#تقرير_خاص: السعودية وتحدي إدارة موسم الحج: بين التطوع والإهمال الحكومي

علي الزنادي
شهد موسم الحج هذا العام تصاعدًا ملحوظًا في الاعتماد على العمل التطوعي، في ظل تكرار الانتقادات الموجهة إلى إدارة السلطات السعودية لهذا الحدث الديني الضخم. فبدلاً من التوظيف الرسمي والتخطيط المدروس، لجأت المملكة إلى تكثيف جهود المتطوعين، الذين أصبحوا يشكلون جزءًا رئيسيًا من منظومة الخدمة للحجاج. هذا التحول يثير العديد من التساؤلات حول مدى كفاءة وفعالية هذه الاستراتيجية، خاصة في ظل تزايد حالات الوفاة بين الحجاج.
إعلان السعودية عن "رخصة العمل التطوعي" يعكس رغبتها في تنظيم وتطوير جهود المتطوعين، لكن هل يكفي ذلك لضمان تقديم خدمات آمنة ومنظمة؟ فالمتطوعون، رغم نواياهم الحسنة، يفتقر الكثير منهم إلى التدريب الكافي والخبرة اللازمة للتعامل مع ظروف موسم الحج المعقدة. الأمر الذي قد يهدد سلامة الحجاج ويزيد من احتمالات وقوع حوادث مأساوية.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه السلطات عن مشاركة آلاف الكوادر الصحية والمتطوعين في مواقع حيوية مثل المشاعر المقدسة ومكة المكرمة ومناطق أخرى، تظل الأسئلة قائمة حول مدى كفاءة التنسيق بين هؤلاء المتطوعين والجهات الرسمية. هل هناك خطة واضحة لإدارة هؤلاء الأفراد وضمان استجابتهم السريعة والفعالة في حالات الطوارئ؟
كما أن ارتفاع عدد الوفيات بين الحجاج إلى أكثر من مئتين يُعد مؤشرًا خطيرًا على وجود خلل كبير في إدارة الموسم. فغياب الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية اللازمة، بالإضافة إلى نقص الكوادر المدربة بشكل كافٍ، ساهم بشكل مباشر في تفاقم الأزمة. وهذا يعكس إهمالاً واضحًا من قبل الجهات المسؤولة التي لم تتخذ التدابير الضرورية لحماية ضيوف الرحمن.
أما فيما يتعلق بالمبالغ المالية التي تُنفق على تنظيم الحج وخدماته، فهي تثير تساؤلات حول مدى الشفافية والكفاءة في إدارة هذه الأموال. إذ يبدو أن هناك فجوة كبيرة بين ما يُصرف وما يُقدم من خدمات حقيقية وفعالة للحجاج، خاصة مع استمرار حالات الوفاة والإصابات التي يمكن تجنبها لو كانت هناك إدارة أكثر احترافية.
وفي سياق متصل، فإن الاعتماد المفرط على العمل التطوعي قد يؤدي إلى تقليل فرص التوظيف الرسمي وتوفير وظائف ثابتة للعاملين المختصين الذين يمتلكون الخبرة والكفاءة اللازمة لإدارة موسم الحج بشكل آمن وفعال. وهو ما يطرح تساؤلاً حول مستقبل القطاع الوظيفي المرتبط بالحج وكيفية تطويره بما يتوافق مع حجم المسؤولية والأمان المطلوب.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتغير السياسات الحالية لتوفير بيئة أكثر أمانًا وتنظيمًا للحجاج؟ أم أن الاعتماد على التطوع سيظل هو الحل السحري الذي يخفي وراءه قصور الإدارة وضعف التخطيط؟ إن موسم الحج هو مناسبة دينية ووطنية عظيمة تتطلب أعلى درجات التنظيم والمسؤولية لضمان سلامة ضيوف الرحمن.
ختامًا، فإن ما يحدث هذا العام يدعو إلى وقفة جادة وإعادة تقييم شاملة لأساليب إدارة موسم الحج. فالأمان والصحة هما أولويات لا يمكن التهاون فيها، ويجب أن تكونا دائمًا على رأس جدول الأعمال الحكومي لضمان أداء مناسك الحج بسلام وأمان للجميع.
أضيف بتاريخ :2025/06/11