تقرير خاص: قرار #الجامعة_العربية.. تأكيد على المأزق السعودي بالهروب من الواقع
مالك ضاهر ..
"لزوم ما لا يلزم"، هكذا يمكن وصف قرار اجتماع الجامعة العربية الذي عُقد في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية، لأنه موقف لن يقدم من الناحية العملية الكثير لا للعرب ولا للدول التي أصدرته وهو في نهاية المطاف سيكون أشبه بالقرار الشكلي ذات الصفة المعنوية لدعم المملكة السعودية في مآزقها المتراكمة من اليمن إلى بيروت مرورا بالساحات المختلفة التي تشهد على فشل الرؤى العسكرية والأمنية والسياسية للقيادة الجديدة في الرياض.
فقد اجتمع مجلس الوزراء الخارجية العرب في القاهرة بشكل استثنائي بدعوة من المملكة السعودية، في ظل غياب وزراء خارجية عدة دول، وخرج البيان الختامي مصوبا سهامه كما كان متوقعا، بشكل أساسي على إيران ومن ثم على حزب الله، حيث حملهما مسؤولية دعم اليمنيين لصد الحرب التي يشنها عليهم التحالف السعودي، واتهم إيران بدعم "منظمات إرهابية لزعزعة أمن واستقرار دول عربية عدة"، واصفا حزب الله بـ"الإرهابي" أيضا، ومحاولا "التلميح أن الحكومة اللبنانية شريكة بأعمال إرهابية".
القرار العربي والمفاعيل العملية..
وتبدو التساؤلات البديهية التي تطرح لما اجتمع المجلس الوزاري العربي وما الأسباب الحقيقية لهذا الاجتماع وهل سيوصل إلى نتيجة بمواجهة إيران أو حزب الله؟ وأي نتائج وتداعيات لهذا الاجتماع ولبيانه الختامي؟ هل من آثار عملية وفعلية على أرض الواقع لهما أم أن الأمر لن يتعدى القنبلة الصوتية الإعلامية التي لا تقدم ولا تؤخر بمواجهة الصليات الصاروخية لمحور المقاومة؟
الحقيقة إن الأوساط السياسية والإعلامية لم تتفاجأ كثيرا بما صدر أو بوتيرة اللهجة المستخدمة ضد إيران وحزب الله، فالحرب السعودية تجاههما بدأت منذ فترة ليست بقصيرة لا سيما مع فشل العديد من المخططات التي استخدمت بعد وضوح الرؤية أن ورقة "داعش" ستسقط في العراق وسوريا، ما دفع المشروع الأمريكي السعودي إلى استخدام العديد من وسائل الضغط التي ظهر فشلها سريعا، كما حصل عند استخدام ورقة استفتاء انفصال إقليم كردستان في شمال العراق، ومن ثم عدم جدوى ورقة الضغط على لبنان باستقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة، ناهيك عن فشل المخطط الإسرائيلي بجر قطاع غزة إلى مواجهة تنهي المصالحة الفلسطينية عبر استهداف نفق المقاومة في غزة، كل ذلك جعل صاحب القرار السعودي بحاجة إلى رفع الصوت لتحميل إيران وحزب الله مسؤولية الفشل في اليمن ومسؤولية تقديم الدعم لجماعة أنصار الله، من خلال القول إن الصاروخ الذي استهدف القاعدة العسكرية في مطار الملك خالد في الرياض هو صاروخ إيراني الصنع بينما التنفيذ كان لبنانيا.
قرارات خاطئة وفشل متراكم..
كل ذلك يؤكد أن الرياض تستجلب المزيد من الأعداء وتزيد من مشاريعها الفاشلة عبر الهروب إلى الأمام خوفا من الحقيقة الصعبة لكن الواضحة وضوح الشمس أن لا خبرة سياسية وعسكرية لدى من يصدر القرارات في المملكة، فالعمل لتنصيب إيران وحزب الله في مصاف الأعداء هو مسعى لن يؤدي بالمملكة إلى الفوز بحرب اليمن أو غيرها من الحروب، ربما أن المملكة نجحت جزئيا في جعل إيران عدوة لشريحة من المسلمين والعرب أقله شكليا في الجزيرة العربية وبعض البلدان والشعوب الفقيرة المغلوب على أمرها أو الأنظمة والأدوات التابعة والمرتزقة التي يهمها مصالحها الآنية والمادية وتسير مع من يدفع أكثر، إلا أن المملكة بذلك تلعب لعبة في غاية الخطورة لأن مواصلة الهروب إلى الأمام وعدم الاعتراف بالأخطاء سيؤدي إلى المزيد من الاشتعال في النيران الطائفية والمذهبية التي ستدفع المملكة ثمنا لذلك من أمنها واستقرارها في لحظة ما.
