تقرير خاص: الكلام عن حقوق الشيعة بـ #المملكة.. تضليل وخداع
مالك ضاهر ..
".. الشيعة في السعودية يتولون مناصب قيادية ويسهمون في نهضتها.. "، كلام أطلقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارته إلى مصر مفتتحا أولى جولاته الخارجية منذ تسلمه منصبه كولي للعهد في المملكة السعودية، وقد نفى محمد بن سلمان حدوث أي اضطهاد للشيعة في المملكة، الأمر الذي يراه البعض محاولة لذر الرماد في العيون لأن الوقائع الملموسة والحقائق المتواصلة منذ سنوات طويلة تؤكد عكس هذا الكلام وتدلل بما لا يقبل الشك أن مكونا بأكمله يحرم من أبسط حقوقه في المملكة السعودية على خلفية مذهبية وطائفية فقط.
وبالتزامن مع هذه الجولة الخارجية السياسية التي يقوم بها محمد بن سلمان لتحقيق مشاريعه الخاصة ويطلق فيها معلومات مغلوطة، استشهد أحد أبناء المنطقة الشرقية في المملكة، وهو الحاج علي جاسم محمد النزغة (61 عاما) من أهالي بلدة البحاري بمنطقة القطيف الذي كان معتقلا بسجن مباحث الدمام نتيجة الإهمال والتعذيب من قبل السلطات السعودية، ونقلت صحيفة "خبير" الالكترونية، معلومات أولية عن مصدر مطلع قوله إن "الشهيد النزغة كان يعاني من ورم في الرئتين وأنه ارتقى شهيدا السبت 10 مارس/آذار بسبب الإهمال"، وهذا أحد النماذج الحية على الانتهاكات الصارخة التي يتعرض لها أبناء المنطقة الشرقية والشيعة بشكل عام في المملكة.
شهادة الشهيد النزغة تفضح كلام محمد بن سلمان..
هذا التزامن اللافت بين حادثة استشهاد الشهيد النزغة وكلام محمد بن سلمان يفتح الباب على كثير من التساؤلات حول مدى صحة الادعاءات أن الشيعة في المملكة يحصلون على حقوقهم وأنهم لا يتعرضون للتنكيل والقمع وكمّ الأفواه والملاحقة على أساس ممارسة الشعائر الدينية أو المطالبة بالحقوق الطبيعية والحريات الأساسية، أليس ما جرى قبل فترة في منطقة العوامية وحي المسورة الذي سوي بالأرض كان سببه أن المتواجدين فيه هم من الشيعة؟ وأليس ما تتعرض له المنطقة الشرقية في المملكة منذ سنوات طويلة هو لنفس السبب وله خلفياته المذهبية والطائفية؟ علما أنه منذ وصول الملك سلمان إلى منصبه وبالتحديد أكثر منذ أن أصبح نجله محمد وليا للعهد زادت نسبة الانتهاكات بحق المنطقة الشرقية وبحق الشيعة في المملكة، وكيف يفسر لنا ولي العهد الأحكام الظالمة والمجحفة والقاسية التي تصدر بحق نشطاء المنطقة الشرقية وبحق من يتظاهر رفضا للقمع وللظلم الواقع ضدهم؟ ولماذا التشدد بهذه الطريقة مع أبناء المنطقة الشرقية ولماذا يحرمون من حقوقهم الأساسية؟
الأكيد أن هناك من أبناء الطائفة الشيعية من يحصل على مناصب رسمية في السلطة ولكن ذلك ليس لأنهم من الشيعة أو لأنهم من المواطنين الذي يتساوون مع غيرهم في الحقوق والواجبات، وإنما هؤلاء إما من المقربين من السلطة نفسها ويعملون لديها ويقدمون فروض الولاء والطاعة لأمراء العائلة السعودية وأما من المتعاونين مع الأجهزة الرسمية والأمنية بشكل كبير وينفذون ما يطلب منهم في هذا السياق، وأما أنهم من الذين يعزلون أنفسهم عن محيطهم الاجتماعي طمعا بمنصب أو مكسب فردي، وبالتالي هذه الحالات لا تعكس الواقع الحقيقي لأبناء المنطقة الشرقية بشكل عام الذين يلاحقون لأبسط الأسباب ويعتقلون من دون مبررات ويزج بهم بالسجون ويتعرضون لشتى أنواع التعذيب ويحكم عليهم بأحكام قاسية وبتهم معلبة وجاهزة "غب الطلب" من دون إتاحة الفرص الكافية للدفاع عن أنفسهم أو الحصول على محاكمات عادلة ونزيهة، والشواهد الواقعية أكثر من أن تعد وتحصى ولا يتسع المقام لتعدادها هنا.
الكيل بمكيالين في مختلف المجالات..
