التقارير

#تقرير_خاص: المراوغة الأميركية في مبيعات الأسلحة للسعودية

فاطمة مويس

في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية موافقتها على صفقة بيع صواريخ "تاو" المضادة للدبابات للسعودية، بقيمة تصل إلى 440 مليون دولار، مما يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول طبيعة العلاقة الأميركية السعودية، وتناقضها مع الخطاب المعلن بخصوص إنهاء النزاع في اليمن.

كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد تبنت في بداية عهدها موقفًا حازمًا يقتضي بوقف مبيعات الأسلحة الهجومية للسعودية، في إشارة إلى الرغبة في الضغط على المملكة للحد من الأعمال العسكرية في اليمن، كما نددت في الوقت ذاته بجرائم الحرب في تلك الساحة التي تشهد أسوأ أزمة إنسانية في القرن الحالي. إلا أن هذه الصفقة، والتي تشمل صواريخ تاو، تشير إلى تراجع ملحوظ عن هذا التعهد، مما يثير التساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بتبني سياسة متسقة في مبيعات الأسلحة، ومدى صدق نواياها حول وقف الأعمال العسكرية التي لا تزال قائمة في اليمن.

لا يبدو أن واشنطن اليوم، كما في الماضي، قد تخلت عن نهجها في الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع السعودية من خلال دعمها عسكريًا. فمثل هذه الصفقات تتيح لها الإبقاء على هذا الحليف القوي في المنطقة ضمن دائرة مصالحها، وبشكل يوفر لها أوراقًا للضغط في قضايا سياسية وأمنية عدة. ويرى البعض أن توقيت صفقة بيع صواريخ "تاو" ليس عشوائيًا، بل يرتبط بتداعيات سياسية وأمنية ناشئة في المنطقة، خصوصًا في ظل توتر الأوضاع مع فصائل المقاومة المختلفة، والتي قد تكون السعودية مرشحة للعب دورٍ مواجه في التصدي لها، وفق حسابات أميركية طويلة الأمد.

يبدو أن تراجع الولايات المتحدة عن ضغوطها السابقة بشأن اليمن يكشف عن مراوغة ضمنية تجاه قضايا حقوق الإنسان، والتي قد لا تكون في الواقع إلا أداة ضغط مؤقتة تستخدم حسب المصلحة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحليف قوي في الخليج مثل السعودية. ولعل الصفقة، برغم قيمتها الكبيرة، تحمل رسائل تطمين أكثر من كونها حاجة سعودية ملحّة للأسلحة، إذ يشير البعض إلى أن واشنطن أرادت إيصال رسالة للرياض تؤكد استمرار الدعم في وقت تحاول فيه الدولتان رأب صدع علاقتهما بعد توترات ملف النفط وأسعاره في السوق العالمية.

لكن هذا الدعم، وإن كان في ظاهره تعبيرًا عن "شراكة استراتيجية"، ينطوي على مخاطر واضحة على الأرض في ظل استمرار الصراع في اليمن. إذ إن إعطاء الضوء الأخضر لمبيعات أسلحة هجومية متطورة للسعودية، كتلك التي تضم صواريخ تاو، يبعث برسالة غير مباشرة إلى التحالف الذي تقوده الرياض بأنه ما يزال يتمتع بصلاحيات واسعة لإدارة الصراع وفق شروطه، دون ضغوط ملموسة لإنهاء العمليات العسكرية أو العمل على تحسين الظروف الإنسانية.

ختامًا، إن السياسة الأميركية تجاه مبيعات الأسلحة، خصوصًا في هذا التوقيت، تفضح ازدواجية واضحة في التعامل مع قضايا الحرب والسلام، حيث تغلب المصالح الجيوسياسية على مبادئ حقوق الإنسان. ويبدو أن واشنطن لم تتخلَ عن فلسفتها في تزويد شركائها في الشرق الأوسط بأدوات العسكرة دون تحمّل تبعاتها، وهي مراوغة يدفع ثمنها المدنيون في اليمن الذين يُطالب العالم بوقف معاناتهم، بينما يستمر الدعم الأميركي، عبر هذه الصفقات، في إذكاء نيران الحرب الدائرة منذ سنوات.

أضيف بتاريخ :2024/10/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد