قمة #إسطنبول..ماذا يرتجى من تجمع غير موحد وقيادات غائبة؟
مالك ضاهر ..
انعقدت القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول بتركيا التي تترأس الدورة الحالية للمنظمة، للمناقشة في تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار مدينة القدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي والبحث بشكل موحد ومنسق في مواجهة هذا التصعيد الخطير.
والدعوة لهذه القمة الاستثنائية جاءت بعد أن عمت العالمين العربي والإسلامي لا سيما في الأراضي المحتلة التظاهرات المنددة بالقرار الأمريكي والمؤكدة على الموقف الرافض للمساس بمدينة القدس ليس فقط كعاصمة لفلسطين إنما كجوهر القضية الفلسطينية كلها، فالقدس لا تقاس بحجم المكان وبمدى الزمان فقط إنما ينظر إليها برمزيتها في وجدان الفلسطينيين أولا وفي الوجدان الإسلامي والمسيحي أيضا، والقمة الإسلامية عقدت بعد أيام على اجتماع عقدته جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، حيث خرج بمواقف أقل ما يُقال فيها أنها ضعيفة ولا تواكب دقة المرحلة وحساسية ما تتعرض له القدس اليوم من مخطط تآمري جديد قد يضاهي وعد بلفور الذي قدم فلسطين كهدية للصهاينة.
المواقف من مستوى المرحلة..
من هنا كانت القمة الإسلامية مطالبة باتخاذ مواقف على قدر المرحلة وبحجم ما تتعرض له القضية الفلسطينية والقدس من مخاطر الإنهاء والشطب والتهويد، فالقدس هي الخط الأخير في القضية وبسقوطها ستسقط كل المحرمات ولا يمكن توقع ما يجري بعدها من ممارسات أمريكية إسرائيلية بصمت وتواطئ عربي رسمي مريب لا سيما من بعض الأنظمة الخليجية، ولذلك تحتاج المرحلة اتخاذ مواقف يفهم من خلال من أصدر القرار ومن يقف خلفه، أي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته الحالية وكل الجهات التي تصنع أو تؤثر في القرار الأمريكي الرسمي وصولا لـ"إسرائيل" ومن يقف خلفهما من أنظمة الصمت والريبة العربية والإسلامية في الخليج وغيره إنه لا يمكن توقع ما سوف يجري مستقبلا بعد الإصرار على هذا القرار الأمريكي، وأن سقوط القدس يعني الدخول في نفق مظلم للكيان الإسرائيلي والمنطقة والعالم أيضا وأنهم سيعرفون كيف يدخلون إلى هذا النفق لكن لن يعرفوا بعد ذلك طبيعة ردات الفعل وحجم المخاطر التي ستصيب المصالح الإسرائيلية والأمريكية والعربية المتخاذلة لا سيما الخليجية منها على امتداد العالم وليس فقط داخل هذه الكيانات المتواجدة في المنطقة، وأن مصير بعض الأنظمة سيكون على المحك وأن مصير "إسرائيل" أيضا سينحو بهذا الاتجاه، وأنه لا يمكن الخروج من هذه المرحلة إلا بالتراجع عن القرار الأمريكي، أي أنه يجب رسم معادلات رادعة بوجه الإدارة الأمريكية وإسرائيل وكل نظام متواطئ يقف بصفهما أو يتآمر على القضية الفلسطينية.
وقد دانت القمة في بيانها الختامي الأربعاء القرار الأمريكي بحق القدس، وأكدت أنه غير قانوني، ودعت "دول العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين"، ودعت إلى "انسحاب أمريكا من عملية السلام"، ولفتت إلى أن "قرار ترامب هو إعلان بانسحاب واشنطن من دورها كراع للسلام وأنه خطوة أحادية الجانب ولاغية".
وشددت القمة في بيانها الختامي على أنه "في حال عدم تحرك مجلس الأمن الدولي بخصوص القدس فإننا مستعدون لطرح المسألة على الجمعية العامة للأمم المتحدة"، وطالبت "بضرورة العمل على إنهاء الاحتلال وتأمين الحماية الدولية للفلسطينيين".
ولكن قد تطرح التساؤلات حول قيمة هذه القرارات ومدى قوتها بالتزامن مع ما يجري على الأرض؟ وهل هذه المقررات تواكب الاعتداء الذي تتعرض له القدس والقضية الفلسطينية ككل؟ وهل القرارات كافية لردع الاحتلال الإسرائيلي ولدفع الرئيس الأمريكي للتراجع عن قراره؟
مواقف متقدمة.. ولكن؟!
