التقارير

#تقرير_خاص: بين المصالح والحقوق: كيف غيّرت إدارة ترامب وجه السياسة الأميركية

علي الزنادي

منذ عقود طويلة، اعتادت الإدارات الأميركية على التعامل مع قادة ذوي سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان، وذلك في سبيل تعزيز مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية. هذا النهج لم يكن جديداً، لكنه بلغ ذروته في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لم يتردد في الدفاع عن شركاء مثيرين للجدل، حتى عندما ارتبطت أسماؤهم بانتهاكات صارخة.

في عام 2018، شكّل مقتل الصحفي جمال خاشقجي اختباراً حقيقياً لمدى التزام واشنطن بقيمها المعلنة. ورغم أن أجهزة الاستخبارات الأميركية خلصت إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان له دور في الحادثة، فإن ترامب اختار أن ينفي ذلك علناً، متجاهلاً التقييم الرسمي، ومفضلاً خطاباً يبرر استمرار العلاقات مع الرياض.

هذا الموقف لم يكن مجرد اختلاف في التقدير، بل كشف عن تحوّل جوهري في السياسة الأميركية تجاه حقوق الإنسان. فبدلاً من الضغط على الحلفاء لتصحيح مساراتهم، اتبعت الإدارة نهجاً يقوم على تبادل المنفعة، حيث تغلب المصالح الاقتصادية وصفقات السلاح على أي اعتبارات أخلاقية أو إنسانية.

اللافت أن ترامب لم يكتف بالدفاع عن شركائه، بل ذهب أبعد من ذلك عبر الإشادة بحكام سلطويين، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة من الداخل والخارج. منتقدوه رأوا أن هذا السلوك يضعف صورة الولايات المتحدة كمدافع عن الديمقراطية ويمنح غطاءً دولياً للأنظمة القمعية.

من منظور أوسع، يمكن القول إن السياسة الأميركية في عهد ترامب جسدت براغماتية مفرطة، حيث لم يعد ملف حقوق الإنسان سوى ورقة ثانوية، تُستخدم عند الحاجة وتُهمّش عندما تتعارض مع المصالح المباشرة. هذا التوجه أحدث شرخاً في الخطاب الأميركي التقليدي الذي طالما قدّم نفسه كحارس للقيم العالمية.

لكن السؤال الأهم يبقى: هل كان ترامب استثناءً أم امتداداً لنهج قديم؟ الواقع أن الإدارات السابقة أيضاً تعاملت مع قادة مثيرين للجدل، غير أن الفارق أن ترامب لم يحاول حتى إخفاء هذا التوجه، بل أعلنه بوضوح، ما جعل التناقض بين الشعارات والممارسات أكثر فجاجة.

هذا التناقض يطرح تحدياً على المدى البعيد، إذ يضعف قدرة واشنطن على ممارسة الضغط الأخلاقي في ملفات أخرى، ويجعل خطابها حول الديمقراطية وحقوق الإنسان أقل إقناعاً لدى الشعوب التي ترى ازدواجية المعايير بوضوح.

في النهاية، يمكن القول إن قضية خاشقجي لم تكن مجرد حادثة مأساوية، بل محطة كاشفة لمدى ابتعاد السياسة الأميركية في عهد ترامب عن قيمها المعلنة. لقد أظهرت أن المصالح، لا المبادئ، هي التي تحدد اتجاه البوصلة، وأن حقوق الإنسان قد تتحول إلى مجرد شعار فارغ إذا تعارض مع حسابات القوة والمال.

وهكذا، يبقى السؤال مفتوحاً أمام الإدارات المقبلة: هل ستعيد الاعتبار للقيم التي طالما تباهت بها الولايات المتحدة، أم ستواصل السير في طريق البراغماتية المطلقة التي رسمها ترامب؟

أضيف بتاريخ :2025/11/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

فيسبوك

تويتر

استبيان