#تقرير_خاص : لماذا تتجه #السعودية و #تركيا إلى التقارب الآن؟
محمد الفرج...
توحي الإشارات الدبلوماسية الأخيرة بين تركيا والسعودية إلى تحسن العلاقات بين الخصمين المتنافسين ويحمل هذا التحول الأوسع انعكاسات كبيرة على العلاقات التركية السعودية والجغرافيا السياسية في المنطقة، ويمكن أن يشير الدفء في العلاقات بين أنقرة والرياض إلى المنافسة المتزايدة بين الأخيرة وأبو ظبي، وجهود المملكة لتنويع علاقاتها الأمنية، واحتياج تركيا المتزايد للمساعدة الاقتصادية وسط أزمة العملة المتفاقمة.
انخراط الدبلوماسي:
عقد المسؤولون السعوديون والأتراك عدة اجتماعات ومحادثات هاتفية خلال العام الماضي، في إطار جهود إقليمية أوسع لخفض التوتر بعد السنوات المضطربة التي أعقبت الربيع العربي، وتشير هذه الخطوات إلى رغبة متزايدة في التعاون العملي بين الدولتين.
في هذا السياق الأوسع، التقى وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" بنظيره السعودي الأمير "فيصل بن فرحان" في مؤتمر دولي في أوزبكستان في 18 يوليو/تموز الماضي، وفي اليوم التالي، أجرى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" محادثة هاتفية مع الملك السعودي "سلمان بن عبدالعزيز" لتبادل التهاني بمناسبة العيد ومناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين.
وبشكل عام، أجرى المسؤولون السعوديون والأتراك العديد من المكالمات الهاتفية والاجتماعات على المستوى الوزاري خلال العام الماضي، بما في ذلك اجتماع نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بين وزير التجارة السعودي "ماجد بن عبدالله القصبي" ونائب الرئيس التركي "فؤاد أقطاي".
وربما ساهمت هذه الخطوات في قرار "أردوغان" زيارة الرياض للقاء الملك "سلمان" في فبراير/شباط المقبل، وسيكون هذا الاجتماع جوهريًا بالنظر إلى القضايا الجارية بين الدولتين، بما في ذلك إيواء تركيا لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ودعمها لقطر، وهجماتها الصاخبة على ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" لدوره في مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" عام 2018.
يمكن القول إن جهود المصالحة الأخيرة داخل مجلس التعاون الخليجي كانت دافعا لتحسين العلاقات التركية السعودية، فبعد قمة العلا، التي أدت إلى التقارب بين السعودية وقطر، أصبحت تركيا في موقف يمكّنها من تعميق تحالفها مع قطر دون أن يكون ذلك على حساب العلاقة مع الرياض، وتحاول تركيا الاستفادة من هذه البيئة الجديدة في منطقة الخليج حيث يدشن القطريون والسعوديون فصلا جديدا يقوم على المصالحة والتعاون، ومع احتياجات ومصالح الدولتين في ظل دخول المنطقة مرحلة جديدة، أصبح الوقت مناسبا للتقارب بين تركيا والسعودية.
اهتمام الرياض بتحسين العلاقة:
وربما يكون الدافع الرئيسي لدى الرياض لتحسين العلاقات مع أنقرة هو تنامي القوة الإقليمية والنفوذ الدبلوماسي لأبوظبي وسط المنافسة الساخنة بين الحليفين الخليجيين التقليديين.
وحاول الإماراتيون مؤخرا تهدئة الأجواء مع تركيا، كما ظهر من زيارة ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" إلى تركيا في تشرين الثاني الماضي حيث التقى "أردوغان" للمرة الأولى منذ نحو عقد من الزمان، وعقب الاجتماع، أعلن البلدان عن توقيع 10 مذكرات تفاهم في مجالات الاستثمار والتمويل والتجارة والطاقة والبيئة، بما في ذلك صندوق إماراتي بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمار الاستراتيجي في تركيا.
علاوة على ذلك، أبرمت تركيا صفقة تبادل عملات بقيمة 5 مليارات دولار مع الإمارات في 19 يناير/كانون الثاني الجاري، وبالإضافة إلى رحلته إلى السعودية، سيزور "أردوغان" الإمارات أيضاً في فبراير/شباط المقبل.
كذلك هناك التوتر الذي رأيناه بين الرياض وأبوظبي العام الماضي ساهم في رغبة القيادة السعودية في تحسين علاقتها مع أنقرة، ومن خلال ذلك يتضح أن السعودية لديها مخاوف بشأن الجهود الإماراتية لتحسين العلاقات مع الجيران الإقليميين وترغب في مواجهتها أو استباقها.
وفضلا عن ذلك، تسعى السعودية أيضًا لمعالجة مخاوفها الأمنية من خلال تطوير العلاقات مع قطاع الدفاع التركي، وفي هذا السياق، لدى السعوديين مصلحة مباشرة في الحصول على الطائرات المسيرة التركية لردع التهديدات الإقليمية، وتمتلك تركيا واحدة من أكثر الطائرات المسيرة تقدمًا في العالم، كما ثبت في ساحات الحرب من ليبيا إلى إثيوبيا، وهي حقيقة تدركها المملكة بالتأكيد.
في الوقت نفسه، تواجه أنقرة أيضًا تحديات داخلية كبيرة تتطلب تحولًا في استراتيجيتها الإقليمية. ويواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم غضبًا متزايدًا في جميع أنحاء تركيا بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والحرب المطولة في سوريا، مما يصب في مصلحة المعارضة التي تستعد للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023.
كما أن لدى أنقرة مخاوف جدية بشأن التعاون العسكري المتزايد بين السعودية والإمارات من جهة واليونان من جهة أخرى، وفي هذا السياق، نشرت أثينا بطارية صواريخ باتريوت في المملكة لتحل محل منظومات الدفاع الجوي التي سحبتها الولايات المتحدة، بينما طارت المقاتلات الإماراتية والسعودية إلى اليونان لإجراء مناورات جوية مشتركة.
وفي قلب هذا الجهد توجد المصالح الاقتصادية التي ازدادت أهميتها مع أزمة العملة التركية التي خسرت 44% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في عام 2021.
وتمتلك دول الخليج الثرية إمكانات استثمارية كبيرة يمكن أن تساعد في حل العديد من مشاكل أنقرة الاقتصادية، وبالنظر إلى مكانة إسطنبول كمركز للأزياء والسياحة إلى جانب التجارة القوية سابقًا بين البلدين، سيستفيد الأتراك من إصلاح العلاقات مع السعودية وإنهاء الحصار غير الرسمي الذي فرضته الرياض على العديد من السلع التركية.
أضيف بتاريخ :2022/01/29