تقرير خاص: #المملكة تعرقل الحكومة في #لبنان.. الآفاق مسدودة والتواضع الخيار الأنسب
مالك ضاهر ..
تواصل المملكة السعودية محاولات تمددها وسيطرتها في مختلف الساحات لا سيما في بعض الدول بالإقليم، ومن هذه الدول لبنان حيث نشهد تدخلا سعوديا مستمرا هناك يتجلى اليوم بعملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة التي كلف بتأليفها سعد الدين رفيق الحريري الذي تربطه بالمملكة علاقة لها طابعها الخاص منذ أيام والده، ولكن اليوم تحكمها ظروف أكثر خصوصية في ظل حكم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ومنذ تكليف الحريري مهمة تشكيل الحكومة العتيدة والرجل عمل على استشراف ما تريده المملكة السعودية منها وأي صورة تريد لها وأي خارطة طريق لتوزيع الحصص على الأفرقاء، فطار الحريري في نهاية شهر رمضان المبارك إلى الرياض متذرعا بقضاء عطلة الفطر مع عائلته ومنها بالطبع للاطلاع على المهام المطلوب منه سعوديا أو بالحد الأدنى الاستئناس بآراء القيادة الحاكمة، خاصة أن الحريري بات يدرك حجم المخاطر التي تنتظره فيما لو قام بأي خطوة ناقصة في مجال العلاقة مع المملكة أو فيما لو اتخذ قرارات لا تروق لابن سلمان، فالأخير لم يتورع عن احتجازه سابقا بعد استدعائه إلى الرياض وإجباره على تقديم استقالته بظروف غامضة دفعت إلى تحرك لبناني ودولي وبالتحديد فرنسي حتى تمكن الرئيس إيمانويل ماكرون من التوصل لإخلاء سبيل رئيس حكومة لبنان المحتجز.
خلفيات المملكة في المماطلة.. واستقبال جعجع وجنبلاط
وأشارت العديد من المصادر المتقاطعة إلى أن الحريري لم يتمكن من لقاء أي مسؤول سعودي خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة، علما أن الأمر كان ضروريا ومستعجلا وعلى الرغم أن المسؤولين السعوديين استدعوا واستقبلوا العديد من القيادات اللبنانية بينهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، خاصة أن مثل هذه اللقاءات في هذا التوقيت بالذات هدفها الأساس البحث في الملف الحكومي وما ستقوم به لاحقا وأي دور سيناط ببعض الأفرقاء بمواجهة البعض أو ما يسمى "العهد" الذي يترأسه الرئيس ميشال عون.
ومن هنا بدأت تطرح تساؤلات، لماذا يتم توجيه دعوات لقيادات لبنانية واستقبالهم في المملكة على عجل لبحث ملف الحكومة بينما الحريري المعني الأول بهذا الملف يتم تحييده ولا يحدد موعد له للقاء ولي العهد السعودي على الرغم من سعيه لذلك؟ هذا الأمر رسم لدى العديد من الأطراف بمن فيهم فريق سعد الحريري علامات استفهام وبدأت التحليلات توضع لخلفيات التصرف السعودي، هل هو نمط جديد من التعاطي مع الحريري أم أنه أسلوب مقصود للإيقاع به من جديد أم أنه طريقة لاختبار نواياه وطريقة تصرفه؟ خاصة بعد استبعاده العديد من الوجوه من فريق عمله المقرب والإيحاء بحصول تغييرات خاصة بعد نتائج الانتخابات النيابية التي خسر فيها "تيار المستقبل" العديد من المقاعد في العديد من المناطق.
والحريري قبل سفره إلى المملكة عشية عيد الفطر أكد أن المحركات تعمل بقوة على خط التأليف وأن لا تضييع للوقت وإنما المطلوب السرعة لا التسرع لولادة الحكومة، وقد سافر الحريري لمشاهدة مباراة افتتاح مونديال 2018 التي جمعت في موسكو المملكة السعودية وروسيا، ومن ثم طار إلى المملكة بنفس الطائرة مع ولي العهد السعودي، وبالتالي كان يجدر به(لو أتيحت له الظروف والفرصة) مفاتحة ابن سلمان بموضوع ملف الحكومة بالجو قبل استكماله على الأرض بعد وصولهما وقبيل عودته إلى لبنان، فهل يعقل استقبال قيادات لبنانية والامتناع و"التطنيش" عن اللقاء بالحريري.
عقد بالجملة.. والتسوية الرئاسية قائمة!!
كل ذلك جعل الحريري يقرأ الرسالة بشكل صحيح ولم يطل الغياب في المملكة ليعود إلى لبنان ويتحدث عن "توربو" في عملية التأليف من دون أن يتمكن حتى الساعة من إنهاء العُقد التي كانت قائمة قبل سفره إلى المملكة، والتي تنحصر بشكل كبير بعقدة تمثيل الدروز وأن تكون محصورة حصرا بكتلة "اللقاء الديمقراطي" التابعة لوليد جنبلاط، بالإضافة إلى عقدة تمثيل "القوات اللبنانية" التي تريد التمثيل بحصة من 4 إلى 5 وزراء في حكومة ثلاثينية مع الحصول على حقيبة سيادية(الدفاع أو المالية أو الداخلية أو الخارجية) بالإضافة إلى منصب نائب رئيس الحكومة، ناهيك عن عقد أخرى كتمثيل السنة من خارج حصة "تيار المستقبل"، وبعد طول تفكير وبحث وتحليل قرر الحريري التحرك من جديد بغية إخراج نفسه من مأزق عدم التأليف من جهة ومن الموقف المحرج أمام المملكة السعودية التي لم تفصح له عما تريد، فهو عليه أن يضع نفسه مكان محمد بن سلمان ليحاول أن يعرف بماذا يفكر وماذا يريد.
