التقارير

#تقرير_خاص: السعودية وإعادة التموضع في لبنان: بين الأدوار الإقليمية والتحديات القادمة

 

عبدالله القصاب

تشهد المنطقة حالة من التموجات المتقلبة على خلفية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، حيث يظهر أن المملكة العربية السعودية تتجه نحو إعادة تموضع استراتيجي يعكس طموحاتها في استعادة حضورها الإقليمي بشكل أكثر فاعلية. وفقًا لما أشار إليه موقع THE CRADLE، فإن السعودية دخلت على خط ما بعد الحرب كجزء من مشروع دولي إسرائيلي-أميركي يهدف إلى إعادة إعمار لبنان، مع وضع شروط مسبقة أبرزها نزع سلاح المقاومة. هذه الشروط تعكس رغبة الرياض في أن تظل القوة السياسية والعسكرية الفاعلة في لبنان مقتصرة على الدولة، في مقابل استمرار النفوذ الإسرائيلي والأميركي في تشكيل المشهد السياسي والأمني.

في سياق ذلك، تظهر إسرائيل بسياقها الخاص وسعيها لإعادة صياغة الواقع اللبناني بشكل يخدم مصالحها على المدى الطويل. فمن خلال مواصلة التواجد العسكري والاقتصادي في الجنوب، تعمل تل أبيب على تثبيت وضعية أحادية الجانب، بهدف تحويل لبنان إلى دولة منزوعة السيادة، تحت رقابة أمنية إسرائيلية مباشرة، وهو تصور يخدم بدوره المشروع الإسرائيلي في السيطرة على المنطقة وتأمين حدودها الشمالية. ويأتي هذا بعد توقف اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن في نوفمبر 2024، والذي يعكس رغبة إسرائيلية واضحة في تثبيت وضعية طويلة الأمد تدعم مصالحها الأمنية.

أما الجانب السعودي، فيبدو مصراً على استخدام أدواتها السياسية والاقتصادية للضغط على لبنان من أجل فرض سياسة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، مع رفضها الكامل لسيطرة المقاومة المسلحة على الساحة اللبنانية. وتكشف مصادر دبلوماسية أن الرياض دفعت خلال اللقاءات الخاصة إلى خيار نزع سلاح المقاومة، حتى وإن أدى ذلك إلى اندلاع نزاعات داخلية أو حتى حرب أهلية، وهو مؤشر خطير على مدى تعقيد الأزمة وقضية السيادة التي تضعها السعودية في مواجهة الواقع اللبناني وميثاقه الوطني.

ومن المفارقات الكبرى أن المشروع الإسرائيلي لا يترك أي منفذ لأي طرف عربي آخر، إذ لا ترى تل أبيب في الرياض سوى مصدر تمويل وليس شريكًا سياسيًا. وهو ما أكده مسؤولون إسرائيليون سابقون، مما يعكس أن النفوذ السعودي يُنظر إليه ضمن إطار التمويل والدعم الاقتصادي فقط، في حين تُركز إسرائيل على صياغة السياسات بشكل مستقل في إطار مشروعها الأمني الواسع بدعم من واشنطن. هنا، تتجلى فروقات الأدوار بين الطرفين؛ فالسعودية تسعى لاستعادة أو تعزيز نفوذها في لبنان، بينما تعمل إسرائيل على هندسة واقع يخدم مصالحها الحيوية والأمنية، وتتحول الرياض إلى مجرد تمويل لخطط تُصاغ وتنفذ في تل أبيب وواشنطن.

هذه التطورات تطرح تساؤلاً كبيرًا حول مستقبل لبنان، الذي يبدو أنه أمام استقطابات إقليمية متزايدة، قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية، خاصة مع محاولة فرض حلول لا تأخذ في الاعتبار تنوع المجتمع اللبناني وخبراته التاريخية. إذ أن محاولة فرض نزع سلاح المقاومة، على سبيل المثال، قد تؤدي إلى توترات تعيد لبنان إلى أتون صراعات داخلية، ويهدد وحدته الوطنية.

وفي النهاية، يبدو أن المشهد الإقليمي يسير نحو مزيد من التدويل والتدخلات المباشرة، حيث تحاول القوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، صياغة واقع جديد يخدم مصالح كل طرف، على حساب ثوابت التعايش والوحدة الوطنية في لبنان. لذا، يبقى السؤال المشروع هو كيف ستتعامل الأطراف اللبنانية مع هذه الضغوط، وما هو مستقبل السيادة الوطنية وسط هذا المشهد السياسي؟

أضيف بتاريخ :2025/12/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

فيسبوك

تويتر

استبيان