تقرير خاص: عن ’ورطة’ #الاقتصاد_السعودي.. وكيفية الخروج من الأزمة؟
لا شك أن الاقتصاد السعودي ليس في أفضل أحواله رغم كل المحاولات التي يقوم بها البعض لتصوير الوضع بأنه مثالي ويبشر بالتفاؤل، فخبراء اقتصاد غربيون يحذرون من "كارثة مالية وشيكة في المملكة السعودية"، ومن أسباب ذلك بحسب رأيهم التزامات المملكة الضخمة بالإنفاق والانخفاض الكبير في أسعار النفط والاستدانة بمبالغ هائلة.
ويشير الخبراء إلى أن "المملكة السعودية ستواجه إفلاسا هيكليا وأمامها عامان أو ثلاثة قبل أن ترتطم بالجدار"، ويعتبرون أن "هذه المخاوف قد تساعد في تفسير سبب تخطيط السعوديين لبيع حصة تبلغ خمسة في المئة من شركة أرامكو"، ويرون أن "السعودية ترهن مستقبلها لكسب الوقت".
وفي السياق ذاته، أشار تقرير لصندوق النقد الدولي نُشر خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015 إلى أنه "في ظرف خمس سنوات قد تجد دول خليجية على رأسها السعودية نفسها غارقة في عجز مالي والسبب هو انخفاض أسعار النفط، ولفت التقرير إلى أن " المملكة السعودية تحتاج من أجل التغلب على العجز الحاصل في الموازنة إلى وصول سعر البرميل الواحد من النفط إلى ما يزيد عن الـ 100 دولار"، ونبه التقرير من أن "الرياض يمكنها الصمود خمس سنوات في حال بقيت أسعار الذهب الأسود على ما هي عليه لكن بعد مرور تلك الفترة قد تجد السعودية نفسها دون سيولة مالية".
ولفت "صندوق النقد" في تقريره إلى أن "الظروف الحالية في المنطقة تجعل تنويع النشاط الاقتصادي بعيدا عن النفط مطلبا أكثر إلحاحا إذ من المرجح أن تظل أسعار النفط منخفضة"، وهذا ما يفسر سعي المملكة إلى طرح "رؤية 2030" بما تضمنته من بحث على نشاطات اقتصادية جديدة وإنشاء الصندوق الاستثماري برأسماله الضخم.
أسعار النفط والاستنزاف..
ويعتبر بعض خبراء الاقتصاد أن "السعودية قد تجد نفسها مضطرة للتخلي عن نفقات ما على الصعيد الداخلي للتغلب على واقع انخفاض أسعار النفط"، وهذا ربما يفسر قيام السلطات السعودية برفع الدعم عن المياه وإعادة تسعير فاتورة استهلاكها التي نتج عنها ارتفاع قياسي جدا في تكاليفها على مختلف شرائح المشتركين، وقد سبب ذلك أضرارا للشرائح الأدنى والمتوسطة الاستهلاك بصورة غير منطقية.
علما أن خبراء اقتصاد نبهوا السلطات في المملكة من اعتماد هذا الأسلوب "برفع الضرائب على المواطنين أو اتخاذ إجراءات تمس الجانب الاجتماعي تجنبا لأي حراك مثل ما حدث في دول عربية منذ العام 2011"، واعتبروا أن "خطوة من هذا القبيل في محيط يتسم بعدم الاستقرار ستكون بمثابة مغامرة سياسية".
وبحسب الخبراء "إذا استمرّت أسعار النفط في الانخفاض وهو المتوقع فقد تستنزف السعودية احتياطها خلال 4 أو 5 سنوات"، ويضيف الخبراء "في حال الاستدانة قد تتمكن من تأجيل ذلك لسنتين أو ثلاث سنوات إضافية ولذلك تسعى خطوة بيع نسبة من آرامكو (5%) لتأجيل نقطة استنزاف الاحتياطي خاصة أن السعودية بحاجة ماسّة للأموال بسبب العجز الكبير في موازنتها العامة".
ويرى بعض الخبراء أن المملكة السعودية في "ورطة" شئنا أم أبينا نتيجة الاعتماد كل هذه السنوات على النفط ولا شيء غيره، ويؤكدون أن "الطريقة الوحيدة للاستفادة من بيع أسهم أرامكو كلها أو بعضها هو تأسيس قاعدة صناعية حقيقية وخلق فرص عمل جديدة والاستثمار في المملكة وليس الاستثمار في الخارج"، ويضيف الخبراء "إذا ما نجحت المملكة في ذلك ستبادر إلى بيع المزيد من الأسهم في أرامكو لتوسعة مجالات الاستثمار في الصناعة المحلية كما تفعل كافة الدول الصناعية الكبرى"، ويشير الخبراء إلى أن "الأكيد أن تحديد الأهداف هو خطوة إلا أن العبرة بتحقيق هذه الأهداف".
