تقرير خاص: تكريس ثقافة الصدمة.. والنتائج الكارثية المنتظرة!!
مالك ضاهر..
غريبة، مفاجئة، سريعة، متهورة، متسرعة، عشوائية، صادمة، غير مفهومة، غير واضحة الخلفيات، وغيرها من الأوصاف التي تطلق في كثير من الأحيان على الكثير من القرارات التي يصدرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في شتى المجالات والملفات التي يديرها وما أكثرها في السياسة السعودية الداخلية والخارجية.
والمتابع للحالات التي يصدر بها مثل هذه القرارات يرصد أن المجتمع السعودي بات يحضر نفسه كل فترة زمنية قصيرة إلى سلسلة من القرارات المفاجئة والغريبة في آن وكأن المطلوب تكريس سياسة الصدمات أو ثقافة القرارات الصادمة في المملكة السعودية، علما أن بعض القرارات المتخذة قد تصل في بعض الأحيان إلى حد قلب الطاولة رأس على عقب في الداخل والخارج.
من حافة الهاوية إلى الوقوع في المحظور..
وهذه النماذج من السياسات الخطرة التي يتبعها فئات من الحكام في بعض البلدان ومنها سياسات السير على حافة الهاوية، والبعض يحترف ويواظب على مثل هذه السياسات عبر رفع الأسقف وتضخيم المطالب والتهويل في مكان للحصول على ما يريد في أماكن أخرى، وخير مثال على هذا النموذج هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يمارس السياسة بعقلية تجارية ربحية واضحة، ولذلك نراه رغم كل الأوصاف بحقه على أنه مجنون ومعتوه ومختل عقليا وغيرها مما تكال له إعلاميا كل يوم تقريبا إلا أن الرجل لم يتجرأ في لحظة على تجاوز الحدود فعليا وعمليا خاصة في بعض القضايا الملتهبة والحساسة، وجلّ ما يفعله في أي ملف هو التهديد والوعيد وعند الحديث بجد يبحث عن الحلول الحوارية والتلاقي وما شاكل من أساليب غير مكلفة على الإدارة الأمريكية ولا تسجل خسائر لعهد ترامب في البيت الأبيض، اللهم باستثناء قراره الجائر بحق مدينة القدس باعتبارها عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وسببه دون أدنى شك هو تخاذل الأنظمة العربية والخليجية التي تنظر اليوم لحقوق الصهاينة بإقامة كيانهم.
وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، هناك نماذج أخرى من الشخصيات السياسية ممن قد تتأثر بنموذج ترامب وتحاول تقليده ورفع الأسقف والقيام تقريبا بكل ما يفعله ساكن البيت الأبيض من جنون إعلامي أو في تغريداته على موقع "تويتر"، سواء بالمباشر أو عبر وسطاء وإعلاميين مقربين أو مستشارين معنيين، ولكن الفارق بين هؤلاء وبين ترامب هو الوقوع بما لا يجرؤ ترامب نفسه على الوقوع به إلا وهو السقوط في الأخطاء والمآزق والمستنقعات السياسية العسكرية والاقتصادية وغيرها الكثير من المشاكل التي تجلب الأضرار دون أي منافع، ولعل أبرز مثال على هذا النموذج المفتون بسياسة ترامب أو "السياسة الترامبية" هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولا ندري أن كان الرجل كذلك بالفطرة أم أنه أُعجب بأسلوب ترامب وأراد اعتماده في حياته السياسية أو ما تبقى منها، مع العلم أنه يتوقع البقاء لعشرات القادمة كملك على عرش المملكة السعودية.
بين ترامب وابن سلمان.. النتائج تحكم!!
