تقرير خاص: تعرّي سعودي واشمئزاز أميركي في ’الوقت بدل الضائع’
عرت المملكة السعودية نفسها خلال حقبة الرئيس الأميركي باراك أوباما عسكرياً وسياسياً في سياستها تجاه "حلفائها" التقليديين، خصوصاً في سوريا واليمن، في حين تبحث في الوقت بدل الضائع، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، عن "بدائل" للارتكاز عليها، لعل "إسرائيل" محورها الجديد. ثمة تهويل يحكيه المسؤولين السعوديين وإعلام الديوان الملكي، عن القدرات السعودية السياسيّة والعسكرية لتولي قيادة حلفاء الولايات المتحدة في ظل انكفاءها التدريجي عن المنطقة، واعتمادها على تحالفات دولية وعسكرية وإسلامية وعربية. حماس سعودي بتحقيق ما لم تستطع تحقيقه أميركا والغرب في المنطقة طوال سنين، هو أشبه بـ"حبوب المورفين" للأنظمة الخليجية وشعوبها وماكيناتها الإعلامية، التي باتت تعلم بحجم الفقاعة المتضخمة.
تطرح المملكة السعودية أنفسها من جديد، وبصيغة جديدة، كعنصر قوي يمكن الاتكال عليه، بعد تجربتين مريرتين لها في سوريا واليمن. تصريحات المسؤولين السعوديين والإعلام السعودي الأخيرة، بدت خليطاً من التناقضات العجيبة، من تصريح وزير الخارجية "عادل الجبير" بالاعتراف بـ"أنصار الله" كمكوّن يمني، بعد عام من الحرب على "الذراع الإيراني" في البلد الجار، واختصاره مشكلة السعودية مع الرئيس السوري بشار الأسد بتحالفه مع إيران، بعد أعوام خمس من دعم التنظيمات الإرهابية واتهامه بالديكتاورية وقتل الأبرياء والثوار و"الكفر"؟
منذ بدء الأزمة في سوريا، دخلت المملكة السعودية فيها وقادت دول الخليج معها، وتولى الأمير بندر بن سلطان نقل المقاتلين المتطرفين من كل أرجاء العالم إلى البلاد، مصحوباً بدعم استخباري وسياسي ومادي ومعنوي، بهدف إسقاط نظام الأسد. عمل بن سلطان سنوات في سوريا، من دون أن يحقق أي انجاز سياسي أو عسكري حقيقي، إلى أن تمت تنحيته من منصبه كرئيس جهاز المخابرات، في حين شكّل تعيينه في العام 2012، بحسب مراقبين غربيين، انعكاساً لسياسة الملك عبدالله آنذاك تجاه قضيتين رئيسيتين وهما: موقفه المتشدد ضد النظام السوري، وعزمه على إحباط ظهور إيران كقوة إقليمية مسلحة نووياً، لكنّ النتيجة كانت بعد ثلاثة سنوات وأكثر، من العمل المستميت لإسقاط الأسد ، إلا أنّ "نظام الأسد" مازال متماسكاً ومتقدماً ضد الجماعات المسلحة، وأنّ إيران باتت أمام "فرصة إقتصادية فريدة" بحسب "صندوق النقد الدولي" أمس، بعد أن وقعت الاتفاق النووي مع الغرب وباتت قوة إقليمية مسلحة نووياً (وفقاً لحسابات المملكة السعودية).
وعلى الرغم من أنّ الجولة في سوريا لم تنته بعد، إلاّ أنّ الدرس الأوّل المتمثل بتجربة بندر، لم يكن هو الوحيد، فثمة صراعات كثيرة ظهرت في سوريا، عرّت المملكة من "العباءة الخليجية". بدت هشاشة "العباءة" أكثر وضوحاً خصوصاً حول التدخل الروسي وطرح مصير الأسد في مباحثات جنيف، فعندما عارضت الرياض التدخل الروسي، كانت الإمارات مرتاحةً له، كونها انسجمت مع الموقف المصري حول مصير الأسد، بأنّ بقاءه أو رحيله يقرره الشعب السوري فقط، وهو موقف على طرف نقيض مع الموقف السعودي الذي يشدد على الرحيل كشرط للحل السياسي.
الهاجس من فشل مشروع إسقاط سوريا - الأسد، كان سبباً إضافياً بالنسبة لقطر، قالها رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم للملك عبدالله منذ بداية الأزمة، مبلغاً إياه بأنّ الفشل محتمل، وأنّ ذلك، سيجلب أخطاراً كبيرة لدول الخليج، وفي مقدمتها السعودية وقطر إذا لم تقدم بعض التنازلات، وهو ما حصل تماماً، حيث بدأت التنظيمات المسلحة بخرق أمن دول الخليج وفي مقدمتها المملكة السعودية، بعد أن شعرت هذه التنظيمات بأنّ رعاتها تخلوا عنها، وأنّ النظام السوري وحلفائه ماضون في إجهاض محاولة إسقاطه على حسابها وحدها.
