تقرير خاص: زيارة الملك إلى #موسكو.. تبدل استراتيجي أم واجب الضرورة؟
مالك ضاهر ..
بالتاريخية وصفت زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى العاصمة الروسية موسكو، واستثنائية كانت كل تفاصيل هذه الزيارة لا سيما من جهة الاستقبال الروسي والاهتمام الذي أحيط بها من قبل السعوديين والروس على حد سواء خاصة في الإعلام والسياسة، وصولا للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين.
ودلالات هذه الأهمية لم تنطلق من أن الملك سلمان هو أول ملك سعودي تحط طائرته على أراضي روسيا "الوريثة الشرعية" للاتحاد السوفيتي الذي عملت الأجهزة السعودي على محاربته عبر "المجاهدين العرب والأفغان" في أفغانستان بإيعاز أمريكي غير خفي على أحد، علما أن سلمان بن عبد العزيز الأمير النشط آنذاك لعب أدوارا هامة في جمع التبرعات لرفد الجبهات وإشعالها بوجه السوفيات، بل أن أهمية الزيارة تبرز في الكثير من الجوانب التي جرى بحثها فيها سواء خرجت إلى الإعلام أم لم تخرج.
خلفيات الزيارة.. وما يمكن تحقيقه
وحول هذه الزيارة تطرح الكثير من التساؤلات والتحليلات حول أسبابها وخلفياتها والأهداف المبتغاة منها سواء للمملكة السعودية أو لروسيا، وتتركز هذه الطروحات حول الخلفيات الحقيقية للزيارة وهل هي تتعلق فقط بالجوانب المعلنة من النفط والأمن والعلاقات الثنائية المرتبطة بشراء السلاح والتصنيع العسكري الروسي أم أن هناك خلفيات أبعد وأعمق منها ما يتعلق بمستقبل العلاقات السعودية الروسية ومستقبل منطقة الشرق الأوسط والعالم؟
حتى أن البعض راح يتكهن عن خطة أمريكية سعودية لـ"فك الارتباط" الروسي مع إيران وسوريا، واللافت الاهتمام البالغ من قبل الجانب الروسي بالزيارة وبحفاوة الضيافة والاستقبال ما يؤكد أن الروس أرادوا الإيحاء بتلقف الرسائل المعنوية للزيارة عبر حضور الملك شخصيا بعد سلسلة زيارات لمسؤولين سعوديين إلى روسيا ومن بينهم ولي العهد الحالي محمد بن سلمان، الذي طرحت بعض علامات الاستفهام عن تغيبه عن زيارة بهذا الحجم مع ما قد يكون لها من تأثيره على تثبيته كملك مستقبلي قد يعتلي سدة الحكم في المملكة في أي لحظة، فهو لديه فرصة أن يكون أحد "عرابي" العلاقات السعودية مع القطبين الأقوى في العالم أي الولايات المتحدة وروسيا.
وهنا تطرح الإشكالية الأصعب كيف يمكن التوفيق أن تكون حليفا لكل من واشنطن وموسكو على حد سواء، فتاريخيا لم يطرح أن تكون حليفا استراتيجيا للاثنين معا، مع إمكانية فتح علاقات مع الاثنين انطلاقا من المصالح المتبادلة للدول، إلا أن المملكة التي طالما كانت الحليف التاريخي والاستراتيجي لأمريكا في المنطقة هل يمكنها أن تكسر هذه القاعدة بفضل دهاء القيادة الحالية؟
الحاجة متبادلة.. ماذا عن الأمريكي؟!
بالسياق، اعتبرت بعض المصادر المطلعة أن "زيارة الملك السعودي إلى موسكو أكدت أنه أحد أبرز الأذكياء والمخططين في العائلة الحاكمة في المملكة"، ولفتت إلى أن "الملك يعمل على بناء دولة سعودية جديدة على أسس قوية وصلبة أكثر تطورا أساسها الانفتاح على الجميع وبناء أفضل العلاقات مع الدول الكبرى في العالم أمثال الولايات المتحدة وروسيا من دون صداقة طرف على حساب طرف أخر"، وأشارت إلى أن "روسيا تحتاج إلى السعودية لتحقيق كافة مصالحها في المنطقة والملك سلمان يدرك ذلك جيدا وسيحاول الاستفادة من هذا الأمر لتحقيق مصالح المملكة في المنطقة والعالم".
