#تقرير_خاص: الهدم الممنهج في القطيف: استهداف الهوية والتاريخ تحت غطاء التنمية

علي الزنادي
في ظل الأضواء التي تركز على المشاهد الدامية في غزة، قد يغيب عن أذهاننا أن هناك معاناة مماثلة، بل وأشد قسوة، تجري على أرض القطيف السعودية. فمشهد الهدم الذي يتكرر هناك ليس مجرد عملية تدمير للممتلكات، بل هو استهداف ممنهج لهوية شعب أصيل وتاريخ عريق.
تداولت لقطات مصورة تظهر تدفق عشرات الآليات الجرافة نحو شارع الثورة، أحد أهم شرايين المدينة التاريخية. هذا الشارع الذي يضم أحياءً سكنية عريقة وأخرى حديثة، يسكنها عشرات الآلاف من السكان الأصليين الذين يواجهون اليوم تهديدًا مباشرًا لمصدر رزقهم وذاكرتهم الجماعية.
ولم تقتصر عمليات الهدم على الشوارع فحسب، بل امتدت إلى مزارع تقع في شارع الإمام زين العابدين جنوب غرب القطيف. هذه المزارع ليست مجرد أماكن للزراعة، بل رموز لتراث المنطقة وارتباطها العميق بأهلها وتاريخهم الزراعي الممتد عبر الأجيال.
وفي سياق متصل، توغلت جرافات النظام في حي المسعودية جنوب شارع الثورة، ضمن ما يُعرف بـ"المرحلة الثانية" من خطة الهدم. هذا التوسع يعكس نية مبيتة لتفتيت النسيج الاجتماعي وإعادة تشكيل معالم المدينة وفقًا لأجندة سياسية وطائفية واضحة.
على مر السنين، ارتكب النظام السعودي جرائم هدم وتهجير طالت العديد من المناطق ذات الطابع التاريخي والثقافي في القطيف. ففي حي المسوّرة عام 2017، وفي الزارة عام 2019، ثم في حي الديرة بجزيرة تاروت بين 2018 و2021، وأخيرًا هدم المنازل التراثية في القديح بين 2016 و2020. كلها حلقات من مسلسل التهجير المنظم الذي يستهدف طمس معالم الهوية الأصيلة.
ما يحدث اليوم يتجاوز مجرد عمليات هدم عشوائية؛ فهو جزء من استراتيجية ممنهجة تستهدف محو هوية أهل القطيف لأسباب طائفية وعنصرية واضحة. الهدف هو فرض هوية نجدية بديلة تتنكر لتاريخ المنطقة وتراثها الثقافي والاجتماعي العريق.
هذه السياسات لا تقتصر على تدمير المباني فحسب، بل تسعى إلى إذابة الروابط الاجتماعية والذاكرة الجماعية للسكان الأصليين. فهي محاولة لإقصائهم وإحلال ثقافة جديدة تتناغم مع مشروع التغيير القسري الذي تسعى إليه السلطة.
وفي ظل هذه الأحداث المؤلمة، يبقى السؤال الأهم: إلى متى ستظل أصوات السكان الأصليين صامتة أمام هذا العدوان المستمر؟ وهل ستتحرك الجهات الحقوقية والدولية لوقف هذه الانتهاكات التي تمس حاضر ومستقبل شعب بأكمله؟
إن استهداف الهوية الثقافية والتاريخية لشعب ما هو جريمة ضد الإنسانية بحد ذاتها. فالهويات ليست مجرد تراث مادي يُهدَم ويُزال؛ إنها روح الأمة وجذورها التي تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وفي النهاية، فإن مقاومة هذا النهج القمعي تتطلب وعيًا جماعيًا وتصعيدًا دوليًا لفضح السياسات الظالمة التي تنتهك حقوق الإنسان وتعمل على تغييب التاريخ والهوية لصالح أجندات ضيقة ومتصارعة.
إن حماية التراث والهوية ليست مسؤولية السكان وحدهم؛ فهي واجب إنساني وأخلاقي يتطلب تضامن المجتمع الدولي وكل من يؤمن بحق الشعوب في الحفاظ على تراثها.
أضيف بتاريخ :2025/05/27