تقرير خاص - #داوود_المرهون وإعدام الأحداث: القتل المجاني في المملكة
"من وسط الشارع تم جر داوود للمرة الأولى للاعتقال في منتصف مايو عام 2012م، بدون مقدمات أو تهمة اقترفها أُرسل إلى مركز شرطة العوامية، وهناك مارسوا بحقه الترهيب والتعذيب النفسي والجسدي، قبل أن يُخلى سبيله شرط أن يقوم بالتجسس على نشطاء الحراك المطلبي في المنطقة"، من هنا بدأت معاناة داوود المرهون، الذي لم يكن عمره يتجاوز 17 عاماً.
"داوود حسين المرهون" الفتى الذي يترقب تنفيذ حكم بالإعدام بحقه، على خلفية سلة تهم انتزعت منه تحت التعذيب. ابن بلدة العوامية في القطيف هو الولد البكر والوحيد لعائلة مؤلفة من أم وأب وأخته، وهو من الشبان الذين قررت لهم السلطة أن ينزعوا بدلات الدراسة ليلبسوا بدلات الاعدام.
لا تحدث أم داوود إلا عن ولدها المسالم المولع بحب الاستكشاف، المتفوق في دراسته، "كان يواصل دراسته من داخل معتقل دار الاجتماعية، تخرج من الثانوية وتم تكريمه من ضمن المتفوقين في مدرسة الأمير محمد بن جلوي"... داوود معروفٌ بروحه المرحة ومحبته للجميع وبشغفه بالرياضة تحديداً بكرة القدم، وبكاتبة الأشعار والخواطر".
الاعتقال مجدداً
بعد الإفراج عنه عام 2012، لم يكن داوود المرهون متجاوباً لناحية تقديم المعلومات عن نشطاء الحراك. عاودت القوات الأمنية اعتقاله بعد أسبوع من مستشفى الدمام المركزي عند الساعة 3:00 فجراً، في الوقت الذي كانت تتم إجراءات نقله إلى مستشفى العيون التخصصي بالظهران لإجراء عملية في عينه بعد تعرضه لحادث مروري.
جرى نقل داوود إلى مستشفى قوى الأمن العسكري. في اليوم الأول خضع للتحقيق والتعذيب لمدة 18 ساعة، من السادسة ليلاً حتى 12 ظهراً من اليوم التالي.وبعدها أودع سجن (دار الاجتماعية بالدمام) المخصص بالأحداث، وذلك قبل أن يكتمل علاجه في ظل استمرار معاناته مع آلام في عينه. تقول والدته إنه "بقي في زنزانة الإنفرادي أسبوعين وبعدها حددوا لنا موعداً لزيارته".
في الزيارة الأولى بدت آثار التعذيب والإصابة في عينه التي لم يكن عولج منها بعد، لكنه لم يكن يخبر أهله بشيء، "لكن آثار التعذيب كانت واضحة عليه" وفق ما تنقل والدته التي كانت تتلمس آثار التعذيب الواضحة على جسد ابنها.
في إحدى تقاريرها، وثّقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان التعذيب الذي تعرض له داوود المرهون في دار الاجتماعية: ضرب مبرح بالأيدي والأرجل وباستخدام (العقال)، الإجبار على الاستلقاء على بطنه ثم الدوس عليه من قبل المُعذِبين، وإجباره على الاستدارة بوجهه ناحية الجدار وضربه مع تركيز الضرب على إصابة في رجله حدثت له جراء قيام قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي على متظاهرين في 14 يناير 2012.
إلى جانب الضرب المستمر كان يتعرض لسب وشتم ويسمع الألفاظ الجارحة التي تمس معتقده الديني، وطالت الألفاظ الخادشة للحياء والدته، ليتم مضاعفة التعذيب الجسدي إذا استنكر أياً من هذه الألفاظ المهينة، بحسب تقرير المنظمة.
استمر اعتقال داوود في الدار الاجتماعية لمدة عام و٥ أشهر، نُقل بعدها إلى المباحث العامة بالدمام في 11 سبتمبر 2013م ، وتم احتجازه أيضا مرة أخرى في زنزانة انفرادية لمدة شهر، صاحبها التحقيق والتعذيب معاً. تعرض داوود المرهون للصعق الكهربائي في مختلف أجزاء جسده، وتم تعليقه من رجله ورأسه للأسفل، وربطه في كرسي وممارسة مختلف أنواع الضرب عليه، إضافة لتوجيه الألفاظ المهينة، وأدت هذه الممارسات إلى تدهور وضعه الصحي.
تجاوزات وتهم تحت التعذيب
أولى جلسات محاكمته، انعقدت بعد أكثر من 20 شهراً من تاريخ اعتقاله تحديداً بتاريخ 29 يناير 2014، وهنا كانت المخالفة الصريحة لنظام الإجراءات الجزائية الذي ينص على أن لا تتجاوز المحاكمة مدة أقصاها 6 أشهر من تاريخ الإيقاف!
ووجه الإدعاء العام له تهما عدة منتزعة بالإكراه وتحت التعذيب وصلت إلى 17 تهمة منها. جُرّم المرهون مشاركته في المظاهرات وتوزيعه للمياه على المتظاهرين، وكيلت له تهم كاذبة أبرزها: تصنيع واستخدام المولوتوف وإطلاق النار على رجال الأمن مع آخرين أثناء المظاهرات، واشتراكه في تفجير أسطوانة غاز وفي حيازة الذخيرة وتوزيعها.
الحكم الصاعقة
التهم المنتزعة تحت التعذيب استغلها الإدعاء العام ليطالب بإقامة "حد الحرابة" على المرهون. وفي الجلسة الثامنة من محاكمته بتاريخ 24 أكتوبر 2014، نطق قاضي المحكمة الجزائية المتخصصة بالحكم: القتل تعزيراً. وتمت مصادقة من الديوان الملكي.
"كانت صدمة نزلت عليّ كالصاعقة!"، بهذه الكلمات تصف أم داوود تلقيها لحكم الإعدام بحق وحيدها. "أما داوود فقد تلقى خبر إعدامه بالصبر والرضا وكان أقوى منا".
حيثيات الحكم الصادر أتت متعارضة مع المادة 15 من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي انضمت لها المملكة السعودية في 1997، والتي جاء فيها: (تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات) ما يجعل اعتماد القاضي على الأقوال المدونة في محاضر التحقيق والتهم المقدمة من هيئة التحقيق مخالفة للقانون ولمبدأ بارز من مبادئ العدالة، وبدل أن تذهب المملكة لمحاسبة المسؤولين عن تعذيبه بحسب ما تنص عليه الاتفاقية تمضي قدماً باتجاه تنفيذ القرار.
ووقوفاً على الفقرة “أ” من المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل الذي انضمت لها المملكة السعودية في 1996 والتي تشترط بـ "ألا يتعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم"، فقد ضربت المملكة هذه المادة بعرض الحائط.
لا يشكل الحكم على داوود المرهون سابقة في تاريخ المملكة مع إعدام القُصّر، فالقتل في المملكة السعودية بات بالمجان، لا يستشعر حرقته إلا ذوي الضحايا، إلا أن القبول به أو السكوت عنه يُعد مشاركة في الجريمة التي قد لا تستثني أحداً يوماً ما..
أضيف بتاريخ :2016/04/13