تقرير خاص: التعلق #السعودي مقابل الابتزاز #الأميركي: حب من طرف واحد!!
قد لا يناقش أحد بالعلاقة التاريخية التي ربطت المملكة السعودية بالولايات المتحدة الأميركية، ولكن قد يطرح التساؤل عن مدى إستراتيجية هذه العلاقة بين الطرفين وطبيعتها، فهل هي قائمة على أساس ثابت متين أم أنها خاضعة للبيع والشراء والابتزاز من قبل طرف اتجاه الطرف الآخر؟
والحقيقة أن تاريخ العلاقة بين الطرفين يشهد في كثير من محطاتها على مدى "هرولة" قادة المملكة خلف الأميركيين منذ نشأة المملكة وتأسيسها على يد الملك عبد العزيز، وكيف قرأ "أبناء العم سام" أهمية النفط وعملوا على دعم مؤسس المملكة للحصول على "الذهب الأسود" بأرخص الأثمان مقابل دعم النظام في المملكة مع كل الملاحظات والتجاوزات الموثقة للحريات وللديمقراطية التي تتغنى بها الإدارة الأميركية، هذا بالإضافة إلى الدعم الأميركي لقادة النظام في المملكة في كل التطورات التي شهدها العالم والمنطقة بشكل خاص وصولا لما يجري اليوم في الإقليم.
والمتتبع لكل ذلك يرى كيف أن الأميركي كان دائما يستخدم كل المجريات بل وقد يختلقها في بعض الأحيان، لإيهام الحكم في المملكة السعودية أنه دائما بحاجة للدعم والغطاء الأميركي كي يستمر ويبقى، بصرف النظر عن أي شرعية آخرى، فالأميركي طالما أوصل رسالة للنظام في السعودية أن الشرعية أنا أوفرها لك، وما عليك سوى أن تجعلني استفيد من خيرات المملكة كما أشاء وبالطريقة التي أراها مناسبة، وبالطبع هذا الأمر سينسحب بشكل طبيعي على باقي دول "مجلس التعاون الخليجي".
والتجارب طالما أكدت أن الأميركي طالما خلق للمملكة السعودية عدوا غير واقعي وأوهمها أنه سيحميها منه، فمن الثورة الإسلامية في إيران إلى الوجود السوفياتي في أفغانستان إلى نظام صدام حسين في العراق واليوم الإيحاء أن الخطر الداهم آت من اليمن والبحرين وسوريا والعراق وغيرها من الدول، ولكن الحقيقة أن كل ذلك ما هو إلا عناوين استخدمت كي يزداد التعلق السعودي بالإدارة الأميركية.
واليوم تُترك المملكة السعودية (وقد يكون بإيعاز أميركي) تغرق في وحول المعارك الخاسرة والمكلفة من اليمن إلى سوريا فقط كي تبقى بحاجة إلى الدعم الأميركي في كل شيء، من الدعم السياسي والأمني وصولا إلى بيع الأسلحة مع ما تجنيه الشركات الأميركية من أرباح طائلة مصدرها المال السعودي الذي ينفق في معارك باهظة التكاليف على خزينة الدولة، وصولا إلى الحماية القانونية والحقوقية في الأمم لمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لما يرتكب في حروب السعودية من انتهاكات لا سيما في اليمن.
وما الانتقادات التي تخرج بين الحين والحين إلا حلقة من مسلسل "الابتزاز" الأميركي الطويل للمملكة السعودية، وإلا كيف يمكن تفسير خروج الرئيس أوباما لانتقاد السعودية في دعمها للإرهاب وجر المنطقة إلى حروب طائفية؟ وكيف يمكن فهم زيارة جون كيري إلى البحرين للقاء معارضين بينما في الواقع طالما وضعت العراقيل أمام وضع حل سياسي للازمة البحرينية؟ وكيف يمكن بعد كل ذلك فهم زيارة الرئيس أوباما ومعه وزير حربه أشتون كارتر لحضور قمة "مجلس التعاون الخليجي" في الرياض لبحث "الأمن والاستقرار وشؤون المنطقة"؟ وكيف يمكن فهم التهديد الأميركي عبر نواب في الكونغرس أو عبر وسائل إعلام أميركية بنشر تسريبات حول تورط "السعودية" في أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، بالإضافة إلى الاتهام الأميركي عبر مسؤولين ووسائل إعلام عن انتهاكات سعودية للقوانين الدولية الإنسانية في حربها على اليمن.
