائل الإعلام عن مشاهد دمار عام ومجزرة بحق الشجر والحجر في المنطقة، ما يوحي بأن عملية تهجير جماعية تحصل وكأن المقصود جعل المنطقة غير صالحة للسكن والعيش بعد اليوم أو أقلها لفترة من زمن بغية عدم عودة أهلها إليها تحت أي ظرف من الظروف، ناهيك عن صور الشهداء من المدنيين العزل الذين تجاوز عددهم الـ30 ومن بينهم أطفال، ما يؤكد الشكوك حول الحديث عن أي احتمالات لـ"التنمية الموعودة" في الحي التاريخي.
ارتكابات بالجملة..
ورغم كل التحذيرات التي سبق أن أطلقت حول إمكانية حصول ارتكابات بحق الإنسانية في العوامية، وقع ما كان يتم التنبيه منه حيث ارتكبت ممارسات غير أخلاقية أو إنسانية لا تسمح بها أي تعاليم دينية سواء إسلامية أو غير إسلامية، كما أن ما جرى يفترض أنه يخالف العادات والقيم والأعراف في مجتمعاتنا المحافظة، ويمكن تعداد بعضا من هذه الجرائم التي حصلت: قتل المدنيين، تهجير السكان، تدمير البيوت، تخريب كل البنى التحتية ومعالم الحياة في المنطقة، استهداف دور العبادة، تدمير المراكز الطبية والصحية والتعليمية، ناهيك عن تحقير العقائد التي يؤمن بها البعض وغيرها من الممارسات التي هدفت إلى إذلال الناس وحتى ورود معلومات عن اغتيالهم خلال عملية خروجهم وتهجيرهم من منازلهم ومنع بعض الجمعيات من تقديم المساعدات الإنسانية والضرورية لهم.
وبعد كل ذلك يأتي من يتحدث عن نصر سجل للقوات الأمنية وعن نجاح للخطة المعدة للعوامية أو يأتي من يهلل للقدرة العسكرية لقواتنا الخاصة، والحقيقة أن كل ما جرى يدعو فعلا للوقوف وطرح سيل لا ينتهي من التساؤلات: عن أي انتصار في العوامية يتم الحديث؟ هل قتل الناس وتهجيرهم وتهديم البيوت على رؤوسهم حتى لو رفضوا الخروج من بيوتهم وأرضهم وأرض أجدادهم، هل كل ذلك يمكن تسميته نصرا؟ وبأي معيار استخدم هذا المصطلح؟ هل اعتمد المعيار العسكري لوصف ما جرى بالنصر أم هناك معايير أخرى لدى البعض لا يمكن البوح بها أمام الإعلام؟ وإن كانت المشاهد لا تحتاج إلى كثير من التفسيرات فالصورة تحكي عن نفسها، ومن المسؤول عن قتل الناس بهذا الشكل والتمادي إلى هذه الدرجة في استخدام القوة والعنف تجاه العزل والمدنيين؟ ومن المسؤول عن منع وصول المساعدات الإنسانية للنازحين والمهجرين؟ ولماذا مُنع هؤلاء من الحصول على حقهم بالمساعدة؟ وهل دفعت السلطات الأموال اللازمة للناس كي تحصل على مساكن بديلة عن مساكنها المهدمة في حي المسورة وفي العوامية؟
التنمية الموعودة.. والوقائع المشهودة
ويبقى من التساؤلات أنه هل ما جرى في حي المسورة هو أحد تباشير التنمية الموعودة في مختلف أرجاء المملكة؟ وهل هذه هي الترجمة الحقيقة للرؤى والخطط التنموية والاقتصادية التي وعدنا بها واستخدمت للترويج في الداخل والخارج لسياسات مستقبلية سترفع المملكة إلى مصاف الدول النامية ووضعت في سجل أشخاص بعينهم؟ والأهم كيف يمكن بعد كل ما جرى في العوامية الوثوق بحصول تنمية في هذه المنطقة أو في غيرها من مناطق "الشرقية" بل وفي باقي المناطق السعودية؟ وهل هذه هي المواطنة الحقيقة في المملكة؟
الواقع أن الحديث عن مستقبل زاهر ومشرق للمملكة السعودية ليس بالأمر السهل خاصة في ظل هذه العقلية التي تدار بها الأمور، وبعيدا عن الأخطاء الجمة التي ترتكب على صعيد السياسة الخارجية، فإن ما يجري في الداخل من أخطاء يوازي أضعافا مضاعفة تلك المرتكبة خارجيا ويرسم الكثير من علامات الاستفهام حول المواطنة في المملكة، لأن الموضوع لم يعد يقتصر فقط على حقوق بعض الشباب المتعلقة ببعض الحريات أو بسلب المرأة حقوقها الطبيعية وما كان يحكى عن قيادة السيارة والسفر من دون أحد محارمها وغيرها من المسائل، إنما اليوم بات الأمر يتعلق بردود الأفعال القاسية جدا التي تقابل بها السلطة مختلف القضايا والتي باتت تتعلق باستخدام القتل وسيلة سهلة للقضاء على أي صوت معارض أو منتقد للسياسات العامة واستهداف صريح للرموز والقيادات، ولدينا في هذه الفترة عدة شواهد على مانقول، ليس أولها الأحداث في العوامية وليس أخرها الأحكام القضائية القاسية التي وصلت العقوبة في كثير منها إلى الإعدام أو الحبس لسنوات طويلة.
