تقرير خاص: عن رمزية المصافحة #الإسرائيلية السعودية.. هل ترغب #الرياض بتعاون شامل مع #تل_أبيب؟
كشف الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل عن رغبة المملكة بدء تعاون شامل مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في شتى المجالات، وذلك في حوار مباشر وصريح مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق يعقوب عميدور، نظمه "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في الولايات المتحدة.
"إننا بالعقل العربي والمال اليهودي يمكننا المضي قدما"، قال الفيصل الذي توجه بحديثه إلى ما اسماهم "المشاهدون اليهود"، وتابع "فكروا ما يمكن تحقيقه في المواضيع العلمية والتكنولوجيا والمسائل الإنسانية والعديد من الأمور الأخرى التي بحاجة إلى النظر إليها".
كلام الفيصل هذا يأتي بعد سلسلة من التصريحات واللقاءات المتبادلة مع مسؤولين صهاينة تناوب عليها تركي الفيصل نفسه وزميله في "هندسة الغزل" السعودي لإسرائيل أنور عشقي، ويبدو أن كلام الفيصل ودوره في هذا المجال يتدرج بشكل تصاعدي حتى وصل إلى لحظة بات يعلن فيها بشكل علني ومن دون أي ضوابط أو محاذير النية في تعاون شامل مع عدو الأمة الأول والأخير.
لكن تركي الفيصل لم يوضح ماهية شمولية التعاون بين الطرفين؟ كما لم يبين مجالات هذا التعاون وهل ستقتصر على تعاون مدني تجاري اقتصادي أم سيتعدى هذه المجالات كلها إلى تعاون سياسي عسكري أمني وصولا إلى علاقات كاملة تامة في كل شي؟ وهل سنجد المملكة السعودية مثلا توقع معاهدات دفاع مشترك مع تل أبيب؟ وماذا يعني كل ذلك لو حصل؟ هذا قد يعني أن كل طرف يمكنه أن يدافع عن الآخر في حال تعرضه لـ"اعتداءات"، وماذا سيكون عليه الوضع لو تعرضت "إسرائيل" لعمليات من المقاومة أو الشعب في فلسطين أو لبنان أو سوريا أو أي دولة عربية تدافع عن نفسها أمام أي اعتداء إسرائيلي، فهل في مثل هذه الحالات سنجد المملكة السعودية تقدم يد العون لـ"إسرائيل" بوجه العرب والمسلمين؟ وهل سنجد "إسرائيل" في يوم ما تدخل الحرب على اليمن بحجة أن ذلك يحقق مصلحة المملكة السعودية؟ وبتالي هل سنجد إسرائيل في صلب التحالفات العربية والإسلامية التي أسستها المملكة عند إعلانها الحرب على اليمن؟
في الحقيقة وقائع قد تؤدي إلى مفارقات غريبة ونتائج صادمة، وقد يسأل سائل لماذا كل هذا التعمق أو "التطرف" في التحليل؟ وقد يحاول البعض التبرير بأن ما قاله تركي الفيصل لا يكاد يتعدى مجرد كلام شخصي يعبر عن رأيه الخاص وبالتالي لا يلزم النظام السعودي أو لا يعبر عن السياسة الرسمية للمملكة، إلا أن هناك مؤشرات معينة تنقض وجهة النظر السابقة، منها:
- إن تركي الفيصل ليس رجلا عابرا في المملكة بل هو بحسب المطلعين أحد أبرز مهندسي سياسات المملكة الخارجية منذ أن كان والده ملكا للسعودية.
- إنه في علم السياسة العلاقات لا تأت من فراغ بل يحصل بناؤها بين الدول أو الكيانات بشكل تدريجي حيث فتتطور تصاعديا فتبدأ في السر ومن ثم تخرج إلى العلن رويدا رويدا وصولا لإعلان العلاقات الكاملة بين الدول.