أليس كل ذلك هدفه إفهام المملكة السعودية والمسؤولين فيها أنكم مرتكبون وستسألون عن ممارسات كثيرة لولا الغطاء الذي نقدمه لكم؟ وأليس ذلك نوع من "جردة" تسبق جلسة المحاسبة ووضع النقاط على الحروف وقبض الأثمان التي تريدها واشنطن في الاقتصاد والسياسة وغيرها من المجالات، فهل ستقدم المملكة ومن خلفها العديد من دول "مجلس التعاون" الالتزامات التي تريدها الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة قبل وصول الرئيس الأميركي الجديد؟ أم أنه مرحلة جديدة من مراحل العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة حيث سنشهد بدء رفع الغطاء الأميركي عن ممارسات سعودية المصدر تبدأ بالكشف عن ملفات سرية تتعلق بأحداء "11 سبتمبر" مع ما يستتبعه ذلك من تصدع في علاقات عمرها عشرات السنين؟ فبحسب القانون الأميركي لدى أوباما مهلة 60 يوما لاتخاذ قراره حول نشر وثائق سرية مرتبطة بالتحقيق باعتداءات "11 سبتمبر"، حيث يصر أعضاء في الكونغرس الأميركي على ضرورة نشرها بعد تسريب معلومات عن تورط سعودي ما في دعم منفذي هذه الاعتداءات.
هذا وقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن "السلطات السعودية هددت الإدارة الأميركية ببيع أصول المملكة في الولايات المتحدة والتي تبلغ حوالي 750 مليار دولار، وأضافت أن السعودية ستبيع أصولها إذا وافق الكونغرس على مشروع قرار يسمح بمقاضات الحكومة السعودية على تورطها في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة، وقالت الصحيفة إن إدارة أوباما أجرت مفاوضات مع الكونغرس وحاولت إقناع النواب بضرورة رفض مشروع القانون الذي يهدد البلاد بتأثيرات دبلوماسية واقتصادية، ولعل هذا "التهديد السعودي" الذي قيل أنه جاء على لسان وزير الخارجية عادل الجبير يثير الكثير من علامات التساؤل عن مستوى العلاقة بين الرياض وواشنطن حتى باتت الانتقادات والتهديدات تتناقلها وسائل الإعلام.
ولكن يبقى على المملكة السعودية أن تفهم أن الإدارة الأميركية ﻻ تفهم سوى لغة المصالح وأنها لا تتردد باعتماد سياسة البيع والشراء حتى فيما يتعلق بمن يظن أنه أقوى حلفاء واشنطن، والشواهد ما تزال حاضرة في الأذهان، ففي السنين القليلة الماضية تخلت الأخيرة عن العديد من أبرز حلفائها في المنطقة عندما وجدت أن مصالحها تتطلب ذلك، فمن الشاه في إيران وصدام حسين في العراق إلى زين العابدين بن علي في تونس وصولا حسني مبارك في مصر وغيرهم في العديد من دول العالم، ومن ثم عادت الإدارة الأميركية وحاولت الاستثمار على أنقاض حلفائها السابقين لإنتاج مصالحها بأشكال مختلفة.
ولعل أبرز الإيضاحات على كل ذلك هو ما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية من كلام لرئيس "الاستخبارات السعودية" الأسبق تركي الفيصل الذي اعترف أن المملكة قدمت "خدمات كبرى" للإدارة الأميركية على مدى 80 عاما، وأسف بحسرة لنسيان واشنطن لكل تلك الخدمات.
وأكد الفيصل أن "العائلة الحاكمة في المملكة سخرت ثرواتها الطائلة في دعم الميزانية الأميركية"، وأضاف "نحن من يشتري السندات الحكومية الأميركية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك ونبعث آلاف الطلبة إلى جامعات بلادك بتكلفة عالية ونستضيف 30 ألف أميركي بأجور مرتفعة عن ذويهم من الجنسيات الآخرى"، وسرد الفيصل كيف أن نظام المملكة يدعم الجماعات الإرهابية في سوريا لمقاتلة الدولة والنظام هناك تنفيذا للرغبات الأميركية.
علما أن الفيصل كان يرد على تصريحات للرئيس الأميركي نشرت في صحيفة "ذي اتلانتيك" الأميركية قال فيها إن أصدقاء وحلفاء بلاده خيبوا آماله كالسعودية التي وصفها بالراعية الأولى للتطرف والإرهاب، ولفت إلى أن بعض حلفاء واشنطن في منطقة الخلیج یتطلعون لجرها إلى صراعات طائفیة طاحنة لا مصلحة لها بها.
لذلك قد يطرح البعض على السعودية بدائل عن سياسة الابتزاز الأميركية، تتمثل بالحوار مع الجيران من العرب والمسلمين والانفتاح على الداخل وتقبل الأخر باعتباره السبيل الأنجع لتحصين أي نظام قائم في المنطقة بدل الاتكال على الغطاء الأميركي مع ما يحمله من ابتزاز واستغلال لا ينقطع، مع التذكير أن النفط الأميركي اليوم بات في المتناول مع ما يحمله ذلك من فرضيات عن تخلي واشنطن في يوم من الأيام عن النفط السعودي الذي كان في يوم من الأيام حجر الأساس لبناء العلاقة الأميركية مع المملكة.
أضيف بتاريخ :2016/04/20