تقرير خاص: صفقة القرن وبيع #القدس.. الدور السعودي وطموحات ولي العهد
مالك ضاهر..
تزداد يوما بعد يوم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية فيما يتعلق بتنفيذ صفقة القرن التي يضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نار حامية ويسعى لتطبيقها بأسرع وقت ممكن ضاربا بعرض الحائط كل الأسس التاريخية والقانونية لقضية فلسطين ومظلومية شعبها الذي قدم التضحيات الكبيرة على مدى عشرات السنين، وصفقة القرن هذه تعتبر بمثابة "وعد بلفور" جديد تهدف للإجهاز على القضية الفلسطينية.
وترامب المبادر إلى تنفيذ الصفقة يراهن على عدة عوامل وأسس تمكنه من تمريرها، ومن ضمن هذه الأسس هي موافقة النظام الرسمي العربي وبالتحديد أنظمة الخليج وعلى رأسها النظام السعودي، ورغبة هذه الأنظمة بتطبيق بنود هذه الصفقة وهي تعمل بشكل جدي لتنفيذها وفرضها مع كل ما يستوجبه ذلك من تحضيرات وتغييرات وما يؤدي إليه من نتائج على صعيد المنطقة ككل وليس فقط أرض فلسطين، والمسألة لم تعد تقتصر على مواقف تطلق من هنا أو من هناك من قبل هذا المسؤول السعودي أو الأدوات الإعلامية والسياسية التي تنفذ أجندات مطلوبة منها.
أضلاع ثلاثة.. وظروف متعددة
وبحسب متابعين للشأن الإقليمي فإن صفقة تقوم على ثلاثة أضلاع هم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكل اسم من هؤلاء لديه دوافعه السياسية والشخصية للخوض في صفقة القرن المشؤومة وتحقيق أهدافه، ناهيك عن وجود ظروف عديدة لها علاقة بالوضع الإقليمي ككل مع تمدد وازدياد قوة المحور الآخر الذي يضم دول وفصائل محور المقاومة، ما يعني أن في المنطقة اليوم هناك انقسام عامودي، حيث يوجد محور المقاومة الذي يرفض المساس بالقضية والحقوق الفلسطينية وفي جوهرها القدس والحقوق المختلفة وعلى رأسها حق العودة، بينما هناك محور آخر معادي لفلسطين يضم بالتأكيد وبشكل بديهي أمريكا و(إسرائيل)، كما يضم أيضا العديد من الدول العربية وفي مقدمتها المملكة السعودية التي يقودها واقعا في هذا الأمر وغيره محمد بن سلمان.
وبالعودة إلى الحديث عن دوافع ابن سلمان، فالرجل لديه "مشروع سياسي" عبارة عن رغبة شخصية للجلوس على كرسي الملك في المملكة السعودية لعشرات السنوات المقبلة، وقد أعلن عن ذلك صراحة ودون مواربة، وهو بالتأكيد وضع المخطط والسبيل الذي سيسلكه للوصول إلى هدفه، ويبدو أن الأسلوب الناجح برأيه لتحقيق ذلك هو وضع كل ما لديه في السلة الأمريكية الإسرائيلية مع ما يستوجبه ذلك بأن يكون ضلعا أساسيا في صفقة القرن التي تهدف إلى إنهاء الصراع مع العدو الأساسي للأمة وإنهاء شيء اسمه فلسطين عن الخارطة والقيام بتغييرات سياسية وجغرافية بموجبها يتم شطب القدس والحقوق الفلسطينية إلى الأبد، بالإضافة إلى ذلك يتوجب على ابن سلمان مواصلة دفع الضريبة والجزية الأمريكية التي قد تأخذ في لحظة ما شكل دفع بعض أو كل تكاليف "صفقة القرن".
أهداف ابن سلمان.. وحقائق الواقع
والأكيد أن ابن سلمان لا يقدم كل ذلك مجانا وكرمى لعيون نتانياهو وترامب وصهره جيراد كوشنر، إنما هناك صفقة ترتب التزامات متبادلة بين عدة أطراف، فالجانب الإسرائيلي يريد إنهاء الصراع معه من قبل العرب بحجة فلسطين وهذا الهدف يريده أيضا الأمريكي، والطرفان يريدان تحقيق المصالح الاقتصادية في "الجنة السعودية" التي يقدمها لهما ابن سلمان، سواء عبر الاستثمارات والصفقات التي عقدها مع الأمريكيين أو عبر استثمارات تعقد لاحقا في داخل المملكة من قبل الشركات الأمريكية والإسرائيلية تحت عناوين مختلفة وكتأكيد على تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض، والمشاريع التي قدمها ابن سلمان تسهل وتساهم في تكريس التطبيع في مختلف المجالات، ومنها مشاريعه المطروحة في رؤية 2030 ونيوم وبيع أملاك أو أسهم شركة "أرامكو" وغيرها، بالإضافة إلى مشروعه للانفتاح وإدخال الحرية الثقافية وإقامة الحفلات ودور المسرح والسينما إلى المملكة مما سيستخدم كوسائل ناعمة لترسيخ العلاقات الإسرائيلية السعودية والاستفادة من عطش فئة من السعوديين لهذه الحرية المزيفة وكرههم للممارسات الضاغطة تاريخيا من قبل المؤسسة الدينية السعودية، والاستفادة أيضا من سعي البعض للاستثمارات لا سيما من قبل الأمراء ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال.
هذه الأمور التي يظن ترامب ومن معه من أضلاع الصفقة أنها تسير كما يخطط لها وكما يريدون، خاصة بعد تمرير قرار اعتبار القدس عاصمة لكيان الاحتلال ومن ثم قرار نقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المحتلة، والصمت العربي المريع حول ذلك وعدم التحرك العملي ضد جرائم التصفية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين على حدود قطاع غزة، كل ذلك لا يمنع وجود حقائق أكيدة غير ملحوظة من قبل من يعتقد بقرب إنهاء القضية المركزية للأمة، ومن أبرز هذه الحقائق أن أضلاع الصفقة أي "ترامب-نتانياهو-ابن سلمان" لا يعيشون أفضل أيامهم في داخل دولهم وإنما هناك الكثير من الصعوبات التي يحتاجون إلى إنهائها قبل الوصول للأهداف التي يخططون لها، وكما وصف بعض المتابعين للشأن الإقليمي "هؤلاء يعانون بل هم مهزوزون داخليا" وبالتالي لا يمكن الرهان لإحداث تغييرات كبيرة في المنطقة على شخصيات كهذه، لأن ذلك نتائجه غير مضمونة ولا ندري بأي لحظة حصول تغييرات تطيح بمن هم في مركز صنع القرار في الجهات الثلاث.
ومن أهم الحقائق الموجودة أن الفلسطينيين أنفسهم أكدوا أكثر من مرة سواء صراحة أو ضمنا لأسباب شتى لها علاقة بالواقع والظروف الفلسطينية، أنهم لا يوافقون على صفقة القرن ويرفضون المتاجرة بها من أي كان، لأن لا أحد يملك قرار فلسطين والقدس إلا أهلها وشعبها وقياداتهم، وهنا الأكيد أنه لا يمكن القبول بموافقة أو الحصول على توقيع قيادي فلسطيني من هنا أو حركة أو تيار من هناك للقول إن الفلسطينيين هم من تخلى عن القضية، وإنما مثل هذا القرار يحتاج إلى إجماع فلسطيني أو بالحد الأدنى موافقة غالبية عظمى من شرائح الشعب والفصائل الإسلامية والوطنية التي تمثله.
أضيف بتاريخ :2018/05/18