انتهاك الحقوق ومخططات الإلغاء..
وكيف سنبرر للخارج صورة المملكة المتهالكة بخصوص حقوق الإنسان مع التهجير الجماعي للسكان من مناطقهم الأصلية إلى مناطق أخرى بحجة التنمية وإقامة مشاريع جديدة في المنطقة، والتنمية على الرغم من أهميتها ووجوبها على الدولة إلا أنها لا تتم بهذه الطريقة خاصة أن للناس حقوقا يجب أن تقدمها الدولة عندما تقرر مسح منطقة عن الخارطة واستبدالها بغيرها أيا كانت، وصحيح أن الدول الأخرى لم تحرك ساكنا مع كل ما جرى ويجري في العوامية إلا أن الناشطين والمنظمات الحقوقية المستقلة والحرة رفعوا الصوت وأقاموا العديد من النشاطات والفعاليات في عدة دول التي توثق ما جرى في العوامية وتوضح الأسباب الحقيقة له.
والأكيد أن ما جرى في العوامية يشير إلى وجود ثغرات كبيرة وكثيرة جدا في الحياة العامة في المملكة، سواء على صعيد العقلية التي تدار بها شؤون البلاد أو على مستوى الفكر الذي يقتنع به عامة الناس الذين تربوا على مبادئ معينة توجه البوصلة باتجاهات دون أخرى لتصوب على فئات وتصفها بأمور ليست حقيقية، ما يفتح الباب مجددا على أساليب ووسائل التربية للناشئة في المملكة سواء في البيوت أو المدارس أو حتى المساجد، بما يطرح مسألة إعادة النظر في المناهج التعليمية والكتب الدينية التي تدرّس في المدارس والمساجد وطريقة التحريض التي تلقن للإنسان منذ نعومة أظافره، ناهيك عن التوجيه الإعلامي منذ سنين طويلة باتجاهات معينة، وكل ذلك يؤكد أن المسألة ليست مجرد مسألة سياسية عابرة لها علاقة فقط برفع الصوت هنا أو المطالبة بحريات وحقوق هناك، إنما الأمر بات بشكل أكيد يدلل على وجود مخطط إلغائي لمكون أساسي في المملكة السعودية وفي كل منطقة الخليج، وهذا ما تؤكده الشواهد اليومية التي يمكن التقاطها بسهولة داخل المملكة أو خارجها في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي.
والآن بدأ الشارع السعودي عامة والقطيفي بشكل أدق يتساءل من التالي؟ أو بالأحرى من هي المنطقة التالية بعد حي المسورة وبعد العوامية التي سيتم استهدافها وأي حي سيتم هدمه على رؤوس ساكنيه؟ هل ستكون هي الأحياء التي خرجت منها التظاهرات ضد بعض ممارسات السلطة أم أن هناك مناطق جديدة تشكل مفاجأة للناس؟ وهل هدم المناطق الجديدة سيكون بإتباع نفس الأساليب وسنرى القوات الخاصة تعتدي على المساجد والحسينيات وترقص داخلها على شاكلة ما جرى في العوامية؟ أم أن الأمر سيقف عند هذا الحد من قبل السلطة للقول أنه يجب فهم الرسالة مما جرى؟ ولكن هل وصلت الرسائل فعلا مما جرى؟ وإلى أين يجب أن تصل هذه الرسائل ولمن يجب أن تصل؟ ومن الذي يجب أن يتمعن جيدا بما جرى: الناس أم السلطة؟ لأن للأمر تفاصيل أعمق وخلفيات أبعد من تلك التي يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام الناطقة باسم السلطة.
أضيف بتاريخ :2017/08/13