#تقرير_خاص: العدو غير المحدود: تحديات إسرائيل في مواجهة العمليات الفدائية الممتدة
فاطمة مويس
تحديد العدو بعدد أو جهة معينة يوفر راحة في مواجهته، إذ يصبح معروفاً ويمكن التعامل معه بفعالية. لكن عندما يتحول العدو إلى خصم غير محدد يخرج من كل زاوية، سواء كانت متوقعة أو غير متوقعة، تتفاقم المشكلة لتصبح عبئاً مرهقاً على المدى الطويل. هذه هي المعضلة التي تواجهها إسرائيل اليوم، والتي تجلت بوضوح بعد عملية جسر الملك حسين، المعروف لدى الأوساط الإسرائيلية بجسر اللنبي، والذي يعد المعبر الوحيد الذي يربط الأردن بالضفة الغربية وتحت سيطرة الجيش الإسرائيلي.
العملية، التي نفذها شاب أردني، هي النقطة الأهم في هذا الحدث، حيث أدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين واستشهاد المنفذ بعد إطلاقه النار من مسدس حربي، قبل أن يلقى وابلاً من الرصاص أرداه شهيداً. حتى أن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي يعتاد يومياً على تقارير الخسائر في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، وصف الحدث بأنه "يوم صعب"، ليس فقط بسبب سقوط ثلاثة قتلى، بل لأن العملية مثلت صفعة غير متوقعة لإسرائيل. إذ يعتبر الأردن بالنسبة لإسرائيل حليفاً آمناً بفضل اتفاقية وادي عربة التي تحافظ الأردن على بنودها، بما في ذلك حماية السفارة الإسرائيلية في عمّان وتأمين عبور البضائع وحماية السياح الإسرائيليين، وحتى اعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية المتجهة نحو إسرائيل.
ورغم أن التقارير الإعلامية تحدثت عن الشهيد ماهر الجازي واصفة إياه بأنه شاب هادئ لم تظهر عليه أي إشارات تدل على نيته تنفيذ عملية فدائية، فإن المشاهد القادمة من مدينة معان الأردنية أظهرت سعادة أهله بما قام به، فالعائلة، التي اعتبرت هذا العمل شرفاً، رأت فيه استمرارية لتاريخها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948، ما يعكس التناقض بين مصالح الحكومة الأردنية وتعاطف الشعب الأردني مع القضية الفلسطينية.
تجدد هذه العملية الحديث عن أن مثل هذه العمليات الفدائية قد تكرَّر بأيدي أردنيين أو غيرهم في المستقبل، على غرار ما حدث سابقاً في مصر، حيث نفذ شرطي مصري عملية قتل فيها ثلاثة جنود إسرائيليين على الحدود قبل "طوفان الأقصى" بأربعة أشهر، كما أقدم ضابط مصري آخر على قتل سائحين إسرائيليين في الإسكندرية بعد يوم واحد فقط من انطلاق عملية طوفان الأقصى. هذه العمليات أثارت قلق إسرائيل ودعتها لاتخاذ تدابير مشددة للحد من تأثيرها.
غير أن مواجهة هذه العمليات لا يتم إلا بزيادة الحصار الذي تفرضه حكومة نتنياهو على نفسها، في محاولة لاستنزاف قدراتها لمراقبة الأوضاع في مختلف أنحاء العالم، فقد أشار نتنياهو في تعليقه على العملية إلى أن "إسرائيل محاطة بأيديولوجية قاتلة يقودها محور الشر الإيراني"، وهو في جانب منه صحيح، فـ"إسرائيل" محاطة بأعداء يرغبون في الانتقام منها، مدعومين بقوة من إيران، وهي حقيقة تدركها دول المنطقة التي ترى في هذه العمليات رداً طبيعياً على العدوان الإسرائيلي، وتفهم أن الخطر قد يطالها في حال التخلص من غزة والضفة وجنوب لبنان، وفق المخطط الإسرائيلي.
تأتي هذه العمليات، التي تعرف بـ"عمليات الذئاب المنفردة"، كاستراتيجية مؤثرة في الداخل الإسرائيلي. فقد استخدمت بكثرة في الأراضي المحتلة قبل عام من انطلاق "طوفان الأقصى"، حيث قام عناصر فلسطينيون بتنفيذ هجمات فردية استهدفت الجنود والمستوطنين الإسرائيليين. هذه العمليات تمنح المقاومة في غزة دفعاً معنوياً كبيراً، خاصة في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تتوانى عن استخدام مختلف أنواع الأسلحة.
وقد أشادت الفصائل الفلسطينية بهذه العملية، حيث قال أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام: "مسدس البطل الأردني في نصرة الأقصى كان أكثر فعالية من جيوش جرارة"، في إشارة إلى أن المستقبل قد يحمل مزيداً من العمليات غير المتوقعة من جهات غير متوقعة. كما أكدت حركة الجهاد الإسلامي أن العملية هي "أصدق تعبير عن نبض الشعب الأردني والشعوب العربية والمسلمة تجاه مجازر العدو".
في ظل هذه التطورات، يبدو أن تنفيذ مثل هذه العمليات الفدائية، التي يعلم منفذوها أنها ستكون لحظاتهم الأخيرة في الحياة، قد يفتح باباً جديداً من المواجهة، ليشكل تحدياً أكبر لـ"إسرائيل"، ويمتد ليشمل العالم بأسره.
أضيف بتاريخ :2024/09/10