تقرير خاص: الأنظمة الخليجية.. قواعد متقدمة لتنفيذ المشاريع المشبوهة
مالك ضاهر..
في ظل ما تتعرض له المنطقة من مؤامرات وضغوط غربية مختلفة وبقيادة أمريكية مباشرة وبشكل استفزازي، يطرح اليوم على بساط البحث مسألة التعاون العربي والإسلامي وبالتحديد الأنظمة في منطقة الخليج مع الغرب بشكل ومع المشاريع الأمريكية الإسرائيلية المتعددة في المنطقة للإطاحة بكل الأصوات المعارضة لهذه المشاريع والتي لا تزال تؤيد قضايا الأمة الأساسية وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
ومن المعلوم أن مسألة التعاون بين الأنظمة الخليجية والغرب وبالتحديد العمل لخدمة المشروع الأمريكي الصهيوني ليس بجديد وإنما هو قديم ويعود إلى ما قبل تاريخ تأسيس هذه الأنظمة أو الدول التي قامت أصلا بدعم وغطاء بريطاني أمريكي لم يتوقف منذ ذلك الحين سواء بشكل علني ومباشر أو بطرق وأساليب غير مباشرة، ما يعني أن الجهات نفسها التي أسست ودعمت ولا تزال تدعم الكيان الإسرائيلي هي نفسها التي تحكمت وقسمت المنطقة وأسست دول الخليج بحسب مصالحها ونصّبت شخصيات وعائلات محددة لتضمن استمرار تحكمها بكل التفاصيل وعدم فقدانها السيطرة والتحكم وتحقيق المصالح لعشرات السنوات القادمة، وهذا الأمر واضح اليوم عبر تحكم الغرب وبالتحديد واشنطن ولندن بعواصم خليجية بشكل مفضوح وتقديم الغطاء والدعم لها مع إيجاد المبررات القانونية اللازمة لذلك على صعيد القانون الدولي العام والعلاقات بين الدول.
علاقات قديمة وتنسيق مستمر..
وهذا الأمر كما ينطبق على أنظمة منطقة الخليج كان حتى العام 1979 ينطبق على إيران التي كانت تحكمها عائلة بهلوي، قبل أن يتم اقتلاعها بثورة شعبية إسلامية قادها الإمام الخميني ووضع حجر الزاوية للإطاحة بالمخطط الغربي الأمريكي لتدجين المنطقة وشعوبها خدمة لمصالح واشنطن والكيان الإسرائيلي وصولا لإنهاء أي شيء يعادي هذا الكيان وشطب فلسطين وقضيتها عن خارطة التاريخ والجغرافيا وفكر ووجدان الأمة.
والجميع يعلم باللقاء التاريخي الذي عقد في العام 1945 بين الملك السعودي عبد العزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن إحدى السفن الحربية الأمريكية، وهذا اللقاء بحسب كل التحليلات قد وضع الأسس لخارطة التحالفات في الشرق الأوسط وبالتحديد في الخليج ووضع أسس العلاقات التاريخية بين البلدين القائمة على مصالح وتعهدات متبادلة يقدمها كل طرف للأخر، وخلاصتها مستمرة حتى الغرب وأمريكا يقدمان الدعم والغطاء والحماية والمملكة السعودية وبقية الأنظمة الخليجية تعمل لخدمة المصالح والمخططات الأمريكية في المنطقة وفي طليعتها بالطبع وعلى رأس هذه المخططات تثبيت "إسرائيل" وحمايتها وعدم المساس بأمنها ومصالحها سواء تم ذلك مواربة أو بشكل فاضح وعلني.
كما أن بريطانيا كانت في مطلع القرن الماضي على دعم قيام الدولة السعودية وبسط سيطرتها على أجزاء واسعة في الجزيرة العربية والمساعدة لتقوية هذا الحكم مقابل الولاء من العائلة الحاكمة للتاج الملكي البريطاني، بالإضافة إلى إعطاء البريطاني الاستقلال لمحميات خليجية في فترات زمنية مختلفة أسست بها أنظمة عائلية تقر بالولاء مقابل الحماية والدعم والتعاون الكبير في مختلف المجالات على نفس القاعدة التي أسسها الملك عبد العزيز مع الأمريكيين.
مصالح واحدة.. وأساليب مفضوحة
ومع الوقت ترسخت هذه العلاقات أكثر فأكثر بين الأنظمة والحكام في الخليج والإدارات الغربية والأمريكية والإسرائيلية مع وجود تشارك كبير في الرؤى والمصالح والأصدقاء والأعداء، ومع وجود من يدير اللعبة الدولية والإقليمية بشكل متقن في غرف صناعة القرار الأمريكي والإسرائيلي باتت الأنظمة الخليجية هي منصات متقدمة مزروعة إلى جانب الكيان الإسرائيلي لخدمة المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وبالتالي حتى الساعة –باستثناء الإطاحة بنظام الشاه في إيران- يبدو أن الغربيين نجحوا في تنصيب الأدوات التي يحتاجونها في قلب وعلى رأس أنظمة ودول هامة في المنطقة والأمة تخدم مصالحهم من دون مقابل بل وتدفع لهم مقابل بقائها، وخلال السنوات الماضي تبرزت أكثر فأكثر هذه الأدوار خاصة مع تزايد الوعي الشعبي والاجتماعي في البلدان العربية والإسلامية ومنها الخليجية لتجد الشعوب نفسها محاصرة ومكبلة من أنظمة عميلة وتابعة لا تملك حرية قرارها وتعمل لصالح عواصم متعددة بينها واشنطن وتل أبيب.
