#تقرير_خاص: هل تتراجع قيم أميركا على حساب مصالحها؟ موقف واشنطن من استقبال ولي العهد السعودي يثير التساؤلات
علي الزنادي
تواجه الولايات المتحدة الأميركية انتقادات حادة بعد قرارها استضافة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في زيارتها الأخيرة، في خطوة أوحت بأنها تتناقض مع المبادئ التي تتشدق بها الإدارة الأميركية من الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة. صحيفة واشنطن بوست كانت من أبرز المعترضين على هذا الخيار، معتبرة أن استقبال رجل تورطت تقارير استخباراتها في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي يعكس تراجعًا كبيرًا في القيم والمبادئ التي تصدّرها واشنطن عالمياً.
هذه الانتقادات تأتي في سياق إدانة عميقة لما حدث لخاشقجي، الذي كانت تقارير دولية وأمريكية تشير بشكل قاطع إلى مسؤولية عالية المستوى داخل النظام السعودي، وتُعدّ جريمة قتل ذات دلالات واضحة على انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، فضلاً عن تجاوزات على خلفية حرية التعبير واستهداف المعارضين. ومع ذلك، فإن دلالة استضافة ولي العهد، التي تتزامن مع عشاء رسمي على شرفه، تثير تساؤلات حول مدى التزام أميركا بمبادئها المعلنة.
إقامة هذا العشاء، الذي اعتبرته واشنطن بوست بمثابة تكريم رفيع المستوى لشخصية مثيرة للجدل، يمثل في نظر الكثيرين خطوة درامية نحو إعادة تأهيل ولي العهد، الذي كان يُنظر إليه سابقًا في واشنطن كزعيم منبوذ بعد حادثة خاشقجي. إذ كانت الصورة العامة تسيطر عليها اتهامات مباشرة، وغضب دولي واسع، ومطالبات بمحاكمته، إلا أن السياسة أحيانًا تفرض تنازلات غير متوقعة.
وفي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات حقوقية وإعلامية تطالب إدارة بايدن بوقف مثل هذه اللقاءات والتصعيد على ملف حقوق الإنسان، يبدو أن الحسابات السياسية والاقتصادية تلعب دورًا أكبر في رسم المواقف الأميركية الحالية. فالبترول، والتحالفات الإقليمية، والملفات العسكرية، كلها عوامل تدفع واشنطن في كثير من الأحيان إلى التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان، لصالح مصالحها الذاتية.
وفي هذا السياق، يتساءل الكثير من المراقبين: هل أصبحت أميركا تتخلى تدريجيًا عن قيمها ومبادئها من أجل الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية؟ وهل الدوافع الإستراتيجية تغلب على ضرورة محاسبة منتهكي حقوق الإنسان، خاصة عندما يكون المعنيون شركاء في الأهمية الإستراتيجية؟
ليس من المفاجئ أن تجد جماعات حقوقية ونشطاء سياسيين ينتقدون هذا التوجه، معتبرين أن تبريرات المصالح والأمن القومي لا يمكن أن تكون على حساب العدالة وحقوق الإنسان. إذ يجب أن يكون هناك توازن بين العلاقات الدولية والمبادئ الأخلاقية، لا أن تتطامن المصالح على حسابها بشكل كامل.
وفي النهاية، فإن ما حدث يعكس واقعًا مأساويًا يُظهر كيف يمكن أن تتغير مواقف القوى الكبرى عندما تتداخل المآرب السياسية مع القيم الإنسانية. وإن كان هناك ما يُشجع على الأمل، فهو في دعوات متزايدة لمراجعة السياسات الخارجية الأميركية، بحيث يكون الالتزام بحقوق الإنسان عنصرًا أساسًا في علاقاتها الدولية، وليس مجرد ديكور يستخدم عند الحاجة فقط.
وفي زمن تتشابك فيه المصالح وتشتد فيه التحديات، يظل السؤال مفتوحًا: هل ستظل أميركا وفية لمبادئها أم أنها ستختار دائمًا مصالحها على حساب القيم التي أنشأتها؟ الإجابة ستحدد مستقبل العلاقات الدولية وقيم العدالة والحرية.
أضيف بتاريخ :2025/11/16










