تقرير خاص: #البحرين الأولى بسحب الجنسية.. وداعا للمواطنة!!
تزداد يوما بعد يوم التساؤلات عن مدى احترام حقوق الإنسان في البحرين، في ظل مؤشرات تعبر عن إمعان السلطات الحاكمة هناك بضرب كل القوانين والأعراف الدولية في مجال الحريات والحقوق الأساسية للبشر، ففي حين ترتفع الأصوات السلمية للمطالبة بالحقوق المشروعة للإنسان في البحرين ما تزال قضية سحب الجنسية أو إسقاطها أحد أبرز معالم الانتهاك الفاضح للحقوق هناك.
والجنسية هي "رابطة أصلية" بين الدولة والفرد يحكم القانون نشأتها ويحدد آثارها ولكل إنسان الحق في الحصول عليها ولا يجوز أن يحرم منها تعسفيا، فالحق في الجنسية هو أحد الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، كما أن الجنسية مسألة هامة بالنسبة للفرد باعتبارها حقا من حقوق الإنسان لا يقل عن الحق في الحياة أو الحق في الحرية، فما قيمة حياة الفرد أو دوره ما لم يكن منتميا منذ لحظة ميلاده وحتى وفاته بدولة ما سواء كانت دولته الأم أو دولة اكتسب جنسيتها لأي سبب كان.
إسقاط الجنسية... نتائج غير مبررة وتوسع مفرط
لذلك فإن حرمان الإنسان من الجنسية يخالف القانون الدولي والاتفاقيات الراعية للحقوق، وهي تكاد تكون بمثابة "إعدام" معنوي لمن تسقط جنسيته أو تسحب منه لا سيما إذا كانت هذه هي جنسية موطنه وموطن أجداده وآبائه، وبالأخص إذا لم يكن يحمل جنسية أخرى، باعتبار أن الإنسان سيصبح في لحظة ما لا يرتبط بأي دولة من الدول وليس له صلة تصله ببلده الذي تربى فيه وإليه وينتمي وسيحدث قطع للتواصل والاندماج مع أهله ومجتمعه، فالجنسية هي "جسر عبور" الإنسان إلى الداخل والخارج من دونها لن يستطيع التحرك بحرية تامة، بل ستثار حوله علامات الاستفهام والتساؤلات عن أسباب وجوده دون جنسية، ما يعني أن هذا الإنسان سيتعرض للآلم المستمر بغياب هذه الجنسية.
وما "يزيد الطين بلة" في مجال انتهاك حقوق الإنسان أن تكون قرارات سحب وإسقاط الجنسية مبينة على أسباب سياسية أو دينية وأن تكون سلطة الحاكم أو الدولة استنسابية مطلقة لا يحكمها القانون أو لا يوجد رقابة قضائية أو شعبية على ذلك، فتكون قرارات الحاكم اعتباطية مخالفة لكل القوانين الداخلية والدولية، والحقيقة أن بعض الأنظمة تنبهت لهذا الأمر وصاغت بعض القوانين بشكل برّاق وجميل وضمنتها صيغ ومصطلحات رنانة جاذبة وعملت على تفسيرها على طريقتها وبحسب ما يخدم مصالحها.
وحول التجريد من الجنسية في البحرين، أشارت مصادر قانونية مطلعة إلى أن "حالات تجريد الجنسية البحرينية حسب القانون هناك هي:
- السحب: ويسري على المتجنس في حالات حددتها المادة الثامنة من قانون الجنسية البحرينية، وتسحب الجنسية من دون إرادة المتجنس.
- الفقدان: فقدان الجنسية يكون وفقا للحالات التي حددتها المادة التاسعة من قانون الجنسية وفقدانها يكون بإرادة حاملها.
- الإسقاط : بيّنت المادة العاشرة من قانون الجنسية حالات إسقاط الجنسية، وأجازتها بمرسوم بناء على عرض وزير الداخلية وبعد موافقة مجلس الوزارء، وإسقاط الجنسية تتم دون إرادة حاملها".
وأضافت المصادر أن "ثمة حالة أضيفت إلى حالات إسقاط الجنسية وردت بالمادة (24) مكرر من مرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2013 بتعديل بعد أحكام القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية بأنه بالإضافة إلى العقوبة المقررة، يُحكم بإسقاط الجنسية عن المحكوم عليه في الجرائم المنصوص عليها في المواد من (5) إلى (9) و(12) و(17) من هذا القانون ولا يُنفذ الحكم الصادر بإسقاط الجنسية إلا بعد موافقة ملك البلاد".
