#تقرير_خاص: ترامب والخداع الأخلاقي في الخليج: عندما تتجاهل المصالح الإنسانية الربح المادي

علي الزنادي
تُعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج واحدة من أكثر اللحظات إثارة للجدل في السياسة الدولية، حيث تزامنت مع توقيع اتفاقيات بمئات المليارات من الدولارات، بينما غابت عنها أصوات حقوق الإنسان والعدالة. في ظل هذا المشهد، برزت حقيقة مؤلمة: أن المصالح الاقتصادية تتفوق على المبادئ الأخلاقية، وأن حقوق الإنسان تُهمش أمام جداول الأرباح.
خلال فعاليات الرياض، كانت القاعات تعج بالتوقيعات على صفقات ضخمة، لكن الخطاب الرسمي تجاه حقوق الإنسان كان غائبًا تمامًا. النشطاء الحقوقيون اعتبروا أن هذه الزيارة كانت بمثابة "غسيل علني" لوجهة نظر النظام السعودي، حيث لم يُذكر اسم حقوق الإنسان أو يُناقش أي من قضايا المعتقلين أو انتهاكات الحريات. هذا التجاهل يعكس بشكل صارخ أن السياسة الأمريكية أصبحت أداة لتحقيق المكاسب المالية على حساب المبادئ الإنسانية.
عائلة المعتقلين السعوديين عبّرت عن ألمها عبر وكالات الأنباء، حيث أشار بعضهم إلى أن الزيارة أرسلت رسالة خاطئة لكل الطغاة حول العالم: يمكنهم القتل والقمع طالما لديهم المال الذي يدفعونه. الباحث عبد الله العودة، نجل الداعية سلمان العودة المعتقل منذ سنوات، أكد أن مثل هذه الزيارات تعطي انطباعًا بأن القمع والتنكيل يمكن أن يُقابل بالصمت والتجاهل إذا كانت هناك مصالح مالية مشتركة.
أما بالنسبة للأمريكيين أنفسهم، فهناك من يعاني من آلام أسرته التي تعاني في سجون السعودية. إبراهيم الماضي من فلوريدا حاول مرارًا إقناع إدارة ترامب بالضغط على السعودية لإطلاق سراح والده المحتجز بسبب منشوراته النقدية للحكومة السعودية، لكنه فشل في ذلك. هذا يعكس مدى تسييس قضية حقوق الإنسان وتسييرها وفقًا للمصالح السياسية والاقتصادية.
وفي سياق آخر، أثارت انتقادات واسعة بيع واشنطن تقنيات الذكاء الاصطناعي للسعودية رغم استخدامها في مراقبة وقمع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. هذا التناقض يكشف عن ازدواجية المعايير التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع قضايا حقوق الإنسان؛ فهي تدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان عالميًا، لكنها تتعامل معها بشكل انتقائي عندما تكون المصالح المالية على المحك.
هذه الزيارة ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر؛ إنها لحظة كاشفة لمدى تدهور القيم الأخلاقية في السياسة الأمريكية الحديثة. إذ يبدو واضحًا أن الأخلاق لا مكان لها حين تكون التجارة والأرباح على الطاولة. التعاون مع أنظمة مشكوك في شرعيتها أصبح أمرًا مقبولاً طالما أنه يدر أرباحًا ضخمة.
وفي النهاية، فإن ما حدث خلال هذه الجولة الخليجية يسلط الضوء على ضرورة إعادة تقييم السياسات الدولية التي تتجاهل حقوق الإنسان لصالح المكاسب الاقتصادية. فالمبادئ الإنسانية ليست سلعة تباع وتشترى حسب الحاجة؛ بل هي أساس العدالة والكرامة الإنسانية التي يجب أن تحترم وتُحفظ بغض النظر عن الأرباح أو الخسائر.
إنه وقت يتطلب وقفة جادة لإعادة الاعتبار للقيم الأخلاقية في السياسة الدولية، قبل أن تصبح التجارة والمال هما المعياران الوحيدان للحكم على الشرعية والصواب. فحقوق الإنسان ليست خيارًا سياسيًا يمكن التنازل عنه مقابل حفنة دولارات؛ بل هي أساس بناء عالم أكثر عدلاً وإنسانية للجميع.
أضيف بتاريخ :2025/05/19