تقرير خاص: لماذا يهلل البعض لـ #ترامب.. إستراتيجيته تخدم إيران أم حلفاءه؟
مالك ضاهر ..
بعد جولة من التشويق والانتظار أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما اسماه "إستراتيجيته ضد إيران" وهو كلام ضمنه سلسلة مواقف تتعلق بالاتفاق النووي والإشارة إلى رغبة أمريكية بفرض عقوبات جديدة على البلد الذي يقلق واشنطن وحلفاءها في المنطقة.
ومحاولات ترامب المتكررة للغمز من قناة الاتفاق النووي والتلميح برغبة في تعديله أو إلغائه بالإرادة الأمريكية المنفردة، توجها بهذه الإستراتيجية التي تحدث فيها صراحة أن الإدارة الأمريكية الحالية غير راضية عن هذا الاتفاق وأن أولى خطواتها ستكون بفرض عقوبات شديدة على الحرس الثوري الإيراني، أحد الأذرع القوية لطهران في الداخل وفي المنطقة ككل، حيث لعب هذا التنظيم(بالإضافة إلى حلفاء إيران) أدوارا بارزة في تعطيل مفاعيل المشاريع الأمريكية بدءا من أفغانستان وصولا لبنان وغزة مرورا بسوريا والعراق.
رفض دولي.. وترحيب خليجي إسرائيلي
ورغم كل التصعيد الكلامي لترامب ومحاولات الاستفزاز للإيرانيين، خرجت العديد من المواقف الدولية الرافضة لإستراتيجيته، لا سيما من الأطراف الموقعة على الاتفاق بمن فيها روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا وأيضا الاتحاد الأوروبي ممثلا بمسؤولة السياسة الخارجية فيه فدريكا موغريني التي تحدثت بصراحة عن أنه لا يحق لأي دولة إنهاء اتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة دول(5+1)، وذكرت الرئيس الأمريكي أن الاتفاقية النووية ليست بين إيران والولايات المتحدة لكي يقوم بإلغائها بشكل منفرد، وأكدت "سنقاتل من أجل إبقاء الاتفاق النووي".
واللافت في المواقف التي خرجت سريعا للترحيب بكلام ترامب، هي المواقف الإسرائيلية والسعودية التي تطابقت إشادة وتنويها بالتهديد الأمريكي لإيران ووصفها أنها تهدد أمن المنطقة وتدعم الإرهاب، ففيما اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أن "ترامب أوجد فرصة لتعديل الاتفاق النووي والوقوف ضد العنف الإيراني ودعم الإرهاب"، أكد أن "إسرائيل تؤيد هذه الفرصة".
من جهتها، أفادت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن "المملكة تشيد برؤية ترامب في هذا الشأن والتزامه بالعمل مع حلفاء واشنطن في المنطقة لمواجهة التحديات المشتركة وعلى رأسها سياسات وتحركات إيران العدوانية في المنطقة"، وبهدف تأكيد الموقف السعودي الداعم والمؤيد أجرى الملك سلمان بن عبد العزيز اتصالا هاتفيا بترامب مشيدا "بالدور القيادي للإدارة الأمريكية الجديدة والتي تدرك حجم تلك التحديات والتهديدات"، ومؤكدا على "ضرورة تضافر الجهود واتخاذ مواقف حازمة تجاه الإرهاب والتطرف وراعيه الأول إيران"، وعلى نفس الدرب سارت دولة الإمارات ومملكة البحرين في التهليل والتأييد لكلام ترامب.
لمصلحة مَنْ السير على حافة الهاوية؟!
هذه المواقف الخليجية والإسرائيلية التي تسبح عكس التيار فيما يتعلق بأوضاع المنطقة والعالم بحثا عن مصالح سياسية خاصة وأن كان ذلك يؤدي إلى تدهور أوضاع المنطقة، دفع ببعض الجهات السياسية للقول إن "الذين أيدوا ترامب هم: إسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين أي تشكيلة الإخفاق الدولي وتشكيلة المستبدين التي تجتمع مع بعضها بينما وكل العالم على اختلاف تلاوينه وأفكاره لا يوافقهم"، وأضافت متسائلة "ألا يدل هذا على أنهم في الحضيض الثقافي والسياسي والأخلاقي في المشاريع التي يحملونها؟".