واللافت أن المشرع البحريني توسع في حالات تجريد الجنسية خلافا لما نصت عليه الدساتير المتطورة والمواثيق الدولية، فالمشرع لم يكتفِ بإسقاط جنسية من يرتكب "الخيانة العظمى" بحق الدولة وإنما أجاز إسقاط الجنسية بناء على عرض وزير الداخلية وبموافقة مجلس الوزراء في حالات أوردها القانون على سبيل الحصر دون تعليل وإخطار مسبق للفرد المراد إسقاط جنسيته أو حتى إعطائه مهلة محددة لتصحيح أوضاعه والدفاع عن نفسه حول الواقعة المنسوبة إليه ودحضها قبل إصدار المرسوم بتجريده من جنسيته.
لا يجوز ترك الإنسان دون جنسية.. أيا كانت الأسباب
وقالت المصادر إن "المشرع البحريني أعطى السلطة التنفيذية في إسقاط الجنسية سلطة تقديرية مطلقة خلافا لما يقضيه القانون الدولي لحقوق الإنسان"، وأكدت أن "حق الدول في أن تقرر مستقبل رعاياها ليس حقا مطلقا وأنه يجب على الدول بصفة خاصة الإمتثال لالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان فيما يتعلق بمنح الجنسية والتجريد منها".
واعتبرت المصادر أن "قرار إسقاط الجنسية هو إعدام مدني للمسقطة جنسيتهم فكأنما أزيلوا من الوجود القانوني في الدولة وأصبحوا يعيشون وضعا قانونيا ومدنيا مزريا ينبغي الالتفات إليه"، وأكدت أن "إسقاط الجنسية عن المواطن لا يجوز حتى لو ثبتت أحكام قضائية كالمؤبد أو الإعدام"، ورأت أن "هذا الإسقاط والإبعاد هو أصعب من المؤبد أو الإعدام لأنك نفيت أصل انتمائه لوطنه".
وبالأرقام فقد حققت البحرين المرتبة الأولى في سحب الجنسيات في العام 2015 على مستوى العالم، إذ سجلت 208 حالة إسقاط جنسية للمعارضين والنشطاء على خلفية نشاطاتهم وآرائهم المطالبة بالديمقراطية والحرية، بحسب ما كشفت "دائرة الحريات وحقوق الإنسان" في جمعية "الوفاق" البحرينية، في زيادة بلغت 300% مقارنة بالأعوام من 2011 إلى 2014.
وأوضحت "الوفاق" أن "معظم حالات إسقاط الجنسية قامت بها السلطات في البحرين تجاه المواطنين على خلفية سياسية منذ العام 2011 وحتى الآن"، وتابعت أن "غالبية مَن أُسقطت جنسياتهم مِن النشطاء السياسيين والحقوقيين وعلماء دين"، فالسلطات البحرينية يبدو أنها تستخدم "سلاح" التجريد من الجنسية لقمع المعارضين السياسيين والنشطاء الإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان بل وحتى رجال الدين.
وقد وجهت المنظمات الحقوقية الكثير من الانتقادات للسلطات البحرينية حول تجريد مواطنيها من جنسيتهم لما يشكله ذلك من انتهاك لحقوق الإنسان، وفي هذا الشأن سجلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها السنوي مطلع العام الجاري سلسلة كبيرة من تجريد الجنسية في البحرين بقرارات من السلطة التنفيذية.
من كل ما سبق يمكننا الاطلاع على الصعوبات التي يعيشها الشعب البحريني الذي يعيش في ظل استخدامات للقوانين تجعله غير قادر على ممارسات حقوقه الطبيعية بحرية خوفا من تلقيه عقوبات أقل ما يقال فيها أنها غير متوازنة، فالتعبير عن الرأي سيقابله ربما إسقاط الجنسية كسيف مسلط على رقاب البحرينيين، بما يخرق التوازن بين الفعل القانوني المشروع وبين ردات الفعل المتطرفة في كثير من الأحيان والمخالفة للقانون وللأعراف وللمنطق والعقل، وهذا الأداء من قبل السلطات بتجريد المواطن من جنسيته ربما يدل في مكان على ضعف العلاقة التي تربط النظام الحاكم هناك بالشعب، فسرعة سحب الجنسية تظهر مدى هشاشة العلاقة وضعف التعلق بأبناء البلد، ما يرسم علامات استفهام حول العقلية التي تدار بها عجلة الأمور في جزيرة "الحراك السلمي".
إلا أنه من الواجب على السلطات المعنية في البحرين أن تفهم أن بناء الدول لا يتم بسياسة القمع والاضطهاد وكمّ الأفواه والابتعاد عن مشاكل الناس الحقيقية، بل العلاقة بين الدولة والفرد يجب أن تؤسس على الحوار والاستماع للناس والتقرب منهم وفهم ماذا يريدون وتحقيق ذلك، بدل التعاطي معهم بهذه السلبية المفرطة..
أضيف بتاريخ :2016/05/18