المدقق في مقررات القمة يرى أنها تضمن العديد من الايجابيات وأنها تعتبر قرارات متقدمة نسبة للمواقف التي كانت تصدر عن الأنظمة الإسلامية والعربية سابقا والتي كانت تكتفي فقط بالشجب والإدانة والاستنكار دون تقديم أي خطوة عملية تخدم قضية القدس، أما اليوم فالبيان الختامي لقمة إسطنبول وحتى العديد من الكلمات التي ألقيت خلال القمة تجرأت على رفع الصوت بوجه "السيد الأمريكي" الذي بات مطالبا تحت ضغط المواقف الدولية الشاملة بضرورة مراجعة حساباته باعتباره راعيا للتسوية في منطقة الشرق الأوسط، لأن الأمريكي سيتحول إذا ما استمر على هذا النهج خصما للعديد من الأطراف التي ما تزال تتحاور معه اليوم، ولكن قد تصل الإدارة الأمريكية إلى مرحلة لا تجد أي جهة تتحاور معها لا سيما حول القضية الفلسطينية وبالتحديد بين الأطراف الفلسطينية نفسها، لأن ترامب أول من أحرج في هذا القرار هو راهن وما زال يراهن على مسار المفاوضات من الفلسطينيين والعرب.
إلا أن خطورة المرحلة وحساسية المسألة كانت تتطلب مواقف على قدر أكبر من التصعيد بوجه الأمريكيين والإسرائيليين خاصة أنه تحت لواء منظمة التعاون ينضوي 57 دولة ويملكون الكثير من أوراق الضغط والأسلحة المختلفة التي يمكن استخدامها بوجه الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي، وصحيح أن اعتبار قرار ترامب لاغيا وغير قانوني، وأن تحميل المسؤولية للإدارة الأمريكية عما سيجري لاحقا والتهديد بالذهاب إلى الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن وغيرها من القرارات هي قرارات ضرورية ومتقدمة، إلا أنه كان بالإمكان إصدار المزيد من القرارات الحاسمة سواء باتخاذ خطوات عملية بوقف التعاون والتنسيق والاتصالات مع الإدارة الأمريكية واستدعاء السفراء لإبلاغهم باحتجاجات رسمية حول القرار والمطالبة بسحب القرار الذي أصدره ترامب، واتخاذ خطوات اقتصادية للإضرار بمصالح واشنطن وتل أبيب بدءا من المقاطعة وصولا لاستخدام سلام النفط الخليجي، إمكانية التهديد بوقف وتجميد اتفاقيات السلام الموقعة مع إسرائيل من قبل بعض الأنظمة، وغيرها الكثير من الخطوات التي كانت ستؤثر أكثر مع ما اتخذ من المواقف.
واللافت هنا أن بعض قادة الدول التي يعتقد أنها أساسية في العالم الإسلامي تغيبوا عن القمة وفي مقدمتهم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود ما يشير إلى الموقف السعودي المريب حول القمة نفسها وما سيخرج عنها من مقررات، ما يثير علامات الاستفهام حول الموقف السعودي من قضية القدس، كما يسجل التعاطي الإعلامي السعودي غير المتحمس لمسألة القدس وقمة إسطنبول ما يظهر حقيقة الموقف السعودي الرسمي مما يجري.
بالإضافة إلى ذلك سجل غياب ملك البحرين عيسى بن حمد آل خليفة الذي أرسل قبل أيام وفدا إلى الأراضي المحتلة للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهذا يظهر موقف النظام البحريني من قضية القدس والذي يبدو أنه متماهيا مع المواقف الأمريكية والإسرائيلية والسعودية، وأيضا سجل غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكأن الرجل ينأى بنفسه عن المسألة على الرغم أن موقع مصر الجغرافي والسياسي يؤكد دورها الهام في القضية الفلسطينية ورعاية العلاقات بين الفلسطينيين أنفسهم، خاصة أن بين مصر و"إسرائيل" اتفاقية سلام، ما يفتح الباب أمام إعطاء تفسيرات معينة لغياب الرئيس المصري.
للبدء بالتنفيذ وعدم التراخي..
رغم كل ذلك فإن الايجابيات الموجودة في البيان الختامي في قمة إسطنبول لا بد من الاستثمار عليها ومواصلة تطويرها وتوسيعها والأهم العمل على تطبيقها ووضعها موضع التنفيذ الفوري وعدم التراجع أمام أي نوع من الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وأيضا عدم بروز مواقف تخاذلية من قبل الأنظمة التي تسعى لإبعاد القضية الفلسطينية عن التداول وكانت تعمل لإنهاء القضية الفلسطينية عبر مشاريع بديلة ومن بين هذه الأنظمة من هو موجود في الخليج ويريد خلق أعداء للأمة غير "إسرائيل".
أضيف بتاريخ :2017/12/14