#تقرير_خاص : حلم #السعودية الجديد.. "هوليوود الصحراء" لتحسين السمعة!
محمد الفرج...
تغطي سحب كثيفة من الرمال الهواء، بينما تتهاوى طائرة مروحية بسرعة كبيرة، وفي الخلفية منحدرات من الحجر الرملي، يتدرب طاقم العمل على مشهد معركة في فيلم "قندهار"، وهو فيلم حرب بميزانية كبيرة تنتجه هوليوود، وتدور أحداثه في أفغانستان، لكن الكاميرا تكذب؛ فالمشهد يجري تصويره بالفعل على بعد 2000 ميل من مدينة قندهار الأفغانية، وبالتحديد في صحراء محافظة العلا بالسعودية.
وبينما تم حظر السينما في السعودية أوائل ثمانينات القرن الماضي بضغط من رجال الدين المحافظين، تسعى المملكة الآن لأن تصبح "هوليوود الصحراء"، فدور السينما تفتح أبوابها في كل مدينة، وأوائل ديسمبر/كانون الأول الجاري، استضافت مدينة جدة، غربي المملكة، النسخة الأولى من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وحاليا، يتم استقبال المنتجين الأجانب لكي يقوموا بتصوير أفلامهم في المملكة؛ حيث تنفق الحكومة المليارات على صناعة محلية لا تزال وليدة، لكن بطموحات عالمية.
إن التحول المتواصل الذي تشهده السعودية في هذه الصدد له 3 دوافع. إذ تحتاج المملكة إلى فطام اقتصادها عن النفط، ويجب أن تحافظ على رضى سكانها الشباب في مواجهة القمع السياسي، كما أن المملكة في حاجة ماسة لتحسين سمعتها على الساحة الدولية.
لكل ذلك، أصبحت المملكة المحافظة فجأة جادة في مجال صناعة الترفيه، إذ تخطط لاستثمار 64 مليار دولار في الترفيه على مدى السنوات العشر حتى عام 2030، وتأمل أن يضاعف المستهلكون نفقاتهم الترفيهية من 2.9% إلى 6% من إجمالي إنفاقهم، وفي اليوم السابق، لفرش السجادة الحمراء في الشوارع المرصوفة بالحصى بمدينة جدة القديمة في مهرجان البحر الأحمر، استضاف الكورنيش المواجه للبحر للمرة الأولى "جائزة السعودية الكبرى" لـ"الفورمولا-1"، بحفل موسيقى أحياه نجم البوب الكندي "جاستن بيبر".
وتتمثل المهمة الأولى للمملكة، في مخططها لبناء صناعة سينمائية قوية، في خلق جمهور محلي لهذا النوع من الترفية من الصفر، وبحلول عام 2030، تهدف السعودية إلى مضاعفة عدد شاشات السينما فيها بـ4 أضعاف؛ لتصل إلى 2000 شاشة عرض، وإلى تحقيق عائد من شباك التذاكر بقيمة مليار دولار.
وتعد الخطوة التالية الهامة هي جلب صانعي أفلام أجانب والتعلم منهم، والقليل منهم بالفعل بدأ العمل في المملكة. ففي فبراير/شباط، أطلقت خدمة "أبل تي في بلس" فيلم "كرز" (Cherry)، وهو دراما تتناول قصة أحد قدماء المحاربين في أمريكا، وتم تصوير المشاهد المتعلقة بالعراق في هذا الفيلم، بمحافظة العلا السعودية.
وفيلم "قندهار"، الذي اقترب الآن من نهايته، هو إنتاج مشترك بين شركة "ثاندر رود فيلمز" الأمريكية، التي أنتجت فيلم "سكاريو" (Sicario) ومجموعة "إم بي سي" المملوكة للسعودية/ وفي محافظة تبوك، شمال غربي السعودية، تعمل "إم بي سي" مع استديوهات "إيه جي سي" في هوليوود على فيلم "محارب الصحراء (Desert Warrior)، بميزانية تبلغ 140 مليون دولار/ وتدور أحداث الفيلم بشبه الجزيرة العربية في القرن السابع؛ حيث تم اختيار النجم الملحمي "أنتوني ماكي" لبطولته، والذي تم مؤخرًا اختياره لأداء شخصية "كابتن أمريكا" في سلسلة الأبطال الخارقين لـ"مارفيل".