ولكن السؤال لماذا يُعجب ابن سلمان بهذه السياسة التي قد تكون متطابقة مع شخصية ترامب التاجر والخبير الاقتصادي ولا يمكن إسقاطها على شخصية أمير شاب سعودي لا خبرة لديه كثيرا في العمل السياسي الداخلي والخارجي؟ هل هناك من همس في أذني الرجل بضرورة اعتماد هذه السياسة؟ وهل المملكة السعودية بكل ما فيها من تفاصيل تحمل مثل هذه السياسة المتهورة إلى حد بعيد؟
الأجوبة عن هذه التساؤلات وغيرها مما يدور في نفس المجال لا تحتاج إلى كثير من التفكير والتمحيص، وأفضل الطرق لنعرف أنجع الأجوبة عليها هو النظر إلى الوقائع القائمة منذ تسلم ولي العهد السعودي الإمرة في البلاد، يمكننا عبر رصد النتائج التي تحققت أن ندرك مدى فشل هذه السياسة والأسلوب والنهج المعتمد، لأن الخسائر بكل معانيها حصدت للمملكة وقيادتها الحالية في أغلب الملفات -كي لا نقول في كل الملفات- منذ ما يزيد عن الـ3 سنوات وحتى اليوم، من الحرب على اليمن بحجة قيادة "التحالف العربي والإسلامي" وما جلبت هذه الحرب من خسائر مادية ومعنوية وأخلاقية على المملكة السعودية مرورا بالوهن الذي ظهرنا به وعدم قدرتنا على الحسم مع دولة جارة صغيرة اسمها قطر رغم أننا حشد الكثير من الطاقات والإمكانات إلا أننا فشلنا في تغيير أي شيء في دنيا الواقع.
تراكم الفشل.. بدل تراكم الانجازات
وانطلاقا من ذلك وصولا لمحاولة المملكة الوقوف بوجه إيران وقوتها التي تتعاظم كل يوم مقابل عجزنا وتراجعنا والاكتفاء بشتمها عبر بعض المحسوبين ووسائل الإعلام المأجورة، بالإضافة إلى ما سبق يجب تسجيل حالات من الفشل المتراكم في العراق وسوريا وحتى لبنان الذي لم نعرف أن نجبر رئيس الوزراء المحسوب علينا هناك أي سعد الدين رفيق الحريري على تقديم استقالته لتطيير الحكومة "نكاية" بحزب الله، وتصرفنا بأسوأ الطرق حتى جعلنا منه بطلا محليا وأثبتنا أن هذا الشخص المستجد نسبيا على السياسة تصرف بذكاء وأنه أكثر إدراكا بالواقع والظروف اللبنانية والعربية من المملكة السعودية التي توصف بأعظم الصفات من قبل المتزلفين والمتملقين و"كتبة البلاط"، والادعاء أنها دولة قادرة مقتدرة بينما الوقائع تقول غير ذلك وجل ما نسعى إليه هو تنظيم الرحلات الطويلة والمكلفة أيضا للسفر إلى عواصم الغرب لنطلب الدعم والغطاء والحماية في الداخل والخارج.
وهنا لن نعقب كثيرا على ما يجري في الداخل السعودي من ممارسات واعتقالات نفذت وتنفذ بحق المعارضين وكل من يشكل خطرا على ولي العهد من أمراء أو رجال أعمال أو رجال دين وإعلاميين، مع استمرار سياسة كم الأفواه والاعتقالات بحق نشطاء وشباب في مناطق محددة وكلها سياسات أثبتت فشلها وشوهت صورة المملكة وضربت كل الترويج الحاصل لمشاريع الانفتاح المزعوم والاستثمار المضخم في رؤى وخطط تعرضت لكثير من الانتقاد من قبل خبراء الاقتصاد.
كل ذلك يدعو للتنبه وإطلاق ناقوس الخطر من التمادي والاستمرار في هذه السياسات المتهورة التي ستضر الدولة والناس كما ستضر من يعتمدها ويراهن عليها، لذلك يجب أما تغيير الأساليب أو تغيير الرؤوس الحامية التي تنقل البلاد من حالة من بقاء النار تحت الرماد إلى مرحلة الانفجار والاشتعال، ويجب اعتماد سياسة أكثر روية وعقلانية مع كثير من الدرس والتمعن كي لا نقع في أزمات إضافية تراكم خسائرنا التي تسبب بها بعض المستجدين على الشأن العام وعلى السياسة.
أضيف بتاريخ :2018/04/08