القرارات والتصرفات الرعناء للسلطة في المملكة ستجر المعركة إلى عقر دارها أكثر فأكثر، واليوم الوقائع تظهر أن المعركة باتت إلى حد كبير محصورة بالساحة اليمينية وبدل أن تفاوض الرياض على أوراق موجودة في بلدان أخرى بعيدة جغرافيا عنها، بات عليها نتيجة "السياسات الخاطئة والفوضوية" المفاوضة اليوم على ما يحصل على حدودها تماما وحتى داخل حدودها في جيزان وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها القوات اليمنية، فرغم كل العمليات العسكرية والعواصف التي أُعلن عن شنها ضد اليمن باتت المملكة السعودية بحاجة إلى حماية الجامعة العربية والأمم المتحدة ورفع الصوت ضد إيران وحزب الله لرمي مسؤولية الفشل في اليمن، وهذا كله علامات تسجل على النظام السعودي وعلى الرجل الحالم بالوصول إلى خلافة الملك الحالي، فمن يفشل كل هذا "الفشل النوعي" في مختلف الملفات لن تنفعه كثيرا الاعتقالات الداخلية للقول أنه يستحق الحصول على صفة "الملك" في هذه الدولة.
أما عن مفاعيل قرار الجامعة العربية، فلا يبدو أنه قادر على إحداث تغييرات في دنيا الواقع لا باتجاه إيران ولا باتجاه حزب الله، لأن إيران التي فاوضت العالم ولم تتراجع عن حقوقها في الملف النووي باعتراف الجميع لن يهزها اليوم قرار جامعة عربية تتحكم بها قرارات فردية، حتى لو حاولت الجامعة العربية الإيحاء أنها تستغيث بالأمم المتحدة، كما أن حزب الله الذي بات قوة تلعب أدوارا على مستوى الإقليم وتساهم في إفشال مخططات ورسم معادلات هنا وهناك، لن ينكفئ لمجرد اتهامه بالإرهاب من وزير خارجية البحرين مثلا، الذي يجب أن يعيد حسابات ومسيرة نظامه أخلاقيا وقانونيا قبل تصنيف غيره في الداخل والإقليم.
توقيت القرار.. والتقارب السعودي الإسرائيلي
وهذا القرار "العربي" لن يؤثر على حق لبنان الثابت في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي سواء في قرارات الأمم المتحدة أو في قرارات الجامعة العربية نفسها، واتهام حزب الله بالإرهاب هو خدمة مجانية تقدم للكيان الإسرائيلي أيا كانت دوافع البعض السياسية وسواء أدرك هذا البعض أم لا، وخير ما ورد في هذا المجال هو ما صدر ردا على بيان الجامعة العربية من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري حيث قال "شكرا وعذرا.. الشكر لله وعذرا أننا في لبنان قاتلنا إسرائيل".
كما أن تحميل الحزب ومن خلفه إيران مسؤولية ما يجري في اليمن هو محاولة لتغطية الفشل ومحاولة للتعمية عن كل ما يجري هناك، فهل إيران وحزب الله من طلب من المملكة شن الحرب والدخول في رهانات خاطئة؟ ولماذا الرد بصاروخ أزعج العرب بينما كل ماجرى منذ ما يقارب عن الـ2000 يوما لم يحرك الحمية العربية لإغاثة الأطفال والمدنيين في اليمن، واللافت أن هذه الجامعة كانت غائبة تماما عن كل ما تعرضت له البلدان العربية من الإرهاب التكفيري لا سيما في سوريا والعراق ولبنان.
لكن اللافت هو توقيت صدور القرار العربي بدفع سعودي، بالتزامن مع المؤشرات الميدانية التي تؤكد انتهاء "داعش" كدولة حاولت تفتيت الدول العربية وشرذمتها بدعم وتمويل واضحين وبتغذية فكرية وهابية لا جدال فيها، كما أن القرار جاء في وقت تزيد فيه تباشير التعاون السعودي الإسرائيلي وهنا يكفي لفهم كل ما يجري التذكير بما ورد على لسان وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشي يعالون الذي قال "ليس صدفة أن يقول وزير الخارجية السعودية عادل الجبير بالعربية ما نقوله نحن بالعبرية...".
رغم كل ذلك يجب على الرؤوس الحامية في المملكة السعودية التروي والاستماع إلى ما تبقى من أصوات حكيمة والعودة إلى الرشد السياسي والامتناع عن تأجيج الصراعات وسلوك مسالك الحوار لحل كل الخلافات السياسية في الداخل والإقليم لأنه هو السبيل الأنجع والأقل خسارة للجميع.
أضيف بتاريخ :2017/11/21