وأوضحت المصادر أن "المملكة تعمل على بناء ضمانات دولية أخرى غير العلاقة مع واشنطن كي لا تبقى الإدارة الأمريكية متحكمة بمصير ومستقبل المملكة رغم أن السعوديين لا يوحون بهذا الأمر للأمريكيين"، والحقيقة أن هذا الأمر إن صح فهو سيكون "ضربة معلم" للقيادة السعودية التي كانت تاريخيا ترتمي إلى أبعد حد في أحضان الإدارة الأمريكية، وبذلك تكون المملكة ترغب بفك الطوق الأمريكي عن رقبتها بنسج علاقاتها لتحصن نفسها من أي محاولات لاستهدافها.
هل تفرط روسيا بمكتسباتها؟
ولكن من يطلع على كيفية التصرف والأداء الروسي حاليا في المنطقة خاصة بعد ما سمي بـ"الربيع العربي" وما حصل في مصر وليبيا وصولا إلى العراق وسوريا، يدرك مدى ترجيح أن ترفض موسكو المساومة على مكتسباتها في المنطقة التي تحققت بفضل تدخلها المباشر إلى جانب حلفائها وبفضل تضحياتها وتضحيات الحلفاء مجتمعين، وروسيا ما كانت لتكون على ما هي عليه اليوم من القوة والحضور في المنطقة والعالم لو أخطأت ودخلت في بازار المزايدات وإتباع سياسة البيع والشراء في السياسة والعسكر، وهي بالتأكيد لن تذهب إلى هذا المذهب كي لا تخسر كما حصل تاريخيا في أكثر من بلد ومنطقة على امتداد العالم، فروسيا قيمتها أنها تترأس المحور الآخر ولن تكون لها هذه المكانة لو ارتمت بالحضن الأمريكي السعودي.
وروسيا هي من يسعى لجذب باقي دول العالم ومن ضمنها المملكة السعودية نحوها ولنسج علاقات معها، وهنا أوضحت بعض المصادر أن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قام شخصيا بزيارة الرياض بينما حكام الرياض حضروا إلى روسيا طالبين أفضل العلاقات وهذا يسجل للروسي على الأمريكي"، واعتبرت أن "المكاسب التي تحققت لروسيا في هذا الأمر كما في غيره هو أمر بديهي لأن الجميع يأتي إلى القوي وهذا نتيجة ما تحقق على الأرض من انتصارات في مختلف الميادين السياسية والعسكرية والدبلوماسية عبر حلف قوي يمتد من كوريا الشمالية إلى لبنان مرورا بالصين وإيران والعراق وسوريا بزعامة روسية وبقيادة الرئيس فلاديمير بوتين"، ورأت أن " المملكة السعودية تحاول بناء علاقات ندية مع روسيا والظهور بمظهر الدولة القوية التي تبني علاقات مع رأس الهرم في المحور الآخر إلا أن ذلك لا يعني أن الواقع هكذا"، وأوضحت أن "المملكة اليوم تحتاج إلى روسيا أكثر من حاجة موسكو لها وإن كان للرياض دورا في المنطقة وأي تسوية لا بد أن يكون للسعودية بصمة فيها نتيجة حضورها أيضا في مختلف الدول عبر حلفاءها وجماعاتها".
الأكيد أن ما يحكم العلاقة بين روسيا والمملكة السعودية هو لعبة المصالح المتبادلة التي لها الكثير من الجوانب حيث يحاول كل طرف أو سيحاول أخذ أعلى نسبة ممكنة، وهذا "الستاتيكو" سيبقى قائما حتى إشعار آخر، فلا السعودي يمكنه التخلي عن أمريكا ولو فكر بذلك فواشنطن لن تسمح له بذلك، ولا الروسي يمكنه التخلي عن حلفائه وعن مصالحه العليا والإستراتيجية، ولكن الأكيد أن كل طرف بحاجة للأخر في العديد من الملفات لا سيما في مجال النفط والاقتصاد والعمل لإيجاد حلول للإرهاب المتفلت على امتداد العالم والذي يتم كبح جماحه اليوم في منطقتنا عبر القوة المتمثلة بروسيا ومحور المقاومة، بالإضافة إلى إمكانية التوصل إلى حل أو تسوية للصراع العربي الإسرائيلي وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني والحفاظ على استقرار منطقة الخليج والمنطقة ككل عبر إيجاد مخارج للازمات في اليمن وسوريا وليبيا والعراق.
أضيف بتاريخ :2017/10/11