أما قول محمد بن سلمان إن "... المنتخب السعودي لكرة القدم الآن يلعب في محافظة شيعية ترفع العلم السعودي"،(في إشارة إلى مباراة المنتخبين السعودي والعراقي التي أقيمت في محافظة البصرة العراقية وخسر فيها المنتخب السعودي 1-4) فهذا ليس بالدليل على أنه يعطي الشيعة في المنطقة الشرقية حقوقهم، والناس أساسا لا يرفضون مشاركة منتخبهم وأنديتهم الرياضية بما يقومون به من نشاطات في الداخل والخارج، في حين أن السلطة حتى في المجال الرياضي تكيل بمكيالين ولا تساوي بين أندية المملكة من حيث الدعم والتقديمات اللوجستية والمادية بل تعمد على التفرقة فيما بينهم في الكثير من المجالات على أسس طائفية ومذهبية لإثارة الأحقاد والفتن.
ناهيك عن إصدار أحكام بالإعدام والسجن لمدد طويلة على خلفية ممارسة الشعائر الدينية لدى أتباع المذهب الشيعي سواء فيما يتعلق بالشعائر الحسينية أيام عاشوراء أم حتى فيما يتعلق بجمع أموال الخُمس وإرسالها إلى مكاتب المراجع الدينية، حيث تقوم السلطة باتهام من يقوم بذلك أنه يرتبط بجهات خارجية ويدعم منظمات إرهابية ويفتح قنوات مع دول أجنبية للإطاحة بالنظام السعودي وزعزعة الاستقرار والأمن الداخلي، وكلها من التهم التي ما عادت تنطلي على أحد ومن الأمور المكشوفة أمام الرأي العام الداخلي والدولي.
ارتفاع معدل الانتهاكات..
والجدير ذكره هنا هو ما نقله بعض وسائل الإعلام أن "جهاز المباحث العامة السعودي أقدم على سحب عينات دم من المحكوم عليهم بالإعدام في القضية المعروفة بخلية الكفاءات"، مع العلم أن السلطة في المملكة عادة ما تلجأ إلى هذا الإجراء عند قرب تنفيذ إعدامات جديدة بحق متهمين لديها، وبالسياق حذرت "منظمة العفو الدولية" من خطر الإعدام الذي يتربّص بـ12 متهما من "الخلية"، مؤكدة أنها "ستعمل على إثارة قضيتهم على طاولة مجلس حقوق الإنسان المنعقد في جنيف بهذه الأيام".
وفي سياق متصل، قال المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين والمنظمات غير الحكومية في حديث له على هامش دورة مجلس حقوق الإنسان إن "هناك مخاوف جدية تتعلق بكافة الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة السعودية"، ولفت إلى أن "المفوضية بدأت نقاشا صعبا مع السعودية منذ الأشهر الأولى لولايته حول كافة الانتهاكات وبينها المخاوف بشأن الإعدام والتعذيب وحقوق الأقليات".
وفي نفس الإطار، أعلنت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن "أول شهرين من العام 2018 تضمنا ارتفاعا مضاعفا عن المعدل الشهري للإعدام في السعودية"، وأوضحت أن "المملكة واحدة من 3 دول تمارس 87 % من مجموع الإعدامات التي تُنفذُ عالميا"، وأكدت أن "الأرقام تعكس الخلل في نظام العدالة في السعودية،والتعذيب والإكراه اللذين يتعرض لهما المتهمون لانتزاع اعترافات منهم، فضلا عن افتقاد المحاكمات لمعظم شروط العدالة".
هروب إلى الأمام..
ورغم كل هذا الكم من الانتهاكات في الداخل والخارج، يأتي كلام ولي العهد عن رغبته بمكافحة الإرهاب لنفهم بما لا يدع مجالا للشك أن خلفياته سياسية مصلحية بحتة فهو يحاول ربط الإرهاب بالدول التي يعاديها لا سيما إيران وتركيا، وهو قام بضمهما مع الجماعات المتطرفة بما أسماه "محور الشر"، ومحاولات محمد بن سلمان بربط الإرهاب بدول أخرى ما هي إلا محاولات فاشلة لإبعاد التهم التاريخية التي التصقت بالمملكة السعودية بأنها راعية الإرهاب ومصدره الفكري وممولته الأولى عبر العالم، ولذلك نرى القيادة السعودية تفتعل الأزمات مع بعض الدول كقطر وتركيا وإيران لاتهامها أنها هي التي تنشر وتدعم الإرهاب وتعمل على حصر الإرهاب بجماعات معينة ترتبط بهذه الدول وإبعاد التهم عن الوهابية التي تعتبر المنبع الفكري الأول لكل الجماعات المتطرفة في العالم، في محاولة مكشوفة لخداع الرأي العام.
أضيف بتاريخ :2018/03/12