ما ظهر في سوريا، ظهر في اليمن كاريكاتورياً ومتضخماً، عمّق العدوان السعودي على البلاد، الهوة أكثر بين دول "التحالف العربي"، وبدت الإفرازات السامّة من تلك الهوة العميقة تخرج أكثر مع استمرار العدوان، وكون المملكة السعودية أكثر عرضةً إلى تكوين العداوات في بلدها الجار، نظراً لتاريخها الطويل من التدخّل والاستثمار السياسي، كانت الأكثر خسارةً من باقي دول الخليج المنضوية في "التحالف".
إلى العلن أكثر ظهر الصراع السعودي - القطري حول "الإخوان المسلمين" والخوف من تنميه نفوذ "حزب الإصلاح" (جناح الإخوان في البلاد)، وهو الحزب الذي اكتسب نفوذاً واسعاً بعد تنحّي الرئيس السابق علي عبدالله صالح من منصبه، وقّعت المملكة السعودية في وسط الهوة بين قطر والإمارات، التي لا تريد للسعودية أن تنجح في اليمن، وهذا ما أشار إليه الكاتب البريطاني "ديفيد هيرست" في مقال له في صحيفة "ميدل أيست آي" في نيسان العام الماضي، حيث عزى الصراع الإماراتي السعودي على اليمن إلى التنافس على قيادة "العالم العربي السني" من خلال السيطرة على اليمن كموقع استراتيجي، وخشيتها من تنامي نفوذ حزب "الإصلاح".
تعرّي المملكة السعودية لم يقتصر في السياسة وإدارة العلاقة مع دول الخليج فحسب، بل إمتدّ على أرض المعركة، وظهر هشاشة قوتها العسكرية، ولعل انتقالها من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع، بعد توغل القوات اليمنية في الداخل السعودي، كان أكبر تأكيد للولايات المتحدة، أنّ هذه المملكة أفلست سياسياً وعسكرياً بعد دخولها في نفق الإفلاس الاقتصادي.
تعلم المملكة السعودية، أنّ أميركا تراقب عن كثب السلوك السعودي في المنطقة، لكنّ المحاولات السياسية و"الإعلامية" للمملكة، لم تستطع إخفاء الإخفاق في قيادة المشروع الأميركي - الأوروبي - الخليجي - التركي في سوريا واليمن والعراق، دفعها ذلك، إلى اللجوء إلى "إسرائيل" وتطبيع العلاقة كملاذ أخير عبر البوابة المصرية، إلى حين "استعادة أميركا من أوباما"، الذي لا يرى في "إسرائيل" خير العلاج، بعد أن قدّم للسلطة السعودية مراراً وصفة الدواء: الإصلاح وترتيب البيت الداخلي والتخلي عن دعم الجماعات الإرهابية في سوريا واليمن والعراق، وبناء علاقة دبلوماسية مع إيران.
عجز المملكة السعودية عن فهم العقلية الأميركية، بدا كلام أوباما بالنسبة له أشبه بكلام منظمات حقوق الإنسان التي لا تنصت إليها المملكة، إلى أن وجدت نفسها أخيراً، أمام خيار وحيد، أن تستمر في تطبيب العلاقة مع أميركا، وتطبيعها مع إسرائيل، وأن تنتظر الإنتخابات الرئاسية الأميركية بعد ستة أشهر، وأن تسعى في الوقت بدل الضائع إثبات الوجود والاستعداد "إعلامياً وسياسياً وعسكرياً".
لم تجد المملكة السعودية حتى الآن، من المرشحين الأميركيين المحتملين من يمكنهم بناء آمالهم عليه، في حين ذهب بعضهم إلى الهجوم على "البقرة الحلوب"، والمطالبة بـ"دفع أتعاب أمن الخليج" كالمرشح الجمهوري دونالد ترامب ذو الحظوظ، أمّا المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ذات الحظوظ أيضاً، دعمت مشروع قانون أقره يوم أمس الأربعاء مجلس الشيوخ الأمريكي، يتيح لضحايا أحداث "11 أيلول العام 2001"، مقاضاة المملكة السعودية وملاحقتها، لدورها الكبير في هذه الاعتداءات، ما يشير بأنّ زمن سياسة غض الطرف الأميركية عن شيطنة "المملكة المدللة" قد ولى إلى غير رجعة.
أضيف بتاريخ :2016/05/21