’رؤية 2030’.. وعود كثيرة والعبرة بالنتائج.. ماذا عن الأثمان السياسية؟
المملكة السعودية من دون الاعتماد على النفط، هذا خلاصة ما توصلت إليه عبقرية ما يسمى "رؤية 2030" التي أعلنها ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ضاربا بعرض الحائط كل النمط الذي عاشت عليه المملكة اقتصاديا طوال عشرات السنين، ومعترفا في الوقت ذاته بفشل كل الخطط والسياسات الاقتصادية التي عملت على أساسها، فهل فعلا ستكون هذه الرؤية هي البديل الناجح في مستقبل "مملكة النفط"؟
فقد وافق مجلس الوزراء السعودي على خطة ولي ولي العهد فيما قد يوصف ببرنامجه لإدارة البلاد في السنوات القادمة أقله لما بعد العام 2030، فالرجل كما يبدو يعمل وكأنه يحضر نفسه لاستلام الحكم في لحظة لا يعلمها إلا الله والراسخون في كواليس السلطة في المملكة، وهنا تكمن إحدى النقاط الهامة في فلسفة الرؤية، فمن جهة قد ينتقد البعض هذه الخطة باعتبارها اجتهاد فردي بإلزام المملكة بآراء ولي ولي العهد، بينما قد يعتبرها البعض النتيجة الأمثل التي ستؤدي لنجاح البلاد باعتبار أن الرجل لن يدخر جهدا إلا ويقوم به لإنجاح مسيرته السياسية باعتباره يعمل وكأن الطريق ممهدة له للوصول إلى قيادة المملكة.
ولكن ماذا عن المعايير التي اعتمدتها هذه الرؤية وهل ستوصل فعلا إلى جعل المملكة السعودية تتخلى في لحظة من اللحظات عن الاعتماد على النفط؟ وهل من الجائز والممكن ذلك؟ بالأصل هل يصح ترك الاعتماد على النفط كليا في بلد يمتلك الاحتياطي الأكبر في العالم؟ وهل يمكن التخلي فعلا في العام 2020 عن النفط؟ أي هل يمكن خلق سياسية اقتصادية بديلة ومصادر دخل خلال أربع سنوات فقط تغطي ما كان يغطيه النفط كل هذه السنوات التي مضت؟ فهل وضعت هذه الرؤية على أسس اقتصادية سليمة تراعي الصالح العام في المملكة؟ خاصة أن الرؤية التي وضعت ستمثل "أهداف المملكة في التنمية والاقتصاد لـ15 سنة مقبلة"، بحسب قول محمد بن سلمان.
والبعض يسأل لماذا اليوم انتبه القيمون على السلطة في المملكة إلى ضرورة التخلي عن النفط وأهمية إيجاد مصادر بديلة للثروة والإنتاج؟ أليس الأجدى كان الحفاظ على النفط باعتباره ثروة بحد ذاتها بدل تضييعها في سياسات مرتهنة للخارج لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، ولماذا هدر خيرات المملكة في حروب وسياسات هنا وهناك لم تدر إلا الخسائر على خزينة السعودية؟ علما أن الطروحات الموجودة في هذه الرؤية للاستثمار في معظم أنحاء الكرة الأرضية تثير الاستغراب باعتبار أن في المملكة هناك مناطق فقيرة داخل المملكة وتحتاج إلى الكثير من التنمية المستدامة، ولذلك لا بد من التفكير بأهل الدار قبل البحث عن الاستثمار هنا وهناك.
واللافت أن الرؤية الجديدة تناولت العديد من القضايا بالغة الحساسية وفي مقدمتها مسألة الفساد المستشري حيث وعدت بحلها والتعاطي بشفافية مع ملفات كالتسلح وشركة "آرامكو"، كما أنها بالغت في الحديث عن الاستثمارات التي ستؤدي إلى تحصيل أموال طائلة للمملكة وبشكل خيالي، ولكن هل التطبيق الفعلي لكل ما تحدث عنه "ولي ولي العهد" سيؤدي حتما إلى إنهاء الفساد والوصول للشفافية وإلى تحقيق الوعود بالأرباح الكبيرة وحل مشاكل المواطن كالإسكان والبطالة وغيرها، وما هو الضامن لكل ذلك خاصة أن بن سلمان تحدث في مقابلته مع قناة "العربية" بشكل واضح غلى التوجه نحو الخصصة كما انه عبر أن "الشعب في السعودية هو لذي سيحاسب".