ويعد المكان هو جزء من الاستثمار السعودي في هذه صناعة السينما. فالكثبان الرملية التي لا نهاية لها في العلا، والتي تتخللها النتوءات والأخاديد الوعرة، تستحضر "الخيال في شبه الجزيرة العربية"، كما يقول البريطاني "ستيفن ستراشان"، مفوض إدارة الأفلام في هيئة "فيلم العلا" (حكومية)، التي تأسست عام 2020 لتوفير أفضل الدعم والتوجيه لصانعي الأفلام وشركات الإنتاج للتصوير في المحافظة السعودية، وفي الجوار، بمنطقة "الحِجْر"، توجد قبور آثرية يبلغ عمرها 2000 عام، والتي بناها المهندسون المعماريون الأنباط الذين نحتوا "البتراء" في الأردن.
ومع ذلك، فإن بدء إنتاج الأفلام من لا شيء تقريبا ليس بالأمر السهل. فالأطقم السعودية لديها خبرة في التليفزيون والإعلانات، لكن صناعة الأفلام أمر مختلف، على سبيل المثال، حضر طاقم فيلم "محارب الصحراء"، الذي يزيد على 600 شخص، من 45 دولة. وحتى العثور على ممثلين كومبارس بالمملكة يعد أمرا صعبا، فتقاليد العمل الحر ليست متجذرة في السعودية، وأي وظيفة تتطلب الاستيقاظ قبل الفجر والعمل لمدة 12 ساعة في اليوم تحت حرارة الشمس كان يتم القيام بها تاريخيا من قبل الوافدين، و"محارب الصحراء"، الذي يحتاج إلى 100 كومبارس في اليوم في المتوسط، كان غالبيتهم من الأردن وجورجيا.
ورغم كل الجهود السابقة، لا تزال هناك عوائق كبيرة ثقافية وسياسية أمام صناعة السينما السعودية، إذ يعد استيراد المواهب من لوس أنجلوس بمثابة صراع شاق في بلد يعتبر فيه الشذوذ الجنسي جريمة، ولا تزال العباءة هي الرداء التقليدي للمرأة، فقد تفاجأ المسؤولون التنفيذيون المتجهون إلى مهرجان الأفلام في جدة من العلا عندما انقطع الترفيه على متن الطائرة بسبب الأذان، وتحولت الشاشات إلى خريطة تشير إلى الطريق إلى مكة.
صحيح أنه تم تخفيف بعض القيود في المملكة منذ عام 2018، مثل السماح للنساء بقيادة السيارات. وبصرف النظر عن غياب الخمور، بدا مهرجان البحر الأحمر مثل أي مهرجان آخر مماثل؛ حيث استقطب النجوم بما في ذلك الممثلة الفرنسية "كاترين دينوف"، ومع ذلك، لم تتغير العادات المحلية في كثير من أنحاء البلاد، فقد وجد طاقم نسائي لأحد الأفلام في تبوك أن المطاعم المحلية لا تزال تدير غرف طعام لا تسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء، وهو ما لم يعد القانون ينص عليه.
ولا تزال مخاطر السمعة لممارسة الأعمال التجارية في المملكة قائمة، وظهر ذلك لأول مرة في مهرجان "كان" السينمائي عام 2018، لكنه بقي في العام التالي وسط احتجاج على اغتيال "جمال خاشقجي"، الصحفي السعودي المعارض الذي تعتقد أجهزة الاستخبارات الغربية أنه قُتل بأمر من ولي العهد "محمد بن سلمان" (ينفي ذلك).
كما ألغت شركة "VUE Cinema" البريطانية المتخصصة في صناعة السينما خططا لبناء 30 صالة سينمائية في البلاد، وأعادت شركة "إنديفور كونتن" (Endeavour Content)، وهي شركة إنتاج أمريكية، استثمار بقيمة 400 مليون دولار إلى صندوق الثروة السيادية في السعودية، وارتدى "لويس هاميلتون"، عند فوزه بسباق الجائزة الكبرى السعودي في 5 ديسمبر/كانون الأول، خوذة بألوان قوس قزح لشجب رهاب الشذوذ الجنسي في المملكة.
ومثلما تستعد بعض شركات هوليوود للنظر في الاتجاه الآخر، قد تكون السلطات السعودية على استعداد لتغيير مبادئها الخاصة، ففي حين كان يُنظر إلى حلم "هوليوود الصحراء" على أنه سراب، لكن المال السعودي أثبت أنه قادر بالفعل على تحقيق هذ الحلم ليكون سلاحا ضمن أسلحة القوة الناعمة السعودية، والذي سيتم استخدامه في الداخل والخارج.
أضيف بتاريخ :2021/12/19