التقارير

#تقرير_خاص: السعودية بين الطموح الدبلوماسي وكلفة الاصطفاف: أي ثمن لدورها الإقليمي؟

عبدالله القصاب

تواجه المملكة العربية السعودية حالة معقدة من التوازن بين طموحها الدبلوماسي ورغبتها في لعب دور ريادي في الشرق الأوسط، وبين الكلفة السياسية والاقتصادية التي تتطلبها مواقفها المتباينة والمتشابكة. ففي ظل مشاركتها في ما يُعرف بـ “خطة سلام غزة” التي يرعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجد المملكة نفسها تدفع ثمنًا سياسيًا متزايدًا مقابل الحفاظ على حضورها وتأثيرها الإقليمي والدولي.

يعكس ذلك التحدي تمسك السعودية بوساطة عادلة في القضية الفلسطينية، بينما تُفرض عليها في الوقت ذاته تنازلات دبلوماسية لم تُعلن علنًا، ولكنها واضحة في سياق الترتيبات الاقتصادية المعقدة التي تسمح للشركات الأميركية بالسيطرة على مشاريع إعادة الإعمار والتنمية في غزة. يُعتبر هذا “سعر المشاركة” الذي تفرضه واشنطن، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار السعودي في ظل تداعيات الاتفاقات الدولية والتوازنات الإقليمية.

وفي ظل هذه الدينامية، تجد السعودية نفسها عالقة بين رغبتها في قيادة المنطقة وتأمين مصالحها، ورفضها العلني لسياسة الضم في الضفة الغربية. يوضح تقرير “جيروزاليم بوست” أنَّ المملكة تُحاصر بين ضغوط أميركية ترسخ وجودها وتفرض عليها قيودًا معينة، وبين رغبة في إبقاء علاقاتها مع تل أبيب مفتوحة، وهو مسار يهدد بمضاعفاتٍ مستقبلية على استقرارها السياسي والدبلوماسي.

وفي سياق متصل، تبرز مخاوف السعودية من خسارة الدعم الأميركي، خاصة مع تصاعد التداخل بين مصالحها الاقتصادية والسياسية. فهي تدرك أن أي تراجع عن الالتزام أو التردد في ملفات المنطقة قد يعرضها لانتقادات داخلية وخارجية، ويقلل من قدرتها على لعب دور ريادي على الساحة الإقليمية، خاصة في ظل تطلعات ولي العهد محمد بن سلمان لتحويل المملكة إلى قوة إقليمية ذات وزن وتأثير.

لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن التوسع في التزامات السعودية، خاصة في الملفات التي لا تملك مفاتيحها بمفردها، قد يتحول إلى عبء دبلوماسي غير محسوب العواقب. فطموح بن سلمان في لعب دور فعال في استقرار المنطقة وتنميتها، قد يخبُر حدود قدراته إذا اضطرت المملكة إلى التعامل مع مواقف قد تتجاوز مدى قدرتها على التأثير فيها، أو أن تتعرض لضغوطٍ أكبر من قدرتها على التحمّل.

وبهذا الشكل، فإن العلاقة بين الطموح الدبلوماسي والكلفة السياسية والاقتصادية تطرح تساؤلات عميقة عن مدى قدرة السعودية على تحقيق أهدافها في ظل استدامة التوازنات الإقليمية والدولية. فالتمييز بين أن تكون السعودية لاعبًا مستقلًا وفاعلًا، أو مجرد طرفٍ يتلقى الضغوط وفق مصالح قوى أكبر، هو الاختبار الحقيقي الذي تواجهه today.

وفي النهاية، يبدو أن مستقبل السعودية في المنطقة سيعتمد بشكل كبير على قدرتها على إدارة هذه التحديات، سواء من خلال بناء علاقات متوازنة مع القوى الكبرى أو عبر تعزيز سيادتها السياسية والاقتصادية بشكل مستقل. فموقفها من القضية الفلسطينية، وعلاقاتها مع إسرائيل، وحجم التزاماتها الخارجية، جميعها عوامل ستحدد مدى تمسكها بطموحها أو انكفائها أمام التكاليف الباهظة.

أضيف بتاريخ :2025/10/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد