#تقرير_خاص: مشروع الجسر العلوي في جدة: تحسين البنية التحتية أم انتهاك لحقوق المواطنين؟
رضوى العلوي
في خطوة جديدة من خطوات التوسع العمراني والتطوير في مدينة جدة، أعلنت أمانة جدة عن إنشاء جسر علوي في منطقة حي الربوة بهدف تخفيف الاختناقات المرورية عند تقاطع طريق الأمير ماجد مع طريق صاري. المشروع، الذي يعد جزءاً من خطط استراتيجية تستهدف تحسين تدفق الحركة المرورية، يحمل أبعاداً متباينة لدى السكان، إذ إنه سيؤدي إلى إزالة عدد من العقارات السكنية، ويهدد بتحويل حياة عشرات العائلات إلى فصول جديدة من المعاناة.
إن مشكلة الازدحام المروري تعتبر هاجساً مشتركاً في المدن الكبرى، وجدة واحدة منها، حيث يتطلب الحل في معظم الأحيان التخطيط لمشاريع بنية تحتية تعزز تدفق السير وتقلل من زمن التنقل. غير أن هذه الحلول، على الرغم من أهميتها، تصبح مثاراً للجدل عندما تتعارض مع حقوق المواطنين في امتلاك واستثمار أراضيهم وعقاراتهم. وبينما يتفاخر مسؤولو أمانة جدة بخطوة كهذه باعتبارها “حلولاً استراتيجية”، فإن ما يطرح من تساؤلات مشروعة حول التعويض العادل أو التأثيرات الاجتماعية لهذه المشاريع لا يبدو أنه يلقى الاستجابة الكافية، أو حتى آليات التواصل المناسبة بين المواطن والجهات التنفيذية.
وبالنظر إلى مشاريع التطوير السابقة، يمكننا الاستشهاد بما شهدته الواجهات البحرية بجدة. فقد قامت الأمانة خلال الأشهر الأخيرة بإزالة عدة مواقع في واجهة شرم أبحر الشمالية، واصفةً إياها بـ”التعديات”، رغم حصولها على تراخيص قانونية كعدادات الكهرباء والمياه. هذا التجاهل لحقوق المواطنين القانونية يعكس نهجاً مقلقاً في التعامل مع الممتلكات الخاصة، ويفتح الباب لتساؤلات عديدة حول حقوق المواطنين المتضررين وحقوقهم في التعويض العادل.
يُثار هنا سؤال حقيقي عن الحد الفاصل بين تحقيق الصالح العام وبين المساس بالملكية الخاصة. إذ يشدد الكثير من المتضررين على ضرورة إيجاد حلول بديلة تراعي الاستفادة من البنية التحتية دون الإضرار المباشر بأرزاق الناس ومنازلهم. وإن كان هذا المشروع وغيره من مشاريع الإزالة في جدة تستند إلى مبررات تهدف لخدمة الحركة المرورية والسكان على المدى الطويل، فإن البدائل التي تحترم كرامة المواطن وحقوقه تبدو مطلباً ضرورياً لتحقيق العدالة وضمان الشفافية.
كما أن المفارقة تكمن في أن بعض المتضررين من المشروع الجديد في حي الربوة هم ممن امتلكوا عقاراتهم لسنوات، وكانت تتسم بالشرعية الكاملة عبر التراخيص الرسمية، سواء كانت تراخيص كهرباء أو مياه، مما يجعل من الصعب تفسير إزالتها على أنها "تعديات" بين عشية وضحاها. فهل يمكن لهذه العقارات، التي شُيدت بأيدٍ سعودية وصمدت طوال هذه السنوات، أن تُصبح فجأةً مبرراً لمشاريع تُنفذ على حساب استقرارها وسكانها؟
وبينما تصرّ أمانة جدة على أن هذه المشاريع تأتي ضمن خططها لتوسيع البنية التحتية وتلبية احتياجات المواطنين، فإن الأهمية القصوى اليوم تكمن في الاستماع الجاد للمواطنين، وإعطائهم أولوية قصوى في الحوار حول آلية تنفيذ هذه المشاريع. إن التعويض العادل والمشاورات الفعّالة مع المتضررين يجب أن يكونا من أهم أسس أي مشروع تطويري يتناول حياة الأفراد واستقرارهم.
ختاماً، تظل مثل هذه المشاريع مؤشراً على طموحات المدن السعودية في التوسع والتطور، لكن نجاحها الحقيقي يعتمد على مدى قدرتها على إيجاد التوازن بين التنمية الحضرية والحفاظ على حقوق المواطنين.
أضيف بتاريخ :2024/10/29