ولذلك نجد منذ عشرات السنين أن القمع الذي يمارس ضد الشعوب في الخليج وغيرها من دول المنطقة يخدم نفس الهدف وهو عدم القدرة على تغيير هذه "الأنظمة-الأدوات"، ومن هنا لا تحرك الدول الغربية ساكنا حول كل ما يجري في دولنا من قمع يومي مستمر ويطال كل فئات الشعب، لأن فتح باب الديمقراطية يعني إمكانية الإطاحة بعملاء أمريكا وإسرائيل وبالتالي فتح الباب أمام الحديث عن شرعية وجود الكيان الإسرائيلي وحقوق الشعب الفلسطيني وتقصير الأنظمة القائمة في تأدية دورها بحماية فلسطين وشعبها وغيرها من شعوب والدول المنطقة التي تعرضت لاعتداءات إسرائيلية متواصلة من عشرات السنين وحتى اليوم.
الشواهد كثيرة..
واللافت هنا أن الأنظمة الخليجية تواصل فصول مسرحيتها على الرأي العام وشعوبها ولذلك نراها تعادي إيران وكل حركات المقاومة في المنطقة، وهذا ليس من باب الصدفة إنما في إطار نفس السيناريو القائم على اختراع كل أسباب حماية ودعم المشاريع الأمريكية، فمن غير الطبيعي أن تكون مثلا على علاقة طيبة بطهران أو حماس أو حزب الله وغيرها من الأطراف وتقدم في نفس الوقت كل الدعم لخدمة مصالح "إسرائيل"، واليوم يمكن رصد الكثير من المؤشرات الواضحة والمموهة حول استمرار الأنظمة الخليجية بخدمة المشاريع الأمريكية والصهيونية، ومنها:
-تمييع قضايا الأمة والابتعاد عن تظهير "إسرائيل" كعدو حقيقي بهدف تضييع الحقوق واخترع هموم جديدة للناس بما يخدم المشاريع الموضوعة سلفا من قبل الإدارة الأمريكية، واللافت هنا هو ما دار عن محاولة تغييب فلسطين عن القمة العربية المزمع عقدها في المملكة السعودية، ومحاولة أخذ الاجتماع لإعلان التقارب مع العدو الإسرائيلي والهرولة خلف تطبيع العلاقات معه على الرغم من كل ما يحصل في هذه الأيام في الأراضي المحتلة من اعتداءات متواصلة على الشعب الفلسطيني الذي يجدد إحياء قضيته عبر مسيرات العودة الكبرى لمواجهة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لكيان الاحتلال، ووجود محاولات للإعلام السعودي المحسوب على السلطة الدفع بهذا الاتجاه.
-الارتماء بحضن الغرب أكثر فأكثر وبهذا السياق تأتي زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة إلى 3 عواصم غربية(واشنطن، لندن وباريس) بهدف طلب الحماية والدعم وشراء السلاح، وتقديم المزيد من أوراق الاعتماد لصناع القرار هناك أنه على "العهد باق" يسير على خطى ملوك وأمراء العائلة بل وأكثر من ذلك حاضر لتقديم ما لم يجرؤ أحد على تقديمه من تنازلات من أسلافه السعوديين أو الخليجيين.
-زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأخيرة إلى واشنطن وطلب الدعم والتودد لها لمواجهة خصومه في الأزمة الخليجية والاستمرار في شراء السلاح منها، ما يؤكد أن الارتماء الخليجي بأحضان الغرب لا يقتصر على جهة دون أخرى.
-المواقف المتخاذلة من العدوان الثلاثي على سوريا، بدءا من استخدام قطر لاستهداف بلد عربي شقيق وصولا لموقف السعودية والبحرين المؤيد للعدوان.
-التورط الخليجي بما يسمى "صفقة القرن"، لا سيما بشكل مفضوح ومباشر من قبل بعض الشخصيات الإماراتية والسعودية ودفع بعض الجهات العربية للسير بهذا الاتجاه سواء عبر الإيعاز بفتح معبر رفح لتنفيس الغضب الشعبي في قطاع غزة وصولا بالضغط على محمود عباس للقبول بعاصمة بديلة لفلسطين غير القدس، مرورا بضرب المصالحة الفلسطينية خدمة لـ"إسرائيل"، وكل ذلك تبدو واضحة فيه بصمات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زاد وفريق عمله في الداخل والخارج الفلسطيني.
-العلاقات الخليجية الإسرائيلية القائمة فوق الطاولة وتحتها وفتح مكاتب اقتصادية وأمنية للإسرائيليين في أكثر من عاصمة ومدينة خليجية، والزيارات المتبادلة بين وفود ومسؤولين إسرائيليين وخليجيين، ناهيك عن فتح المجال الجوي السعودي أمام الطائرات المتوجهة إلى فلسطين المحتلة وغيرها من الخطوات التي تؤكد وجود علاقات متنوعة بين الخليجيين والإسرائيليين.
أضيف بتاريخ :2018/04/15