والواقع أن المواقف الإسرائيلية قد لا تدعو إلى التساؤل والريبة باعتبار أن هذا الكيان غريب عن المنطقة ولا يمكن له التأقلم أبدا مع مصالح دول وشعوب المنطقة الذين يعملون لسلامتها وأمنها، لكن لماذا على دول خليجية السير على حافة الهاوية بهذا الشكل؟ ولماذا على هذه الأنظمة الابتعاد إلى هذه الدرجة عن الاعتدال والتعقل وعدم ترك أي باب للحوار؟ وأيهما أفضل لهذه الأنظمة ولشعوبها لعب دور الإطفائي بين أبناء المنطقة الواحدة والدين الواحد والقيم المشتركة أم الارتماء الكامل بحضن ليس فقط الولايات المتحدة وإنما بحضن قلة قليلة من مجانين بلاد "العم سام" الذين يمثل ترامب أحد رؤوسهم الحامية؟
بيع مواقف للحلفاء.. وتماسك إيراني واضح
والحقيقة أن المدقق بمواقف ترامب يمكنه التساؤل عن الجديد الذي قدمه هذا الرئيس بخصوص السياسات الأمريكية ضد إيران، فهذا الرجل لم يقدم حتى الساعة سوى التصاريح النارية والخطابات المهيجة لمشاعر بعض حديثي العهد في السياسة، فالرجل شدد على ضرورة منع حصول إيران على السلاح النووي بينما إيران بقياداتها ومسؤوليها طالما أكدت قبل وبعد توقيع الاتفاق النووي أن لا رغبة لديها بالحصول على هذا السلاح وأن الطاقة النووية ستستخدم لأغراض سلمية ومدنية ولحاجات علمية، وهنا لا بد من التفكير مليا في إمكانية تقليد التجربة الإيرانية والاستفادة منها بدل تحريض الدول والإدارات الغربية على النيل منها.
وترامب الذي يبدو أنه يلعب دوره التمثيلي أمام حلفائه لا يتوقف عن وصف إيران بالإرهاب ودعمها للجماعات المتطرفة، وهذا الكلام الأمريكي ليس بجديد فإيران بعد ثورة الإمام الخميني في العام 1979 بنظر كل الإدارات الأمريكية هي بنفس الأوصاف التي أطلقها عليها اليوم نزيل البيت الأبيض وكذلك بالنسبة الحرس الثوري، كما أن الحديث الأمريكي عن العقوبات على إيران لم يتوقف حتى بعد توقيع الاتفاق النووي، فلماذا كل هذا التهليل لكلام ترامب؟ هل يدرك اليوم من يرحب ويهلل لا سيما من أنظمة الخليج أن ترامب جل ما يفعله اليوم هو "بيع المواقف" للحلفاء والرجل لا يستطيع تقديم أي شيء فعلي وعملي على ارض الواقع، والأكيد أنه لو كان قادرا على فعل أي شيء ضد أي دولة أو طرف لكان فعل وما كان بانتظار رفع الصوت والتحضير الدرامي والسينمائي لمؤتمراته الصحافية كي يخرج بإستراتيجية لا تضيف جديدا بل بالعكس البعض يعتبرها انتقاصا مما حققته الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة "الماكر" باراك أوباما، لأن إستراتيجية الأخير كانت محاولة ضرب إيران من الداخل بحروب ناعمة ومتنوعة ثقافية واجتماعية وفكرية بينما ما فعله ترامب هو نسف كل المخططات الأمريكية "الخبيثة" وتوحيد الإيرانيين خلف قيادتهم السياسية والدينية دفاعا عن ما يعتبرونه مكتسباتهم الوطنية بدءا من الطاقة النووية ووصولا إلى تسمية الخليج بـ"الفارسي".
أضيف بتاريخ :2017/10/16