فهل مثل هذه الأمور واقعية في المملكة السعودية؟ وهل فعلا للشعب القدرة على محاسبة السلطات؟ وهل الخصخصة هي التي ستحقق الصالح العام للسعودية؟ وهل أن غياب الشفافية طوال عشرات السنين في موازنات شركة "آرامكو" يكون بطرح أسهم الشركة للاكتتاب بما يؤدي إلى خصخصتها؟ أليس الحل الأنسب هو بالبدء اليوم قبل الغد بتطبيق الشفافية في عمل "آرامكو" بدل الهروب إلى الأمام بخصخصة الشركة مع ما قد يؤدي ذلك إلى تضييع الشفافية؟ ونفس الأمر ينطبق على صفقات التسليح للمملكة، فمبدأ الشفافية يحتم على واضع "رؤية 2030" الكشف اليوم عن كل تفاصيل الصفقات الجارية أو التي تطبق الآن أو في المستقبل القريب، بدل الاتجاه لإنشاء شركات للتصنيع العسكري ومن ثم الخوض في ملفات التمويل والإنتاج وغيرها من التعقيدات مع ضبابية النتائج التي ستتحقق.
وللتذكير بالشفافية، فإن الرؤية السعودية الجديدة أعدت كما يبدو بشكل غير مؤسساتي وليس عبر إدارات معنية ومختصة في المملكة بل عبر فريق عمل قريب من ولي ولي العهد، وكل ما فعله مجلس الوزراء(نزولا عند مبدأ الشفافية) هو الموافقة على مشروع الرؤية، والطلب من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بوضع الآليات والترتيبات اللازمة لتنفيذ هذه الرؤية ومتابعة ذلك، بالإضافة إلى الطلب من الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى باتخاذ ما يلزم لتنفيذ هذه الرؤية.
كما أن "ولي ولي العهد" ذكر في حديثه لقناة "العربية" أن "صندوق الاستثمارات" الذي سيتم إقامته من ضمن الرؤية "سيسيطر على 10 % من القدرة الاستثمارية في العالم"، فهل فعلا سيسيطر هذا الصندوق السعودي على هذه النسبة في العالم وهل يمكن لدول العالم مجتمعة التخلي عن هذه النسبة لدولة واحدة بهذه السهولة والبساطة؟ أم أن الدول سوف تتمسك بمصالحها ولن تسمح لغيرها بالحصول عليها إلا بمقابل لن يكون بسيطا أبدا، وهذا ما سيؤدي في لحظة من اللحظات إلى اضطرار المملكة لدفع مبالغ كبيرة للحصول على هذه القدرات الاستثمارية الخيالية، فليس المهم أن تحصل على مصادر الاستثمار بل أيضا لا بد من أن تحسب أُثمان ذلك.
وقد تكون المسألة الأكثر إثارة للجدل في كلام "بن سلمان" هي حديثه عن الموقع "الجغرافي الهام للسعودية وأن جسر الملك سلمان سيكون أهم معبر بري في العالم وسوف يوفر فرصا ضخمة للاستثمار والبناء، استثمار الموقع الجغرافي سيجعل البضائع تمر من خلال السعودية بمئات المليارات"، كلام قد يعتبره البعض منتجا في الاقتصاد ولكن ماذا عن تكاليفه السياسية؟ لا سيما بعد كل ما قيل وطرح من تحليلات بعد زيارة الملك سلمان إلى مصر حيث وقع اتفاقية السيطرة على جزيرتي "تيران وصنافير" وما تلاها من كلام عن دخول سعودي في اتفاقية "كامب ديفيد" ووعود والتزامات قدمت لـ"إسرائيل" كثمن لقبولها بانتقال السيادة على الجزيرتين من مصر إلى المملكة السعودية.
وطرح الرؤية للاستفادة من الموقع الجغرافي ومن "جسر الملك سلمان" بالتحديد يثير التساؤلات عن مدى صحة كل ما كتب عن الالتزامات السعودية للكيان الإسرائيلي، كما يثير الكثير من علامات التساؤل والريبة عن توقيت الإعلان عن الرؤية بعد فترة وجيزة من الإعلان عن بناء الجسر الذي يربط مصر بالمملكة، كما يطرح تساؤلات بديهية عن مدى صحة الأرقام والوعود بتحقيق أرباح خيالية بفضل جسر لم يتم البدء ببنائه حتى اللحظة؟ فهل ما كتب في أوراق "رؤية 2030" قابل للتحقيق فعلا؟
بكل الأحوال يبقى السؤال الأهم لماذا تقبل "إسرائيل" أن تحقق المملكة كل تلك الانجازات الاقتصادية والإرباح المالية المفترضة وتبقى هي خالية الوفاض؟ وما المقابل التي حصلت عليه "إسرائيل" كي تسمح للمملكة بتحصيل كل ما ذكر في الرؤية عبر "جسر الملك سلمان"؟ ولماذا لم تبادر "إسرائيل" بنفسها إلى لعب هذا الدور البري المميز وهي التي تربطها بمصر علاقات دبلوماسية بينما تسمح لغيرها بتحقيق إرباح على حساب مصالحها الإستراتيجية في البحر الأحمر؟ اللهم إلا إذا كان الكيان الإسرائيلي قد حصل على ما هو أعظم وأهم من كل ما ذكر في الرؤية المستقبلية.. وهنا مكمن الخطر.
أضيف بتاريخ :2016/04/26