فالمناورة الحريرية التي تمت حتى الساعة كانت بهدف كسب الوقت للاطلاع على الموقف السعودي مما يجري وخاصة بعد زيارة جنبلاط وجعجع إلى المملكة، فالقيادة السعودية أجلت التأليف وماطلت من دون أن تقوم بأي خطوة باتجاه الحريري، واكتفت بالصمت السلبي النابع من هدف واضح هو إرباك عملية التأليف لأنها تدرك أن الحريري سيحاول التأجيل قدر الإمكان قبل المبادرة، فعمل الرجل على تسريب معلومات عن أنه يريد عرض حكومة مؤلفة من 24 وزير على الرئيس عون، في محاولة لجس نبض القوى السياسية المختلفة، ولكن بعد تيقنه من رفض هذا الطرح ذهب إلى القصر الرئاسي في بعبدا للقاء عون والتأكيد أن الحكومة ستكون ثلاثينية والتشديد على التفاهم والتعاون القائم مع الرئيس عون، والأهم من كل ذلك تأكيد أن التسوية الرئاسية في لبنان ما تزال قائمة، أي أن التسوية التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة وأوصلت عون إلى رئاسة الجمهورية موجودة وبالتالي نتائجها وتداعيات سارية المفعول.
نظرية الحريري.. بانتظار كلمة السر السعودية؟!
وعندما نتحدث عن التسوية الرئاسية في لبنان، لا بد من التذكير أن الرئيس عون كان مرشح حزب الله للرئاسة وهذه التسوية ما كانت لتنجح لولا قبول الحزب بوصول سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، وهي كانت أساس المشكلة التي وقعت بين ابن سلمان والحريري الذي اتهم سعوديا أنه يساير حزب الله وفريقه، وأن الحريري ينفذ سياسات الحزب في لبنان ويرضخ لشروطه ما دفع ابن سلمان ودفعه لاحتجاز الحريري قبل أن يعود يفرج عنه من دون التأكد من اقتناعه بنظرية الحريري "التسوية" وأن لبنان لا يمكن أن يحكم بشكل منفرد وأن التوافق والمشاركة ضرورة للنجاح هناك.
ولكن حتى الساعة لم يظهر أن المملكة السعودية أفرجت عن الضوء الأخضر للسماح والإيذان بتشكيل الحكومة التي يرأسها الحريري، والرياض لم ترسل حتى الساعة "كلمة السر" للحريري ولم تدفع بالحلفاء للتخلي عن المطالب التي يتمسكون بها، وبهذا السياق، ترى بعض المصادر اللبنانية إلى أن "السعودية تريد من هذا الأمر إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد، فمحمد بن سلمان يريد أن يقلم أظافر سعد الحريري الذي استطاع الإفلات من حجزه الإجباري بمعونة فرنسية وتضامن لبناني باستثناء بعض الأطراف من ضمنهم سمير جعجع"، وتابعت أن "السعودية تريد تقوية جعجع وغيره على حساب الحريري وهي تريد إضعاف الأخير لا من باب المصلحة السياسية بقدر ما هو من باب الانتقام والحقد الذي يكنه له ولي العهد السعودي".
ولفتت المصادر إلى أن "الأهم مما سبق ذكره أن المملكة عادت للرهان على المجريات الإقليمية والدولية وعادت لربط الملفات والساحات ببعضها البعض على الرغم من أن هذه الإستراتيجية أثبتت فشلها خاصة مع انهزام المشروع السعودي في مختلف الساحات"، وأشارت إلى أن "المملكة تراهن اليوم على تقدم ما في الملف اليمني على خلفية العملية العسكرية في الحديدة أو عبر حصول أمر ما في صفقة القرن، وهي تعتقد أن كل ذلك قد ينفعها ويرفع من أسهمها في لبنان"، وأكدت أن "الملف اللبناني لا يمكن أن يدار بالعقلية الانتقامية والكيدية التي يعتمدها ابن سلمان في الداخل السعودي"، وأوضحت أن "هذا الأسلوب سيؤدي إلى المزيد من الخسائر للمملكة ويجب على ابن سلمان التواضع والإدراك أن أسلوب الحريري هو الأنجح في الداخل اللبناني سواء كان راضيا بذلك أو مجبرا"، وتابعت "الحريري يعرف أن الأفضل القبول طواعية على التسوية قبل الموافقة رغما عنه سياسيا أو قبل إخراجه من السلطة كما حصل سابقا معه".
أضيف بتاريخ :2018/06/30