#تقرير_خاص: السودان: أرض الثروات والمناضلين، ومهزلة الصراعات الإقليمية
علي الزنادي
في قلب إفريقيا، يقف السودان شامخًا كبلد غني بثرواته الطبيعية وتاريخ عريق، لكنه أيضًا مسرح للمآسي والصراعات التي لا تنتهي، حيث تستباح دماء الأبرياء، وتُزهق أحلام الملايين من أطفال ونساء وشباب غدٍ أفضل. منذ سقوط مدينة الفاشر بيد قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات، بدأ فصل آخر من معاناة شعب يعاني من ويلات الحروب والصراعات السياسية، على يد ميليشيات لا تعرف الرحمة، وتتمادى في تدمير البشر والحجر.
تُدين المآسي التي حلت بالسودان بوضوح لهيمنة قوى إقليمية ودولية على مقاليد الأمور، حيث يعجُّ البلد بثروات هائلة من المعادن، خاصة الذهب، الذي أصبح عنوانًا رئيسيًا للملاحقة العالمية، خاصة مع تراجع قيمة البترودولار وتغير خارطة الاهتمام الاقتصادي. بينما يطفو السودان على بحر من الثروات، يُشاهد أهله بألم كيف تتصارع القوى الخارجية على نهبه وتحويله إلى ساحة لشهواتها السياسية والاقتصادية، في ظل مؤامرات تحوكها أطراف عديدة، من الإمارات إلى إسرائيل، مرورا بالولايات المتحدة.
تاريخياً، أسست قوات الدعم السريع كميليشيا تابعة للقوات المسلحة الوطنية، وتورطت في أوضاع إقليمية، من مشاركة في حرب اليمن إلى دعمها للمجلس العسكري الانتقالي بعد انقلاب 2019، الذي أطاح بنظام عمر البشير، معتمدين على دعم من السعودية والإمارات. لكن بمرور الوقت، تحولت هذه الأطراف من حلفاء إلى أعداء، فدخلت الخرطوم في نفق من العنف والدمار، حيث تحولت المدن والأرياف إلى مسارح للدماء، والتشريد، والمآسي الإنسانية التي لا ينبغي أن تمر دون أن يتوقف العالم أمامها.
لقد أثبتت الأحداث أن السياسات الخارجية والإقليمية لا تعني شيئًا أمام جثث الأبرياء، حيث تُستخدم هذه الصراعات كوسائل للسيطرة على الثروات، خاصة الذهب والموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر، الذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق حلمه القديم بـ"من النيل إلى الفرات"، من خلال استغلال حالات الضعف والصراعات المستعرة في السودان ودول المنطقة.
الأمر المؤلم أن الشعب السوداني، الذي كان يوماً رمزًا للمقاومة والنضال ضد الاستعمار والديكتاتورية، يُجبر اليوم على فرار من الموت، بينما تتصارع القوى الأجنبية على فتات ثرواته وموقعه. أطفال ونساء يعيشون في العراء، يعانون من الجوع والأمراض، بينما قادة الدول الإقليمية يتقاسمون غنائم الذهب وسط صمت دولي متواطئ، يُشبه إلى حد كبير تهميش قضيته المستمر.
لا يمكن تجاهل أن الصراع في السودان هو صورة مصغرة لنموذج جديد من الهيمنة الدولية والإقليمية، حيث تُستخدم السياسات العسكرية والتدخلات الخارجية لإدامة حالة الفوضى، بهدف السيطرة على الثروات وإضعاف أي مقاومة شعبية. فالحكام المتصارعون وميليشياتهم يدفعون ثمن ذلك حياة أبناء السودان، الذين يضحون بأرواحهم من أجل حلم مقاومة الظلم، بينما يُنصّب الآخرون أنفسهم أسيادًا على مصيرهم.
الواجب اليوم أن يقف المجتمع الدولي عاجزًا أمام هذه المآسي، وأن يعي أن سلام السودان وتطوره مرتبطان باحترام إرادة شعبه، وبوقف التدخلات الخارجية.
أضيف بتاريخ :2025/11/03