-إنه رغم كل ما قيل سابقا وكل ما كشف عن لقاءات لمسؤولين سعوديين وبينهم تركي الفيصل مع قادة صهاينة لم نسمع أي تحرك رسمي سعودي لاتخاذ أي إجراء يعبر عن رفض لهذا المسار في العلاقات، وكأن هناك "موافقة ضمنية" من السلطات الرسمية السعودية على السير في هذا المسار بدل نقضه.
ولكن التساؤلات التي تطرح هنا عديدة، فهل يمكن القبول من الدولة التي فيها "الحرمين الشريفين" وتقول إنها تحكم بشرع الله وقرآنه وسنة نبيه أن تقيم علاقات مع "إسرائيل" أو أن تغض النظر عن تصريحات مرحبة بـ"إسرائيل" وتدعو صراحة لإقامة علاقات معها؟ فهل هذا الأمر يجيزه الله وشرعه ونبيه وقرآنه؟؟ فهل العلاقات مع "إسرائيل" يجيزها الشرع الحنيف بينما يُحرّم قيادة النساء للسيارات؟ هل الهيئات الدينية في المملكة تجيز ذلك أم أنها فقط دورها الترحيب بالقرارات السياسية الصادرة عن السلطات الحاكمة؟ وهل يجوز تنفيذ إعدامات بحق النشطاء ورجال الدين بتهمة عدم إطاعة الحاكم بينما يترك البعض ينادي ويحث على التعاون مع قاتل الأبرياء من المدنيين العرب والمسلمين طوال عشرات السنين؟ وهل الحاكم أو "ولي الأمر" يجيز اغتيال رجال الدين بينما لا يقبل التدخل لوقف هذا النزف في هيبة الشعب في المملكة السعودية التي تظهر أنها تسعى لـ"السلام" مع "إسرائيل"؟
وبكل الأحوال لا بد من التساؤل ما هي مصلحة المملكة السعودية من التقارب مع "إسرائيل"؟ وأين هي مصلحة المملكة؟ هل هي مع العرب والمسلمين أم مع الصهاينة؟ ليأتي الجواب سريعا أنه حتى من باب المصالح وحسابات الربح والخسارة، فإن مصلحة السعودية هي مع العرب والمسلمين وعليها الانفتاح عليهم وتحسين العلاقات مع محيطها العربي والإسلامي بدل الانفتاح على من يعادي هذا المحيط والتدخل بالشؤون الداخلية للدول الشقيقة والجارة، وعلى المملكة السعودية المساعدة على حل الخلافات الموجودة بدل من تعميقها ودعم شعوب المنطقة والوقوف إلى جانبهم وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني للمحافظة على قضية الأمة المركزية أي القضية الفلسطينية، كما أنه حتى من باب الشرع الإسلامي، فالشرع يحرم التحالف مع الصهاينة ضد الأمة العربية والإسلامية، فالانجراف السعودي مع الرغبات الأميركية والإسرائيلية سيضر اليوم بالمملكة أكثر من أي وقت مضى وهو سينعكس سلبا على الشعب والسلطة في المملكة.
ويمكننا أن نختم بما حصل قبل بدء اللقاء بين الأمير السعودي تركي الفيصل والجنرال الإسرائيلي يعقوب عميدرور، حيث قال"المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" روبرت ساتلوف "لقد قمنا باللحظة الرمزية المهمة في البداية وهي المصافحة على المنصة.."، فالمصافحة هنا تعني الاعتراف وصورة المصافحة قد تكون من الأهمية بمكان تكاد تعادل كل ما قيل في هذا اللقاء سواء من الطرف السعودي الذي يبدو أنه بحاجة ماسة اليوم للعلاقة مع الإسرائيلي، كما أن يعقوب عميدرور بصفته ممثلا عن "إسرائيل" صوب باتجاه إيران على أنها العدو المشترك للطرفين بما يزيد من رمزية الموقف واللحظة واللقاء...
أضيف بتاريخ :2016/05/08