#تقرير_خاص: مشروع نيوم تحت مجهر الحقوق

عبدالله القصاب
منذ أن أعلنت المملكة العربية السعودية عن مشروع نيوم كركيزة لرؤية 2030، شُغل العالم بوعود المدينة المستقبلية، التي ستجمع بين التقنية والبيئة والاقتصاد المتنوع. غير أن ما كشفته صحيفة "ذا صن" البريطانية مؤخراً حول ظروف العمل المروعة التي يعيشها آلاف العمال، أعاد تسليط الضوء على جانب مظلم في هذه الطموحات البراقة.
تقرير الصحيفة البريطانية أشار إلى وفاة أكثر من 21 ألف عامل أثناء تنفيذ المشروع، في ظروف توصف بأنها أقرب إلى "حقل ألغام بشري" لا يرحم. من السقوط من ارتفاعات شاهقة، إلى الصعق الكهربائي، بل وحتى حوادث قطع الرأس، كل ذلك يكشف عن قصور خطير في إجراءات السلامة المهنية، ويطرح تساؤلات ملحة حول قيمة الإنسان مقابل البنيان.
ما هو أكثر فداحة، أن كثيراً من هذه الحوادث لم يُعلن عنها رسميًا، وبعضها جرى تمريره كـ"حوادث عمل روتينية"، في تجاهل فج لمعاناة بشرية لا يمكن تبريرها، مهما بلغت قيمة المشروع المالية أو الاستراتيجية.
تُطرح هنا تساؤلات مشروعة: أين الرقابة؟ من يراقب سلامة هؤلاء العمال؟ وهل يُعقل أن يُبنى مشروع بموازنة وصلت — حسب تقارير — إلى 8.8 تريليون دولار، فيما يُحرم العامل من خوذة آمنة أو قسط من الراحة؟
إن مشاهد المعاناة التي نقلها التقرير، من العمل في درجات حرارة قاسية، لساعات طويلة، ودون فترات راحة كافية، تحيلنا إلى ما يشبه نظام العمل القسري المقنع، حيث يتحول الحلم العمراني إلى كابوس إنساني.
هؤلاء العمال، معظمهم من العمالة الوافدة، بعيدون عن أسرهم، يواجهون الموت كل يوم، فيما يُحتفى فوق رؤوسهم بمدينة "ذكية" تُباع بوصفها الحلم الحضاري القادم. لكن، هل يُمكن أن يكون المستقبل مزدهرًا على حساب الحاضر الموجع؟
ما يحدث اليوم في نيوم يضع المنطقة كلها أمام اختبار أخلاقي وقانوني، فـحقوق العمال ليست ترفاً، بل شرط لأي مشروع يُفترض أنه يمثل التقدم والإنسانية. ولا يمكن أن يُغض الطرف عن آلاف الأرواح التي تُزهق في صمت، لمجرد أنها لا تملك صوتاً إعلامياً أو نفوذاً سياسياً.
الدعوات التي أطلقتها منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية لفتح تحقيق مستقل وشامل، ليست مطالبة "سياسية"، بل ضرورة إنسانية. فكل من شارك أو سكت عن هذا الإهمال مسؤول أمام القيم، كما أمام القانون.
مشروع نيوم قد يكون معجزة هندسية، لكنه الآن بحاجة لمعجزة أخلاقية، تعيد الإنسان إلى مركز الأولوية. فـلا قيمة لأي حضارة إن لم تكن تقيم وزناً للكرامة البشرية.
في النهاية، نحن أمام مفترق طريق: إما أن يتحول مشروع نيوم إلى نموذج للتقدم العادل، أو إلى شاهد صامت على أكبر مأساة إنسانية في تاريخ العمران الحديث. فـهل آن الأوان لتعلو أصوات الضحايا على ضجيج الرافعات؟
أضيف بتاريخ :2025/05/22