#تقرير_خاص : خطة فرنسا السياسية لجذب الإمارات والسعودية.. هل تقدم باريس نفسها كبديل عن واشنطن؟
رائد الماجد...
في تحرك سياسي لافت من فرنسا باتجاه دول الخليج، تتمثل بزيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى الشرق الأوسط، وزيارة الرئيس الإماراتي "محمد بن زايد" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" إلى باريس ولقائهما بالرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، يبدو أن هناك سلسلة طويلة من المحادثات رفيعة المستوى بين فرنسا وكلا الشريكين الخليجيين ستظهر نتائجها تباعاً.
وقبل زيارته الأخيرة، التقى "بن زايد" مع "ماكرون" 3 مرات خلال الـ12 شهراً الماضية (في سبتمبر/أيلول 2021، وديسمبر/كانون الأول 2021، ومايو/أيار 2022)، بينما التقى الرئيس الفرنسي مع "بن سلمان" خلال رحلة إلى السعودية في ديسمبر/كانون الأول 2021.
وتؤكد هذه اللقاءات المتكررة على الطموحات المتجددة لفرنسا في شبه الجزيرة العربية خلال عهد "ماكرون"، حيث تقدم فرنسا نفسها كشريك غربي، بالرغم أنه قد لا يكون بديلاً لواشنطن، وخياراً "ملائماً وموثوقًا" لهؤلاء القادة الخليجيين المتحمسين لتنويع شراكاتهم.
وحتى الآن، كانت هذه السياسة الفرنسية أكثر نجاحاً في الإمارات منها في السعودية، ومنذ افتتاح قاعدة بحرية فرنسية في أبوظبي عام 2009، نشرت باريس حوالي 650 جنديًا فرنسياً داخل البلاد، وفي حين أن هذه الأرقام قليلة مقارنة بـ 3500 جندي أمريكي في الإمارات، فإن التقارب الاستراتيجي بين باريس وأبوظبي واضح أيضاً من خلال وجهات نظرهم المشتركة حول القضايا الإقليمية.
أما السعودية، فكانت علاقات فرنسا معها أكثر تعقيداً، وورد أن علاقة "ماكرون" الشخصية بـ"بن سلمان" كانت أكثر برودة من تلك التي أقامها مع "بن زايد" في أبوظبي.
وقبل انتخاب "ماكرون" في عام 2017، تدهورت علاقات باريس مع "آل سعود" بشكل مطرد، في الواقع، بدت زيارة "ماكرون" الأولى للسعودية في خريف عام 2017 وكأنها محاولة لعلاج أخطاء أسلافه، "نيكولا ساركوزي" و"فرانسوا هولاند"، ولم يساعد السياق الإقليمي الهش في إنجاح هذه الرحلة، فقبل بضعة أشهر من الزيارة، شن "بن سلمان" حصاراً على قطر، وبحلول ذلك الوقت كان يحتجز رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" في الرياض.
ووفقًا لدبلوماسيين فرنسيين، كان أول لقاء بين "ماكرون" و"بن سلمان" متوتراً، وبحسب ما ورد، شعر الزعيم الفرنسي بالحيرة من مطالبة الأمير السعودي فرنسا بتعليق علاقاتها مع قطر - وهو طلب سرعان ما رفضه، وبدلاً من ذلك، أصر "ماكرون" على إقناع الأمير السعودي بالسماح لـ"الحريري" بالمغادرة والذهاب إلى باريس، وبالرغم من تلك المواجهة الأولى المقلقة، رفض "ماكرون"، بعد عام، اتخاذ إجراءات صارمة ضد السعودية بعد اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي".
وعلى عكس الحلفاء الأوروبيين مثل ألمانيا وهولندا، امتنعت فرنسا عن تعليق عمليات نقل الأسلحة إلى المملكة، ومع ذلك، تكلم "ماكرون" بلهجة حادة مع "بن سلمان" على هامش قمة مجموعة العشرين، بعد شهر من اغتيال "خاشقجي"، وتم التقاط ذلك أمام الكاميرا.
وبعد ذلك، تحسنت العلاقات الفرنسية السعودية واعتُبرت زيارة "ماكرون" إلى جدة في ديسمبر/كانون الأول 2021 أول اجتماع كبير لـ"بن سلمان" مع زعيم غربي منذ مقتل "خاشقجي"، وخلال تلك الزيارة، حوّل "ماكرون" الملف اللبناني إلى مجال تعاون رئيسي مع الرياض بإعلان مبادرة إنسانية مشتركة لإعادة السعودية إلى لبنان بعد سنوات من فك الارتباط.
وأثار التقارب الفرنسي مع الإمارات والسعودية قضايا مهمة في باريس والمنطقة، محلياً: دفع بعض المراقبين للتعبير عن مخاوفهم بشأن التأييد الفرنسي للسياسات الخارجية الإماراتية والسعودية خاصة في اليمن وليبيا.
على المستوى الإقليمي، وضعت هذه السياسة الفرنسية أيضا باريس على خلاف مع شريك خليجي آخر وهو قطر، وبحسب مصادر دبلوماسية فرنسية، أعرب مسؤولون قطريون عن قلقهم العميق من التقارب الفرنسي الإماراتي الذي حدث في خضم الحصار الذي فرضته الرياض وأبوظبي على الدوحة.
وربما حرصت الحكومة الفرنسية على حيادها الرسمي تجاه الأزمة الخليجيية، لكن مصالحها الاقتصادية والأمنية تميل في الواقع نحو الإمارات.
وكلما زادت ضغوط الولايات المتحدة على دول الخليج لاتخاذ موقف تجاه الصين، زادت قدرة فرنسا على الترويج لخطاب عدم الانحياز الذي يرضي القادة الإماراتيين والسعوديين، لكن هذا الخطاب يعمل ما دامت فرنسا، مثل شركائها في الخليج، قادرة على الهروب من منطق المنافسة بين القوى العظمى.
أضيف بتاريخ :2022/08/21