حرب اليمن والتكاليف الباهظة..
ومن أهم أسباب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المملكة، هو الحرب السعودية على اليمن والتكلفة الباهظة لها، فالمملكة تتحمل لوحدها النسبة العظمى من تكاليف الحرب، فـ"التحالفات العربية أو الإسلامية" التي أنشئت لالتقاط الصور للتسويق السياسي والإعلامي، لن تقف لتساعد المملكة على الخروج من الأزمات الاقتصادية التي دخلت بها جراء قرار الحرب على اليمن، باعتبار أن معظم دول "التحالفات" غير قادرة على إعالت نفسها كي تعيل غيرها، بل أن العديد من هذه الدول دخلت "التحالفات" وقبضت ثمن المشاركة في الحرب وبالطبع من يدفع هو الرياض، بما يحملها المزيد من الأعباء.
فالمملكة السعودية واقعة اقتصاديا بين أمرين في حرب اليمن، هما: انخفاض أسعار النفط وزياد نفقات الحرب ونفقات التسلح التي تحتاجها يوميا، فالمملكة تقود الحرب وتشارك بمئات الطائرات المقاتلة التي تحتاج إلى مصاريف عالية لطلعاتها اليومية، بالإضافة إلى أن الحدود السعودية اليمنية مشرعة أمام "مناوشات" مفتوحة مع اليمنيين الذي سيدافعون عن أنفسهم طالما الحرب تشن عليهم وهم لن يجددوا أفضل من الرد على القرى والمدن والمواقع السعودية القريبة من الحدود إذا ما استمرت الحرب وبالتالي هناك أضرار لا تتوفر معلومات دقيقة حول حجمها، إلا أنها تقع وتساهم في ضغوط مالية واقتصادية إضافية على الرياض.
وبعض المصادر تشير إلى أن "تكلفة الحرب على اليمن وصلت في نهاية العام 2015 إلى نحو 40 مليار دولار تتضمن تكاليف تشغيل 175 طائرة مقاتلة وتزويدها بالذخائر وتكلفة وضع 150 ألف جندي سعودي في حالة استنفار تحسبا لاحتمالات توسيع نطاق الحرب".
علما أن المعلومات تلفت إلى أن "السعودية في السنوات الأخيرة قد زادت حجم إنفاقها العسكري بشكل غير مسبوق حتى وصل خلال مطلع العام 2016 إلى أكثر من 81 مليار دولار ليشكل ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم"، وهذا ما يفسر كلام ولي ولي العهد السعودي عن "امتعاض" من ارتفاع تكلفة التسلح والسعي عبر "رؤية 2030" للوصول إلى صناعة عسكرية سعودية قد توفر بعضا من النفقات، إلا أن الأكيد أن تعديل بعض السياسات السعودية في شن الحروب على الدول الجارة والصديقة سيخفف الكثير من التبعات السلبية لا سيما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي.
أثر الأزمة على الشركات والأفراد..
وبالحديث عن الأزمة الاقتصادية السعودية لا بد من الإشارة إلى وقوع شركات كبرى في المملكة في "ورطة" منها شركة "بن لادن" ذائعة الصيت، والتي واكبت المملكة السعودية منذ تأسيها وواكبتها في كل مراحلها، ويرد البعض تدهور حالة هذه الشركات إلى "التضييق عليها من قبل السلطات المعنية بحجج متعددة رغم أن هذه الشركات شكلت في العديد من المحطات من تاريخ المملكة رافعة لاقتصادها وإخراجها من الكثير من الأزمات بينما اليوم يتم القضاء عليها تدريجيا، بما يشكل ضربة قاسية للاقتصاد السعودي".
مع استمرار الحرب على اليمن وزيادة نفقات التسلح وبقاء أسعار النفط منخفضة تتزايد التأثيرات السلبية على الاقتصاد السعودي، ويزيد الأمر سوءا بتزايد التوقعات بتراجع معدلات النمو، وبالطبع في ظل كل هذه الأزمات التي تعاني منها المملكة سنجد عجزا في موازنتها، ما سينعكس مستقبلا على حياة المواطن مباشرة، لأنه هو من سيتحمل أي ضرائب جديدة ستفرض عليه وعلى كاهله سيقع عبء رفع الدعم عن أي سلعة أو مادة أساسية في البلاد، وبالطبع أن ذلك سببه الأول والأخير السياسات الداخلية والخارجية التي تتخذها السلطات المعنية، والتي تحتاج إلى وقفة مسؤولة لتصحيح المسارات وتصويب السياسات بدل اتخاذ القرارات الارتجالية والمتسرعة والآنية والهروب إلى الأمام للتعمية على المشكلة الحقيقية.
أضيف بتاريخ :2016/05/16