التقارير

#تقرير_خاص: السعودية وواشنطن: لعبة المناورات والضغط على القضية الفلسطينية

علي الزنادي

في خطوة مثيرة لاهتمام المتابعين للأحداث الإقليمية والدولية، شهدت واشنطن الأسبوع الماضي تطورات غير متوقعة على صعيد العلاقات السعودية الأمريكية، حيث خرج ولي العهد محمد بن سلمان بامتيازات واسعة من واشنطن، دون أن يتقدم خطوة واحدة نحو التطبيع العلني مع كيان الاحتلال الإسرائيلي. هذا التحرك يعكس في جوهره استراتيجية سعودية مدروسة، تنظر إلى ملف التطبيع كأداة لعب على جبهة الشرق الأوسط، لا كهدف نهائي بحد ذاته.

لقد أظهر ابن سلمان تمسكه بشرط إقامة دولة فلسطينية كحد أدنى للموافقة على أي تقدم في هذا الملف، وهو موقف يبدو أكثر ممانعة من موقف مبدئي، خاصة وأن الزمن يمر والعواطف تتلاشى، فيما تظل السعودية تتخذ من القضية الفلسطينية ورقة ضغط، أكثر منها قضية ينوي حلها على المدى القريب. الغريب أن التصريحات الرسمية تتناغم مع مواقف داخلية تخاف من رد فعل شعبي قد يكون غاضبًا من أي خطوة تطبيعية دون تحقيق شروط الفلسطينيين، مما يظهر تأثير الرأي العام بشكل واضح على قرارات الرياض.

وفي سياق آخر، تستغل السعودية الصراع الأمريكي-الصيني، لصالحها، في سعيها إلى انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والعسكرية من واشنطن، دون أن تقدم مقابلًا يُذكر. من بين هذه المكاسب، التعاون النووي، والتزويد بأسلحة متطورة، وطائرات مقاتلة، أبرزها F-35، بالإضافة إلى تصنيفها كحليف رئيسي من خارج الناتو. هذه الامتيازات تعكس سياسة السعودية في أن تكون لاعبًا إقليميًا مؤثرًا، يستخدم النفوذ الأمريكي لمراكمة مواقف وقوة داخل المنطقة.

لكن، رغم هذه الحصاد الجزئي للصفقات، يظل هناك قلق إسرائيلي عميق من التوسع السعودي العسكري، ورفع السعودية لمستوى الشراكة مع واشنطن كحليف استراتيجي، دون أن تتقدم خطوة نحو التطبيع مع الاحتلال. فإسرائيل تخشى أن هذا التضييق على الطريق الدبلوماسي يفتح المجال لتحول السعودية إلى قوة إقليمية موحدة، تملك أوراق ضغط أكثر قوة، وتستخدم رصيدها في المنطقة كورقة ابتزاز سياسي، دون دفع ثمن سياسي حقيقي.

أما الشعب الفلسطيني، فإن الثمن الأبرز يظل هو تضييع حقوقه ومصالحه، إذ أن القيادة العربية، وعلى رأسها السعودية، تبدو أكثر اهتمامًا بمراكمة المكاسب على حساب قضيته المركزية، تاركةً الفلسطينيين في مواجهة أزمات داخلية وخارجية بدون دعم كافٍ يُذكر، وكل ذلك تحت ذرائع براغماتية وسياسية مصلحية. وهي لعبة تجعل من قضيتهم قضية لعبة إقليمية ودولية، تخضع لموازين القوى العابرة.

بالنهاية، فإن تطورات الأسبوع الماضي تظهر بوضوح أن السعودية تستخدم الملف الفلسطيني والهدف من التطبيع كورقة ضغط في معادلة النفوذ الإقليمي والدولي، من دون أن تقدم ضمانات حقيقية لتحقيق حقوق الفلسطينيين، أو حتى ضمان استقرار المنطقة. هذا النهج يهدد بتعميق الانقسام، ويعزز دور القوى التي تتربص بالشرق الأوسط لتوظيف صراعاته لصالح مصالحها الخاصة، على حساب الجماعة والاستقرار.

وفي ظلّ هذا المشهد، يبقى الشعب الفلسطيني، وكما هو دائمًا، ضحية سياسة لا ترى إلا مصالح الأفراد والأنظمة، في الوقت الذي تبقى فيه القاعدة الأساسية لنزع فتيل الأزمة، وهي الحقوق الوطنية والعدالة، مغيبة أو مخنوقة تحت ضغط المصالح الدولية والإقليمية.

أضيف بتاريخ :2025/12/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

فيسبوك

تويتر

استبيان